20-فبراير-2018

من الفيلم

يبدأ فيلم توماس لينون "مهارات السكين-Knife Skills" ليلًا في مطعم "إدوينز" الفرنسي الجديد في كليفلاند. الفيلم رشّح إلى أوسكار أفضل فيلم وثائقي قصير يتناول أجواء المطاعم الفاخرة وحياة ما بعد السجن. هنا مراجعة مترجمة للكاتبة سارة لارسون من مجلة "النيويوركر".


بينما يبدأ عرض فيلم "مهارات السكين-Knife Skills" المرشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي قصير للمخرج توماس لينون، لمدة أربعين دقيقة، كانت ليلة افتتاح مطعم "إدوينز" (Edwins)، وهو مطعم فرنسي جديد في مدينة كليفلاند. وقبل وقت قصير من بداية العرض، يتحدث صاحب المطعم الذي يرتدي ملابس أنيقة مع ربطة عنق وردية لموظفيه في غرفة الطعام. ويقول لهم "سيكون هذا هو الافتتاح الأكثر ترقبًا لمطعم شهدته مدينة كليفلاند. وسيحدث ذلك اليوم في غضون عشر دقائق". فقد كان يشعر بالحماس والسعادة والقوة، مع نظرة طيبة في عينيه، وعلى الرغم من أنهم شعروا بالقلق ولكنهم كانوا متحمسين، في تلك الملابس البيضاء التي يرتديها رئيس الطهاة والملابس الرسمية التي يرتديها الندلاء عندما يقدمون الطعام.

يعرض الفيلم الوثائقي "مهارات السكين-Knife Skills" حياة ما بعد السجن من خلال العمل في مطعم

يُعزى هذا الترقب إلى سببين أُشير إليهما في اثنتين من البطاقات التعريفية الصغيرة: تخبرنا البطاقة الأولى أن مطعم إدوينز يهدف إلى أن يكون أفضل مطعم فرنسي كلاسيكي في الولايات المتحدة، وتخبرنا الثانية أن مطعم إدوينز يُدار من قِبل أشخاص خرجوا حديثًا من السجن. وبينما تزايد الضغط في المطبخ في تلك الليلة، يصيح طاه فرنسي بلهجة عنيفة، "أحتاج تلك الأرانب الآن!"

اقرأ/ي أيضًا: 10 أفلام وثائقية عن كرة القدم يجب عليك مشاهدتها

تبدأ أحداث فيلم "مهارات السكين-Knife Skills" قبل ستة أسابيع من ذلك الوقت، عندما استقبل مطعم إدوينز، الذي يُعتبر مدرسة لتعليم فن الطهي ومطعم في نفس الوقت، بالترحاب الدفعة الأولى من الطلبة. يُقدم صاحب المطعم براندون كروستوسكي نفسه ويقول: "القصة باختصار أن هذا المطعم كان السبب في إنقاذ حياتي. وبسبب ذلك، أنا هنا اليوم ونحن نفعل ما تراه".

تُظهر عدسات الكاميرا الرجل يقف ضمن المجموعة يومئ برأسِه إشارة على أنه يفهم ما يقال. ونشاهد في الفيلم رحلة طاقم العمل بينما يتعلمون فن إعداد الطعام الفرنسي، ويدرسون باهتمام شديد أقاليم فرنسا على الخريطة، ويتعلمون أسماء ومكونات "الخرشوف مع صلصة الباريغول" (artichauts à la barigoule)، و"فطيرة لحم الأرنب بالجبنة البارميزان وشرائح لحم الخنزير" (tarte de lapin au Parmesan et jambon en croûte)، و"المعكرونة بجبنة فونتينا" (pâtesditalini au fromage de Fontina). ونرى في أحد المشهد، واحدًا من المتدربين وهو يراقب بكل تركيز واهتمام شديد الطريقة الفرنسية الصحيحة لتقطيع الكوسا.

