27-سبتمبر-2018

من فيلم (ثلاثة أيام في كويبيرون)

هذا العام تحول أسبوع السينما الألمانية السنوي في بيروت إلى مهرجان، ذلك أنه امتد إلى عشرة أيام، قدمت فيه مجموعة من الإنتاجات السينمائية الألمانية الجديدة، كان من بينها فيلمان يتعلقان بالسيرة Biography، وهما: "ثلاثة أيام في كويبيرون"، و"باولا"، كما شمل المهرجان تظاهرة تتعلق بالسيرة الفنية للممثلة الألمانية هالا شيغولا، والتي تم عرض أربعة أفلام من تاريخ السينما الألمانية شاركت فيها الممثلة وهي: "احذروا القديسة العاهرة" (1971، راينر فاسبندر)، و"الجيل الثالث" (1979، راينر فاسبندر)، و"فاوست" (2011، ألكسندر سوخوروف)، و"حافة الجنة" (2007، فاتح آكين).

قدم مهرجان السينما الألمانية لهذا العام تنويعات على كيفية تناول موضوعة السيرة الفنية، سواء أكان على مستوى المضمون، أو على مستوى الشكل الفني

أفلام السيرة، هي تلك الأفلام التي تسعى لرواية قصة حياة شخصية وتقديمها على الشاشة السينمائية، ومن خلال المهرجان السينما الألمانية لهذا العام، بإمكاننا الاطلاع على ثلاثة أساليب في تناول السيرة لشخصيات أنثوية فنية نتناولها فيما يلي. 

1. ثلاثة أيام في كويبيرون (2018، إملي عاطف، 115 د)

الأسلوب الأول في تنويعات أفلام السيرة، نقابله مع فيلم الإفتتاح في المهرجان، وهو  فيلم "ثلاثة أيام في كويبيرون" للمخرجة الألمانية الإيرانية إملي عاطف. الفيلم حول حياة النجمة السينمائية الراحلة رومي شنايدر (1938 - 1982)، والتي تعتبر من أبرز ممثلات السينما الأوربية، والتي عملت لصالح مخرجين تميزوا على مستوى الإنتاج الفيلمي الأوربي.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم يوم الدين.. حكاية محلية بإيقاع الوجع العالمي

قبل عام من وفاتها، أمضت الممثلة رومي شنايدر فترة نقاهة في كويبيرون الفرنسية، وهناك زارها كل من الصحفي ميشيل غيرج والمصور روبرت لبيك من مجلة (ستيرن) الألمانية وخلال هذه الأيام الثلاثة حاولا تحقيق لقاء صحفي ومجموعة صور للفنانة. بعد عام غادرت رومي شنايدر الحياة، أصبحت مجموعة صور روبرت لبيك أيقونية، وأصبحت مقابلة (ستيرن ) أكثر مقابلات النجمة الأوربية شهرة.

أفلام السيرة، هي تلك الأفلام التي تسعى لرواية قصة حياة شخصية وتقديمها على الشاشة السينمائية

تصور إملي عاطف في فيلمها مجريات هذه الأيام الثلاثة، وخصوصاً أسلوب تعامل الإعلام مع النجمة المنهكة، والتي تعاني من اضطرابات شخصية، منها أثر انتحار زوجها الأول، وانفصالها عن شريكها الثاني، وصراعها للحصول على حضانة ابنها، وإدمانها على الكحول. يبين الفيلم كيف تهتم الصحافة والإعلام بالحياة الشخصية للفنانة، دون أن تذكر لها أكثر من دور تمثيلي واحد، هو دورها في شخصية زيزي في بداية مسيرتها المسرحية. يبين الصحفي جيرج أن حياتها الشخصية الحميمية هو ما ينتظره القراء مجلته، فيحث شنايدر على الانهيار لتعري ذاتها إلى حدود الهستيرية.

