24-مارس-2017

مؤيدة لترامب خلال أحد مؤتمراته الانتخابية (مارك ويلسون/Getty)

من هن النساء اللواتي صوتن لصالح ترامب؟. يُفصل هذا المقال المنشور في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية الإجابة، ويحللها من خلال نماذج غير متوقعة ولم تُذكر في التحليل الذي وصف القاعدة الشعبية الداعمة لترامب على أنها نوبة هياج من الرجل الأبيض الساذج غير المتعلم. هذا المقال يورد نماذج أخرى، على قدر كبير من التعليم الأكاديمي ومن بينهن مسلمات ومهاجرات وجدن حججًا ومبررات كافية ليدعمن ترامب. وإليكم رؤيتهن:

ثلث ناخبات ترامب عرفن أنفسهن بأنهن معتدلات أو ليبراليات، وأن ما نسبته 77% منهن يردن تصديق أن ترامب يقدم المساواة للمرأة

ذات مساء في أواخر كانون الثاني/ يناير كانت إسراء نعماني الصحفية الأمريكية التي تنحدر من أصول هندية، جالسة في أحد المقاهي في العاصمة واشنطن في محطة يونيون ستيشن حين أعرب الكثيرون عن اعتراضهم على القرار التنفيذي الذي أصدره ترامب بحظر دخول مواطني سبع دول مسلمة إلى أمريكا، وهو القرار المعروف بأن مهندسه هو ستيفن بانون مستشار الرئيس.

اقرأ/ي أيضًا: نواب كاليفورنيا يحذرون الشركات من ورطة جدار ترامب

قررت نعماني التحدث في العلن عن وجهة نظرها في الدفاع عن تصويتها لدونالد ترامب بعد أن رأت أحد المحللين على شاشة التلفاز يصنف الشريحة التي صوتت لترامب على أنها "رد فعل من الرجل الأبيض غير المتعلم". قالت نعماني: "وجدت أن هذا الوصف لا ينطبق علي، فأنا لست رجلًا ولا أبيضًا، ولا غير متعلم، هذا الوصف لا ينطبق على من هن مثلي ولا يمثلني".

في التوصيف النمطي للمصوتين لصالح ترامب توجد حجة واحدة متداولة في وسائل الإعلام وهي: كيف لكِ أن تنتخبي رجلًا يوصف ليس فقط بكاره النساء بل بالمغتصب وبالمجرم الجنسي؟"،  الأمر لا يمكن التغاضي عنه خاصة بعد الشريط المتداول عنه في هوليوود والذي يرجع تاريخه إلى عام 2005، حيث يتباهى فيه بأن شهرته تمكنه من أن يلمس النساء من أعضائهن!.

وحتى قبل الإفراج عن الشريط القنبلة في تشرين الأول/ أكتوبر 2016 والذي صوره فيه أحدهم على أنه المليونير الهائج سيء السمعة لإهانته النساء وتعامله معهن على أنهن أدوات جنسية، بعد تسريب هذا الشريط خرجت دعاوي جنسية ضد ترامب من حوالي 12 إمرأة، وقتها بدت هزيمة ترامب مؤكدة في المقام الأول على يد الناخبات، وبدا أن الناخبات من الجمهوريين على وشك الدخول في انشقاق كبير.

ولكن، حسب ما ورد في المقال، في هذه اللحظة اتضحت اختيارات النساء البيض اللاتي وصفن وقتها بالخائنات لأنفسهن وتفضيلهن الانضمام إلى الرجال في هذه الحلبة على أن ينضممن إلى النساء. وجاءت نسبة التصويت النسائية لترامب 53% من النساء البيض.

فيما بعد كانت هناك محاولات جادة لفهم نوعية النساء اللاتي صوتن لترامب وجاءت هذه المحاولة من مركز أبحاث ودراسات "بيري أندم" الذي تحدى التصنيف السهل، حيث وجد أن هناك أقلية من المحافظين يتشككون في قيمة الثورة النسائية التي أصبحت جزءًا من الثقافة الغربية، ويتفق 31% على الأقل إلى حد ما على ضرورة عودة النساء إلى الأدوار التقليدية مقارنة بنسبة 21%من جميع النساء في الدراسة الاستقصائية، وتعتقد واحدة من كل أربعة أن الرجال عمومًا أفضل القادة السياسيين، مقارنة مع 3%من منتخبات كلينتون. هناك تجسيدات عملية على الأرض مثل لانا لوكتيف، التي تستضيف برنامجًا إذاعيًا عبر الإنترنت "مؤيدًا للبيض" (ومؤيدًا لترامب)، وترى أن حق المرأة في الاقتراع أمر مدمر.