كما نرى العديد من أنواع الطعام - اللحم في مفرمة والخضروات في وعاء - بينما تراقب الوجوه ذلك باهتمام وقلق. وتُظهر لنا عدسات كاميرا المخرج لينون الواجهة الأمامية للمطعم حيث يتم استقبال الزبائن بابتهاج، وفي لقطة من خلف كتف كروستوسكي، نراقب بحذر أحد العاملين الذي أعرب كروستوسكي عن انزعاجه منه، لأنه قد يكون مُدمنًا.  وننجذب على الفور لعدد قليل من الشخصيات الفردية، كما فعل لينون عندما كان يصور الفيلم، للتعرف على رغبتهم في الحصول على فرصة ثانية والتحديات التي يوجهونها بينما يسعون لتحقيق ذلك.

لا يعرض فيلم "مهارات السكين-Knife Skills" مجرد قصة بسيطة عن التوبة والتّكفير عن الماضي، بل يُمثل فرصة للتعرف على مجموعة من الأشخاص في وقت ومكان محددين، وللشعور بالطاقة الناجمة من فكرة جيدة أثناء تنفيذها. بينما نأمل كمشاهدين، تمامًا مثل المشاركين، في نجاحها، وينتابنا القلق من فشلها المحتمل. ويرجع ذلك إلى أن العودة إلى ارتكاب الجرائم أمرًا شائعًا بين السجناء السابقين، كما أن الرجوع إلى تعاطي المخدرات من قِبل المدمنين السابقين يُعد أمرًا خبيثًا، وتمثل السنة الأولى التي يقضيها السجناء السابقين لإعادة الانسجام مع المجتمع وقتًا محفوفًا بالمخاطر بشكلٍ خاصٍ.

لا يعرض فيلم "مهارات السكين" مجرد قصة بسيطة عن التوبة والتّكفير عن الماضي، بل يُمثل فرصة للتعرف على مجموعة من الأشخاص في وقت ومكان محددين

يصور فيلم "مهارات السكين-Knife Skills" ذلك بحسٍ مرهف وبصراحة ووضوح، ويعمل على بذل الجهد لتقديم ما يكفي فقط من السياق الدرامي. إذ لا يعرض فيلم المخرج لينون الكثير من الحوار بين الشخصيات، والتفسيرات المطولة للقضايا الاجتماعية، بل لا يتناول حتى وصفًا كاملًا للهدف من المطعم وآليات العمل فيه. فعلى سبيل المثال، لن يخبرك الفيلم أن اسم المطعم "إدوينز" يتكون من مقطعين "إد" و"وينز" اللذين يمثلان اختصارًا لعبارة "التعليم يفوز"، لكن إذا أوقفت الفيلم لوهلة وقرأت مقالًا عن المطعم، يُمكنك أن تعرف ذلك بنفسك.

اقرأ/ي أيضًا: 5 أفلام وثائقية عن شخصيات منسية في تاريخ الصراعات العسكرية

كما أن فيلم "مهارات السكين-Knife Skills" لا يذكر أن مطعم إدوينز غير هادف للربح، أو أنه توسع لكي يشمل سكنًا ومقرًا ومتجر بيع سلع منخفضة الثمن للمقيمين، أو أن المطعم مستمر في الناجح وينال إعجاب رواده. قال لي لينون، اضطررت إلى البحث على موقع جوجل لاكتشاف قصة مذهلة: في العام الماضي، عندما أخذ كروستوسكي إجازة من إدوينز، للترشٌح لمنصب عمدة مدينة كليفلاند.

