27-فبراير-2021

ملصق المهرجان

الحجر المنزلي أخر ما سيُنسى من الجائحة، وأول ما سيُستعاد عند الحديث عنها. ويمكن القول أيضًا إنه أحد أكثر التجارب الإنسانية إثارةً للاهتمام، وحاجةً للدراسة، في الوقت الحالي، خصوصًا دراسة سلوك الفرد في ظله وتحت تأثيره. فإذا كان عند البعض فرصة للهو والانصراف إلى أمور شخصية مؤجلة، فإنه تحول عند البعض الآخر إلى مساحةٍ لاستجواب الذات ومحاكمتها، والبحث في معناها ومعنى الوجود أيضًا.

تمثل نسخة العام الحالي من مهرجان "ريدزون"، دعوة إلى استكشاف الفضاءات الداخلية التي صنعت حياة البشر خلال الحجر المنزلي

والسبب ببساطة أن الحجر وضع الفرد، بعزله داخل منزله، في مواجهة أسئلةٍ إشكالية مختلفة حول الهوية الفردية، ومن يكون، وما هي إمكانياته، وركائز كيانه، وغيرها من الأسئلة التي شغلت وقت فئةٍ معينة من البشر، في ظل غياب البديل الذي مثّله الخارج والآخر.

اقرأ/ي أيضًا: اختتام الدورة الثانية من "مهرجان المدينة".. خط دفاع في مواجهة الأسرلة

هذه الأسئلة وغيرها، تشكل محور فعاليات النسخة الخامسة من مهرجان "ريدزون"، التي ستُقام بين الرابع والسابع من آذار/ مارس القادم تحت عنوان "فضاءات داخلية"، في إشارةٍ مباشرة إلى الحجر المنزلي، وتجارب البشر عمومًا، والفنانين خصوصًا، في التعامل معه. إذ يمثل المهرجان، وبحسب ما جاء في بيان المنظمين، دعوة إلى: "استكشاف الفضاءات الداخلية التي صنعت حياتنا خلال العام الماضي، بعيون فنانين مختارين تتراوح رؤاهم بين التأمل الداخلي وفوبيا الأماكن المغلقة".

ويضيف البيان: "تمنحنا نسخة "فضاءات داخلية" هذا العام الفرصة للتفكير في: كيف نكون وحدنا، وكيف نجتمع مجددًا؟ وكيف نعبّر، فرديًا وجماعيًا، عما يؤلمنا؟ نرى في هذا الشكل الاستثنائي لنسخة هذا العام فرصة سانحة، فهذه الظروف الاستثنائية قد تسمح لنا بأن نتصوّر معًا واقعًا أكثر صدقًا وتواصلًا وعدلًا".

ويتطلع منظموا المهرجان الذي يقارب إشكالياتٍ معاصرة بروحٍ نقدية، إلى توفير مساحةٍ فنية متعددة المواضيع والاتجاهات، تأخذ على عاتقها مقاومة الشلل الذي تسببت به الجائحة في مختلف مجالات الحياة، لا سيما الفنية والثقافية منها، وذلك عبر: "تحفيز الفنانين على استخدام الإنترنت بأشكال جريئة ومبتكرة".

تُقام فعاليات النسخة الخامسة من "ريدزون" افتراضيًا، بسبب صعوبة التنظيم في ظل الإجراءات الاحترازية المتبعة لمواجهة انتشار وباء كوفيد – 19، حيث أطلق القائمون عليه، مؤسستا "المورد الثقافي" و"Kirkelig Kulturverksted" النرويجية، موقعًا خاصًا به، سيُقدّم عبره نحو 32 فنانًا وفنانة من دول عربية مختلفة، مشاريعهم الفنية التي تشمل عروضًا بصرية وموسيقية وسينمائية أيضًا.

 

وتتوزع فعاليات المهرجان على ثلاثة أقسام رئيسية، هي: "البرنامج الرئيسي"، و"لفتة خاصة"، و"حجر". يضم الأول ثلاثة زوايا فرعية، هي: "كلوز آب"، و"زووم إن"، و"أجساد افتراضية"، تتضمن بدورها مشاريع فنية أُنجزت بدعمٍ من مؤسسة "المورد" ضمن برنامج المنح الاستثنائية الذي أطلقته خلال الجائحة. أما القسم الثاني، فقد اشتمل على مجموعة متنوعة من العروض الفنية، فيما ضم الثالث والأخير مشاريع مستلهمة من تجربة الحجر المنزلي، وأخرى مُنجزة خلاله.

وتضم التظاهرة أيضًا جلسة حوارية بعنوان "الحجر والإبداع"، سوف تبث عبر "راديو الحارة" في بيت لحم، وتجمع فنانين وعاملين في المجال الفني، هم: العراقي خيال اللامي، والمصرية ليلى سليمان، والتونسية منال سويسي، بالإضافة إلى الفنانين الفلسطينيين يزن خليلي ويوسف أنسطاس.

يُعبّر المهرجان في نسخته هذه، بحسب رشا صلاح، القيمة الفنية على هذه النسخة ومديرتها، عما اختبره البشر خلال العام الفائت من صعوباتٍ وأزماتٍ مختلفة، تتعلق غالبًا بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحرجة، بالإضافة إلى الضغوطات النفسية الهائلة التي تسبب بها الحجر، لا سيما في العالم العربي ومجتمعاته الهشة.

وتضيف صلاح في حديثها لـ "ألترا صوت": "يرتبط عنوان نسخة 2020/2021 من "ريدزون"، بتجاربنا المختلفة مع الحجر، وتواجدنا دون رغبتنا في أماكن داخلية مغلقة. وتشير مفردة "فضاءات" هنا إلى أكثر من طبقة من طبقات "الفضاء"، بما هو مساحة مخصصة لإقامات النشاطات الفنية والثقافية، ومنها المسرح والسينما والغاليريهات وغيرها".

يسعى "ريدزون" إلى إتاحة الفرصة للتفكير في: كيف نكون وحدنا، وكيف نجتمع مجددًا؟ وكيف نعبّر، فرديًا وجماعيًا، عما يؤلمنا؟

تتابع: "ولكن إلى جانب هذه الفضاءات، هناك أيضًا الفضاء الداخلي، الذي وضعنا وجهًا لوجه أمام ذواتنا خلال الحجر، وفي ظل الوحدة التي شعرنا بها حتى داخل العائلة، وهي وحدة دفعتنا إلى التعمق في فضاءاتنا الداخلية، والبحث عن أشياء قديمة، وإعادة التفكير في أخرى مختلفة، إلى جانب إعادة النظر في علاقتنا وترتيب أولوياتنا، ومن هنا جاء عنوان النسخة: فضاءات داخلية".

اقرأ/ي أيضًا: انطلاق الدورة الخامسة من "المهرجان الدولي لآلة القانون"

وتلفت رشا صلاح الانتباه إلى أن ما يميز هذه النسخة من التظاهرة التي انطلقت قبل ثماني سنوات، هو إتاحتها الفرصة للتعرف على العوالم الداخلية للفنانين المشاركين فيها، عبر الإضاءة على الكيفية التي تعاملوا بها مع الحجر، والطريقة التي أنجزوا من خلالها مشاريعهم في ظله وتحت تأثيره، بالإضافة إلى البحث عما أضافته هذه التجربة إليهم، وما الذي أخذته في المقابل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"مهرجان بيروت للرقص المعاصر - بايبود".. عمارة جسد محطم

الدورة التاسعة من "مهرجان عمّان جاز" دورة رقمية