من وسط القاهرة إلى أطرافها.. نوادي الكتب تعيد تشكيل خارطة الثقافة

لطالما كانت منطقة وسط البلد بالقاهرة مركزًا للندوات والفعاليات الثقافية، لكن في السنوات الأخيرة، بدأت في الظهور مواقع أخرى – بعيدة عن تلك المركزية – في أماكن مثل: الشيخ زايد؛ مدينتي؛ التجمع الخامس، لتنتقل بؤرة الثقافة خارج مركزية الوسط إلى الأطراف، مكوّنة تجمعات ثقافية نشطة.

على بعد حوالي 30 كيلومترًا من وسط البلد، تقع مدينة الشيخ زايد والتي تضم مكتبة "بيبليوتيك"، حيث يُقام نادي كتاب شهري تديره الدكتورة والروائية لنا عبد الرحمن والكاتبة الصحفية منى أبو النصر. تأسس نادي الكتاب العربي عام 2023. تقول لنا: جاءت الفكرة بعد ملاحظتها وجود مجموعات قراءة في عدد من الكومباوندات السكنية (تجمعات سكنية أغلب سُكانها من الطبقات العُليا) وحي الأشجار الذي تسكنه، خلال فترة جائحة كورونا (كوفيد – 19). فبدأت تتردد على هذه المجموعات، لكنها تساءلت: "لماذا يكون نادي الكتاب مقتصرًا على سُكان الكومباوند فقط؟ أحببت أن يكون مفتوحًا لضم عدد أكبر من الناس".

لم يكن لدى لنا مكان محدد في ذهنها لتأسيس النادي، وبعد تفكير عميق، استقرت على مكتبة "بيبليوتيك"، التي وصفتها بأنها "مكان جذاب ومريح كنت أتردد إليه من حين لآخر". توجهت إلى مسؤول القسم العربي، جمال محمود، الذي رحّب بالفكرة، وبدأت أولى ندوات نادي "لقاء" عام 2023 مع الكاتب أحمد المرسي، المرشح آنذاك بالقائمة القصيرة لجائزة البوكر عن روايته "مقامرة على شرف الليدي ميتسي".

لم تتوقع لنا نجاح الفكرة واستمرارها حتى الآن. في البداية، كانت تدير الندوة الشهرية بمفردها، ثم انضمت إليها منى أبو النصر، التي أضافت طابعًا تفاعليًا للندوات. تقول لنا: "لا توجد مركزية في إدارة اللقاء، مع حضور مُنى أصبحت الندوة أكثر تفاعلية، فأنا أطرح سؤالًا، وكذلك منى". وبمرور الوقت، أصبح الكُتّاب أنفسهم ودور النشر يرغبون في الاستضافة بالنادي.

توضح لنا أن النادي واجه بعض الأخطاء في بداية تأسيسه، لكنهم تفادوها لاحقًا، مثل الإعلان عن الندوة بوقت كافٍ مسبقًا. كما تشير إلى أن أغلب الحضور من ضواحي مدينة السادس من أكتوبر.

لا تقتصر لقاءات "بيبليوتيك" على مناقشة الكتب المرشحة أو الحائزة على جوائز فقط، بل تشمل أيضًا ندوات تناقش ظواهر معينة أو أعمال كاتب بعينه، مثل ندوة الكاتبة الفلسطينية ليالي بدر، التي وصفتها لنا بأنها "كانت ندوة حميمية ودافئة". 

ترى لنا أن وجود حركة ثقافية في مدينة السادس من أكتوبر أمر إيجابي، إذ كان من الصعب عليها سابقًا حضور الفعاليات في وسط البلد، التي تستغرق حوالي ساعة ونصف للوصول إليها. وتضيف: "جميل أن ثقافة القراءة تنتشر".

بعيدًا عن الشيخ زايد، وتحديدًا في منطقة التجمع الخامس، بدأت إيمان منصور نادي كتاب خاص بها منذ أربع سنوات. تقول إيمان إن الفكرة جاءت من تجمع مجموعة سيدات فوق الأربعين عامًا، يفضلن مناقشة الكتب بدلًا من المواضيع التقليدية. من هُنا، تأسس نادي الكتاب الأسبوعي.

وجود حركة ثقافية في مدينة السادس من أكتوبر أمر إيجابي، إذ كان من الصعب عليها سابقًا حضور الفعاليات في وسط البلد

لا يقتصر النادي على مناقشة كتابٍ واحد، بل يمكن مناقشة موضوع عام وأهم الكتب التي تناولته. ترى إيمان أن هذا الأسلوب أفضل من مناقشة كتاب واحد، لأن "البعض قد لا يكون قد قرأ الكتاب، وهذا قد يكون السبب وراء توقف نوادي الكتب". أنشأت إيمان مجموعة على فيسبوك تحت اسم "ركن إيمان للكتاب"، ومجموعة "واتساب" للتواصل، واستضافت عددًا من الكُتّاب، مثل محمد المنسي قنديل؛ أشرف العشماوي؛ أسامة الشاذلي؛ وريم بسيوني. كما أقامت عروضًا للأفلام.