يسعى فيلم "ثلاثة أيام في كيبيرون" لخلق تعاطف المتلقي مع الجوانب "الإنسانية" أو الإيجابية في شخصية شنايدر، فنشاهدها ما أمكن في لحظات من الحيوية، الرغبة في الرقص، التواصل مع البسطاء، والتأثر العاطفي لأوضاع الآخرين العابرين، ولكن الفيلم لا يعرض أبداً للأعمال التمثيلية لرومي شنايدر، ولا يتعرف المتلقي على مسيرتها الفيلموغرافية، ولا يمرر أمامه مشاهد من أفلامها وأدائها. 

هذا الأسلوب في السرد السيري الذي يتناول ثلاثة أو أربعة أيام، أو أية فترة زمنية محدودة من حياة شخصية لتناولها سيرتها، ليس أكثر الأساليب السينمائية شيوعاً في التعامل مع موضوعة السيرة. فأفلام السيرة الفنية الأكثر انتشاراً هي تلك التي تعرض كامل حياة الشخصية الفنية التي تتناولها، كما هو الحال مع الفيلم السيري الثاني في المهرجان، وهو فيلم (باولا).

 

2. باولا (2016، كريستيان شووتشاو، 120 د )

يتناول فيلم "باولا" للمخرج الألماني كريستيان شووتشاو، سيرة الرسامة الألمانية (باولا بيكر 1876 – 1907)، واحدة من الفنانات الرائدات في تيار المرحلة التعبيرية، وهي أول رسامة امرأة ينشأ لأعمالها متحف خاص لها بعد موتها.

يسرد الفيلم محاولات (باولا بيكر) لتحقيق رغبتها بأن تصبح رسامة، لم يتم قبولها في أكاديمية الفنون الجميلة في برلين، فتابعت دورات تدريب لتطور من تقنياتها الفنية، في واحدة منها تقابل الرسام المحترف أوتو موديرسوهن، لتتزوج به لاحقاً، وتقابل الكاتب رينير ماريا ريلكه ليرتبطا بعلاقة صداقة إشكالية.

بعد خمس سنوات من زواجها بأوتو تكتشف باولا أنها تعيش علاقة حب بائسة، وأن نجاح زوجها الرسام موديرسوهن يطغى بالكامل على لوحاتها، فتنتقل للعيش في باريس، هناك يكون تيار مجدد في الرسم قد بدأه الفنان المعروف سيزان، ما يسمح لباولا بتطوير أسلوبها، لكنها لن تحظى بأي تقدير جماهيري أو نقدي إلا بعد وفاتها، الذي جرى مبكراً وهي لم تكن قد تجاوزت الواحدة والثلاثين من عمرها.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم Sobibor.. فائض سياسي لتوظيف الهولوكوست واحتكاره

يظهر الفيلم معاناة باولا بيكر على صعيدين: الأول بأنها امرأة، ولم يكن النقاد يعترفون بقدرات المرأة على أن تصبح رسامة، فكيف بها لتكون رسامة مجددة؟ وهو الجانب الثاني الذي تعاني فيه باولا بيكر وهي ألا ترسم كما هو سائد ومتعارف عليه في فن الرسم التشكيلي في تلك الفترة. إنهما صعيد المرأة كفنانة، وصعيد الفنان كمجدد.

ينجح فيلم المخرج كريستيان شووتشا بأن يضيء على الجانب الفني الذي تعيشه باولا بيكر دون مجرد الوقوف على حياتها الشخصية، إن المشاهد يرى لوحاتها على الشاشة، ويقارن بينها وبين رسومات الفن السائد في تلك المرحلة في ألمانيا وفرنسا ويلمح جوانب التغيير الفني الذي حملته باولا بيكر إلى فن الرسم، وهذا أهم الجوانب في التعامل مع السيرة الفنية، أي الكشف عما أضافه الفنان إلى النوع الفني الذي يعمل عليه. فجميع البشر يعيشون حياة شخصية متشابهة، من حب وهجران، فقدان وعصابية، طلاق وزواج، ما يهم في سيرة فنان حقاً هو ما أضافه إلى تاريخ الفن والمهنة التي اختارها. 