"نحن نعيش في عصر المعلومات المُتاحة بسهولة، وأنا أحدد مفهوم عملي بشكلٍ ضيقٍ للغاية: عن طريق طرح تساؤلات مثل، هل أستطيع أن أجعلك تفكر في قضية ما وأثير اهتمامك بقضية ما؟ وهل أستطيع أن أجعلك تفكر في أشخاص وتولي اهتمامًا بهؤلاء الأشخاص؟ "إذا كان يستطيع هو أن يفعل ذلك، يُمكننا نحن أيضًا تعلم المزيد بسهولة. كما أشار إلى أن أحداث الفيلم تسترشد بالمشاركة الوجدانية والفضول، لكن لينون لم يتناولها عن طريق الفهم الثقافي لإصلاح العدالة الجنائية أو العاطفة حول تاريخ السجن الجماعي. وتابع "إنني أهتم كثيرًا الآن بهذه القضايا، ولكن لم يكن هذا السبب الذي جاء بي إلى هذه القصة". لقد جاءت القصة له.

التقى لينون مع كروستوسكي في عام 2013، في حفل عشاء في منزل أحد الأصدقاء المُشتركين، وهما كارين وديفيد والتاك، اللذان امتلكا مطعم "شانتريل" (Chanterelle) في منطقة مانهاتن لفترة طويلة، حيث كان يعمل كروستوسكي، والذي أغلق في عام 2009. قال لينون "لم أستطع فهمه بشكلٍ واضح". "كان يتحدث كثيرًا، ويحدق في رغيف اللحم. ولكنه قال شيئًا عن أنه كان سيفتتح أفضل مطعم فرنسي في جميع الولايات المتحدة، وأنه سيقع في مدينة كليفلاند، وسيكون جميع العاملين في المطعم من الأشخاص الخارجين حديثًا من السجن. فعرفت على الفور أن ذلك سيكون قصة جيدة لفيلم".

كان التوقيت مُصادفةً، إذ لم يوقع كروستوسكي عقد إيجار المطعم بعد. وبعد أسبوعين، ذهب لينون إلى مدينة كليفلاند بسيارة مليئة بمعدات تصوير الأفلام والأضواء و "تسكع فقط حول المكان"، في محاولة لتكوين فكرة عن كروستوسكي ومشروعه. وعاد بعد أسبوعين من ذلك الوقت، عندما وصل أول المتدربين المحتملين، ثم عاد بعد ذلك بشكلٍ دوري لعدة أشهر. وقام بتصوير كمية هائلة من المشاهد، الأمر الذي أتاح له العديد من الخيارات التي يُمكنه الاختيار بينها عند تحرير الفيلم (قال لينون إن محرره ومنتجه المشارك، نيك أوغست-بيرنا، كان جزءًا لا يقدر بثمن في العملية)، وأن مجهوداته على الرغم من النقص في المال، جعلت عملية استكمال الفيلم ممكنة والتي كانت من الممكن أن تستغرق سنوات طويلة.

يُعد لينون، الذي بلغ الستينات من عمره، مخرجًا مستقلًا، لكنه لم يكن كذلك دائمًا، فقد تلقى تدريبه في الشبكات التلفزيونية، إذ يقول: "كان ذلك عندما قدمت الشبكات بعض الأعمال الوثائقية الجيدة بالفعل"، كما عمل مع بعض المخرجين العظام، مثل ألان وسوزان رايموند عندما كان في مقتبل حياته. خلال الثلاثينات من عمره، عمل في برنامج "التجربة الأمريكية"، وبرنامج "خط المواجهة"، أعقب ذلك سلسلة برامج تاريخية، مثل "الأيرلنديين في أمريكا: رحلة طويلة إلى الوطن" لصالح شركة ديزني، وشبكة بي بي إي، و"أن تصبح أمريكيًا: التجربة الصينية" مع بيل مويرز. يقول لينون "أنا الآن مستقل إلى حد كبير، وأحقق مكاسبي المادية الخاصة". وقد أُنتج فيلم "مهارات السكين" الوثائقي بمساهمة منحة قدمتها "مؤسسة سوروس" (Soros Foundation) ، وبدعم من صديقته جوان غانز كوني، المبدعة التي شاركت في ابتكار مسلسل "شارع سمسم"، والشريكة المؤسسة ل "ورشة عمل تلفزيون الأطفال" (Children’s Television Workshop).