كان أسامة علام، صاحب كتابي "طريق متسع لشخص وحيد" و"أربع محاولات للحياة"، من أوائل الكتاب الذين استضافتهم إيمان. رغم قلقها من عدد الحضور في البداية، تفاجأت بالإقبال منذ الندوة الأولى. كررت استضافة أسامة الشاذلي أكثر من مرة، من بينها مناقشة حول تاريخ اليهود بعد أحداث أكتوبر، كما استضافت الكاتب أحمد مراد.

تقول إيمان إن نادي الكتاب كان مشروعًا ناجحًا، إذ تعرفت على أشخاص حريصين على حضور الندوات الأسبوعية، وأصبحوا أصدقاء لاحقًا، وصاروا يطلقون على النادي اسم "جلسة تعافي". تفخر إيمان بناديها الذي لبّى احتياجات سكان التجمع الخامس، الذين يواجهون صعوبة في حضور فعاليات وسط البلد، التي تراها "مقتصرة على فئة معينة".

بجانب إيجاد الأصدقاء، شجّع نادي الكتاب إيمان على دراسة النقد الأدبي، رغم أن عملها الأساسي كمديرة موارد بشرية بعيد عن الثقافة. تضيف: "لكن النادي دفعني لتطوير نفسي". وبجانب النادي، أسست إيمان شركة صغيرة للتدريبات وورش الكتابة والسيناريو.

في "مدينتي"، الحي السكني الواقع شرق القاهرة على بعد حوالي 43 كيلومترًا من وسط البلد، تسكن غادة لبيب، التي بدأت نادي كتاب عام 2022. جاءت الفكرة من حُبها للقراءة ومشاركتها كعضوة في مجموعة قراء "مدينتي". وبالدافع نفسه الذي تحرك لدى لنا، قررت غادة، بعد تشجيع من المجموعة، تأسيس نادٍ تحت اسم "حديقة الكتاب". في البداية، اقتصر الحضور على الأصدقاء والمعارف، لكن مع الوقت، ازداد عدد الحضور وتنوعت أعمارهم، ولم يقتصروا على سكان مدينتي فقط.

على مدار ثلاث سنوات، حقق نادي الكتاب نجاحًا كبيرًا، واستضافت غادة كتابًا مثل الدكتور محمد المخزنجي، الكاتب المعروف بندرة ظهوره، حيث ناقشوا بداياته وعلاقته بالأدب ويوسف إدريس. كما استضافت كتابًا شبابًا موهوبين مثل سما هاني، صاحبة رواية "قصاصات بخط الجدار"، التي لاقت تفاعلًا كبيرًا.

تثمّن غادة وجود نوادي كتب في مناطق متفرقة بالقاهرة، وعدم اقتصارها على وسط البلد، قائلة: "الآن لن يشعر القراء بالحرمان من الحضور، وسيتمكنون من مقابلة الكتاب الذين يحبونهم". توسعت غادة في ناديها، فلم يعد يقتصر على الكتب، بل أسست ناديًا شهريًا للأفلام، تستضيف فيه فنانين ومخرجين وكتاب سيناريو، مثل المخرج خيري بشارة، والمصور سعيد الشيمي، والسيناريست هشام عبية.

منذ خمس سنوات، توقفت سمر عن العمل، وقررت اكتشاف مهاراتها الدفينة، فبدأت في حضور ورش كتابة. مؤخرًا، أسست نادي كتاب تحت اسم "كوكب زد" في مدينة الشيخ زايد، للدافع نفسه: قلة الأنشطة الثقافية في المدينة وصعوبة حضور فعاليات وسط البلد.

الآن لن يشعر القراء بالحرمان من الحضور، وسيتمكنون من مقابلة الكتاب الذين يحبونهم

ناقشت سمر في ندوتها الأولى رواية "لعنة الخواجة" للصحفي وائل السمري، التي تروي قصة المهندس اليوناني الأصل أدريان دانينوس، صاحب فكرة بناء السد العالي. لا تشترط سمر القراءة المسبقة للحضور، "حتى يتمكن من يرغب في الحضور من أخذ فكرة على الأقل". تقيم سمر النادي شهريًا لإتاحة الوقت للحضور للقراءة، وتفكر مستقبلًا في توسيع النقاشات لتشمل مواضيع عامة إلى جانب الكتب.

يُعد نادي الكتاب جزءًا من مجتمع ثقافي أنشأته سمر، وبجانب مناقشة الكتب، تقيم ورش يوم واحد "لأي شخص لديه موهبة في مجال معين". وجدت سمر في النادي فرصة للتعرف على أصدقاء جدد يشاركونها الشغف، كما سهّل عليها حضور فعاليات وسط البلد، فتقول ضاحكة: "أي فعالية بعيدة عن كوكبنا، نجتمع في سيارة واحدة ونذهب سويًا".