3.  تحية إلى هالا شيغولا بأربعة أفلام

النوع الثالث الذي تقترحه السينما في التعامل مع السير الفنية، وهو ما درجت عليه المهرجانات السينمائية، بتوجيه (تحية إلى فنان) أو (عرض أفلامه كظاهرة استعادية). هذا النوع من تناول السيرة توفر أيضاً في مهرجان السينما الألمانية في بيروت هذا العام، وهي تظاهرة خصصت للممثلة هانا شيجولا (1943 - )، واحدة من أهم وأكثر ممثلات السينما الألمانية تقديراً، تعاونت مع المخرج رينير فاسيندر في ثمانية أفلام وشكلت موجة السينما الألمانية الجديدة بين سنوات الستينات والسبعينات. بعد وفاة فاسبندر شاركت هالا شيغولا في العديد من الأفلام الهامة الفرنسية، الإيطالية، والأمريكية.

إن الاطلاع على الأعمال الفنية التي حققها الفنان هو أفضل ما يمكن في التعامل مع سيرته، وهذا ما تحققه جيداً فكرة التظاهرة. كم هو من المفيد أن يتعرف المتلقي على أن هالا شيغولا أدت تلك الشخصية النسائية الشهيرة (ماريا براون)، وبالتالي عايشت ولو بالتخييل تلك المشاعر، الأزمات، الأسئلة العاطفية والنفسية التي عبر عنها فيلم (زواج ماريا بروان، 1978) من إخراج رينير فاسبندر، وهذا مفيد للمهتمين بالفنانة أكثر من المعلومات المتعلقة بالحياة الشخصية للفنانة ولا شك. كم من المهم أن نتعرف أن هالا شيغولا عملت على تلك القصة الآسرة التي حولها غوته إلى مسرحية، هي مسرحية فاوست.

كم من المهم أن نتعرف أن هالا شيغولا عملت على تلك القصة الآسرة التي حولها غوته إلى مسرحية، هي مسرحية فاوست

وإن كانت لم تلعب دور فاوست نفسه، إلا أنها لاشك أمضت أياماً من عمرها وهي تفكر بقصة هذه الشخصية وعايشت عوالم فاوست وأجواءه، وشغلت نفسها بمقاصدها وتأويلاتها، وذلك حين عملت مع المخرج القدير ألكسندر سوخوروف في فيلم حمل عنوان (فاوست، 2011 )، والذي عرض أيضاً من بين أفلام مهرجان السينما الألمانية هذا العام بين الأربعة أفلام المخصصة لمسيرة هالا شيجولا.

في بداية القرن العشرين، دار سجال بين الناقد الفني سانت بوف والروائي الفرنسي مارسيل بروست، غير من تاريخ الدراسات الفنية والدراسات الأدبية. كان الجدال الدائر حول الكيفية الأفضل للتعرف عبرها على العمل الفني وفهمه. كان رأي الناقد سانت بوف أنه يمكننا التعرف على العمل الفني من خلال دراسة حياة صانعه والتعرف على تفاصيلها وتحليل العمل الفني من خلال الغوص في حياة الفنان. بينما دافع بروست عن دراسة العمل الفني ذاته، وفصل بين الذات الشخصية والذات الإبداعية للفنان، واعتبر أن دراسة السيرة الخاصة بالفنان لا تساعد على فهم العمل الفني بمقدار ضرورة دراسة أعماله نفسها والتعرف على التطور الذي حققه بين العمل الفني والآخر.

مهرجان السينما الألمانية لهذا العام قدم لنا تنويعات على كيفية تناول موضوعة السيرة الفنية، سواء أكان على مستوى المضمون، أو على مستوى الشكل الفني، أو على مستوى تكريس فكرة التظاهرات الفيلمية الخاصة بالمسيرة السينمائية للفنان والفنانة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

فيلم Amerigeddon.. نظرية المؤامرة بنكهة أقصى اليمين الأمريكي

أكثر من مجرد جنس.. كيف تعبّر السينما عن مشاكل المثليين غير البيض؟