عندما أُعلن عن ترشيحات جائزة الأوسكار لعام 2018 قبل أسبوعين، كان لينون شديد التوتر ليستمع البث. إذ يقول "في الليلة السابقة، كنت مُشوشًا"

عندما أُعلن عن ترشيحات جائزة الأوسكار لعام 2018 قبل أسبوعين، كان لينون شديد التوتر ليستمع البث. إذ يقول "في الليلة السابقة، كنت مُشوشًا". وأضاف "استيقظت مبكرًا، وذهبت إلى صالة الألعاب الرياضية، ومن ثم ذهبت إلى السوبر ماركت، وأحضرت لزوجتي الحليب والقهوة الخاصة بها. ونظرت في هاتفي، وكانت الساعة الثامنة وخمس وثلاثون دقيقة. فقلت لنفسي، إن لم يتصل بي أحد خلال الدقائق الخمس المقبلة، فقد انتهى كل شيء". رن هاتفه بعد ذلك، وعلم أن فيلم "مهارات السكين" قد اُختير كأفضل فيلم وثائقي (في فئة الأفلام القصيرة) . قال لينون "لقد شعرت بإحساس غامر من الفرحة بعد الجهد الكبير المبذول في هذا الفيلم، ولم تكن هناك حاجة للقلق بعد ذلك". ويضيف "كنت أعرف أنه سيحقق هذا النجاح، وأن الناس سوف يشاهدونه. لقد سار كل شيء بشكلٍ جيدٍ. سوف يكون هذا الفيلم رائعًا". إن مشاهدة هذا الفيلم يجعلك تشعر وكأن كل شيء سوف يكون على ما يرام، ليس بسبب المثالية الساذجة فحسب، بل بسبب إخلاص أفراده للمُثل العليا القائمة على الواقعية.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Kedi".. لقاء ممتع في عشق القطط وإسطنبول

مع اقتراب انتهاء فيلم "مهارات السكين-Knife Skills"، كان هناك مشاهد من المشاعر الجياشة - التي صورت الأشخاص في الفيلم وهم يقومون باحتضان بعضهم، ويتبادلون الابتسامات، وكلمات الفخر والتقدير. فقد كانت مظاهر الحب الطاغية في المكان الذي تواجدت فيه المجموعة القائمة على العمل واضحةً.

يقول لينون: "بدايةً من المؤسس والرئيس، مرورًا بالمتدربين بشتى أطيافهم، كانت هناك مودة غير عادية. لم يحدث ذلك بشكل كامل -فقد كانت هناك خلافات. ولكنني أعتقد أن هذه الفترة التي تضمن إعادة انسجام السجناء السابقين مع المجتمع تتميز بالوحدة الشديدة". يقدم مطعم  إدوينز البديل لذلك، كما أنه يقدم نظامًا للدعم. يقول لينون "كان عندي شعور بأن معظم الأشخاص المشاركين في البرنامج، أو على الأقل بعض من تحدثت إليهم، لديهم ذلك الشعور المزعج بالضعف الذي يريدون التخلص منه، ذلك الخوف من ضياع تلك الفرصة الثانية". ويضيف "كانت الرابطة التي نشأت بين بعضهم البعض، تجاه الأشخاص الذين يعلمون أنهم يقدمون لهم حبل النجاة، قويةً للغاية". في أحد المشاهد، يذهب آلان، وهو أحد المتدربين، بينما كان يتحدث عن والدته بعاطفة جياشة، وعن ولعها بالطهي، إلى زيارتها، ويحضر معه صورة لجلبرت، الطاهي والمدرب الفرنسي، ليريها إيها. ويخبرها "هذا الشخص في الصورة هو صديقي".

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم Buena Vista Social Club: Adios دراما أساطير الموسيقى الكوبية

هيدي لامار.. وثائقي جديد عن الممثلة الفاتنة والمخترعة العبقرية