الغريب أن ثلث ناخبات ترامب في دراسة بيري أندم عرفن أنفسهن بأنهن معتدلات أو ليبراليات، وأن ما نسبته 77% يردن أن يصدقن أن ترامب والكونغرس يقدمان المساواة للمرأة. ويرفض العديد من هؤلاء الناخبات ما أسمينه "الحساسية المفرطة للنسوية الحديثة". وبينما تجد 39% منهن تعليقات ترامب عن النساء مثيرة للغثيان إلا أن ذلك لم يكن كفاية لتغيير آرائهن.

تجد نسبة 39% من ناخبات ترامب، تعليقاته عن النساء مثيرة للغثيان إلا أن ذلك لم يكن كفاية لتغيير آرائهن

تقول شيخة دالميا، المحللة البارزة في مؤسسة العقل التحررية إن "وعود ترامب بإجازة للأمومة مدفوعة الأجر والائتمانات الضريبية للأطفال تمثل ميزات له في نظر النساء، أما بالنسبة للقيود المفروضة على الهجرة فقد جعلتهن يشعرن بأنهن أكثر أمنًا".

وتقول كاتبة المقال إنها اكتشفت أن "المرأة" التي أيدت ترامب قد تكون إمرأة أيضًا مؤيدة لحرية الاختيار، والمثلية الجنسية وناشطة جمهورية، تشيد بالحاجز التاريخي الذي كسرته كلينتون، أو ربما طالبًا جامعيًا متطوعًا يعطي دروسًا للأطفال المحرومين، ولكنه يكره نشاط "العدالة الاجتماعية" الذي يُقام في الحرم الجامعي ويمكن أيضًا أن يكون محاميًا يهوديًا متقاعدًا ولد في مخيم للاجئين بعد الحرب العالمية الثانية، أو أكاديميًا أمريكيًا أفريقيًا درس القومية البيضاء أو أم ليبرالية مسلمة عزباء وتعول.

بعض النساء اللواتي انتخبت ترامب لهن نفوذ سياسي منهن ليندا ماكماهون وهي ممولة للمصارعة المحترفة ومرشحة سابقة للحزب الجمهوري، قد انتقدت تصريحات ترامب عن النساء ولكنها لم تسحب دعمها.

وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي أيضًا دعمت نسوة في سلطات أجنبية من مواقعهن ترامب مثل المنافسة على الرئاسة الفرنسية وزعيمة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبان وابنة أختها ماريون ماريشال-لوبان عضو البرلمان اللتين أشاد بهما بانون في مقابلة أجراها مع وكالة الأنباء الفرنسية.

اقرأ/ي أيضًا: ترامب خطر على الرئاسة والصحافة معًا

وعائلة لوبان تُظهر حقيقة أنه في أوروبا بدأت النساء يظهرن كقائدات للحركة الشعبوية المتصاعدة في أوروبا والتي بات يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها موازية لظاهرة ترامب في أمريكا. ويتعرض المقال في عدة فقرات إلى نماذج شعبوية صاعدة في ألمانيا والنرويج رفعت شعارات مناهضة للمهاجرين والمسلمين تحديدًا.

وتشير كاتبة المقال إلى أن الخوف من الإرهاب والجريمة تم استخدامهما كسبيل لجعل النساء يتبنين سياسات اليمين المتطرف ذات الطباع الذكوري للرجل حارس السلطة والأرض. بعد 11 أيلول / سبتمبر، أشادت بعض النساء المحافظات الأميركيات بعودة "الفضائل الرجالية". علاوة على ذلك، فإن القلق بشأن التطرف الإسلامي الذي ساعد في دفع ترامب إلى النصر قد أدى إلى زواج غريب بين النسوية والقومية في أوروبا.

استخدمت كاتبة المقال عينة من ثمان نساء ساندن ترامب، وعرضت أهم ما كن يرين أن ترامب سيفعله ليغير الواقع قليلًا. تقول آن ستون، الناشطة السياسية وسيدة الأعمال في ولاية فرجينيا: "عندما دخل ترمب في السباق، فكرت، "كما تعلمون، سيكون مزعجًا حقًا". وأضافت "أنه سيسمح لنا حقًا بزعزعة الـمور، هز الحزب حتى. وهذا شيء كنت أبحث عنه".  وتقول عن ترامب إنه "براغماتي حديث"، تتكيف أفكاره حول التجارة والهجرة والسياسة الخارجية مع الحقائق الحالية، ولديه قدرة فريدة على التواصل مع الرجل العادي والمرأة. وتضيف: "إنه ليس سياسيًا".

وعود ترامب بإجازة للأمومة مدفوعة الأجر والائتمانات الضريبية للأطفال مثلت ميزات له في نظر النساء

من المفارقات أن ستون ترى أن ترامب تحول مؤخرًا إلى موقف مكافحة الإجهاض كموقف تكتيكي، فهي مقتنعة بأنه لا يزال معتدلًا اجتماعيًا في قلبه. وأشارت إلى أنه كان أول مرشح رئاسي فى الآونة الاخيرة "لا يذكر الإجهاض في أي من خطبه الرئيسة"، وأنه "يعطي شعورًا بحقوق المثليين".

هناك أيضًا حديث عن الأمل الذي يخلقه "وجود" ترامب كداعم للمرأة فقد قامت باحثة في علم الاجتماع وهي أرلي هوكشيلد بالعمل على كتاب أسمته الغرباء على أرضهم الخاصة، جمعت فيه مراسلاتها مع نساء غاضبات على ما أسمينه الحق الأمريكي تقول فيه إن جميع النساء اللواتي قابلتهن "عملوا من أجل دفع رواتبهم طوال حياتهم، وأرادوا الحصول على أجر متساو لقاء العمل ". في حين أن هؤلاء النساء يأملن أن ترامب سيعيد وظائف صناعية جيدة الأجر للرجال في حياتهم - أبناء، أشقاء، أبناء عم، أزواج حاليين أو مستقبليين.

إحدى النماذج التي تساند ترامب سيدة مسنة من أصول بولندية يهودية ولها ابنة طبيبة أورام، وهي السيدة غولدبرغ، وهي ممن فقدوا عائلاتهم في المحرقة عاشت معظم حياتها في كندا قبل المجيء إلى الولايات المتحدة مع زوجها في التسعينات ونظرًا لخلفيتها، قد تتوقع أن تشعر بالتعاطف مع اللاجئين ونبذ النزعة القومية، لكنها لم تجعل غولدبرغ حذرة من رسالة ترامب ضد المهاجرين التي غالبًا ما تكون غير متسامحة. وتعتقد أن أمريكا ستكون أكثر انفتاحًا على اللاجئين إذا تمكنا من "الثقة بحكومتنا" لوضع احتياجات الأميركيين أولًا. وهي ترفض المخاوف بشأن نداءات ترامب إلى القومية - على الرغم من أنها، على عكس بانون، تنظر إلى القومية الأوروبية بشكل مختلف. تقول غولدبرغ: "أن يكون المرء قوميًا في أوروبا، كما هو الحال في فرنسا أو ألمانيا، فإن الأمر ينطوي على نداء للدم والولادة - للنزعة". "كونك قوميًا في أمريكا - أنت تتحدث عن مبادئ إعلان الاستقلال والدستور، مبادئ عامة للجميع؛ أنت لا تتحدث عن الدم. لذلك، بالنسبة لي، القومية في أمريكا شيء جيد".

وتذكر الكاتبة حالات أخرى من المهاجرين الذين على الرغم من أنهم يرون أن سياسة ترامب تجاه المهاجرين مثيرة للقلق إلا أن المثير للقلق أكثر في ثقافة المسلمين سماحهم بضرب الزوجة وتسامح الزوجات مع ذلك، حسب ما أشارت إليه من إفادات.

كما يؤكد المقال أن هناك من النساء من أصبحن في مرمى نيران المجتمع بسبب دعمهن لترامب ومنهن من هي أمريكية من أصل إفريقي، وهي أستاذة في الجامعة ووصل الأمر إلى تقديم السلك الأكاديمي التماسًا بفصلها بسبب آرائها الصريحة حول مواضيع مثل حركة "حياة السود" والإسلام في أمريكا. وقد أعلنت الباحثة والمؤلفة مؤخرًا أنها ستتقاعد هذا العام للتركيز على الكتابة والتحدث، ليس هناك شك في أن مناخ الحرم الجامعي لعب دورًا في قرارها. وهي تتفق مع ترامب في آرائه حول الإسلام في أنه خطر يجب رصده جيدًا.

وهناك أرضية مشتركة لليمين المتصاعد من الولايات المتحدة إلى أوروبا وهي أن النساء المستقلات هن أصل الانتماء إلى الثقافة الغربية، وأن هناك تهديدًا لهذه الثقافة من ثقافات أخرى وافدة على أوروبا مع وصول المهاجرين من المسلمين، على الرغم من أن الولايات المتحدة ليس لها التركيبة الديمغرافية الكثيفة للسكان المهاجرين الذين يحتلون أحياء وضواحِ بأكملها بالإضافة إلى بعض مكونات ثقافتهم التي يُنظر على أنها تضعهم في صراع مع أصحاب الأرض من "المضيفين".

يعتقد اليمين الغربي الصاعد أن النساء المستقلات هن أصل الانتماء إلى الثقافة الغربية، وأن هناك تهديدًا لهذه الثقافة من المهاجرين

صور اللاجئين من الشرق الأوسط الذين يتدفقون إلى أوروبا، والاتهامات اليومية حول سوء معاملة أوروبا لهذه الأزمة، أدت إلى تقوية المواقف اليمينية في الولايات المتحدة.

وترى بعض النساء أن المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة غارقة في خداع المرأة، بينما يعتقدن أن الأحزاب اليمينية التقليدية "تعترض على الجرائم المرتكبة ضد النساء والمثليين".

من الناحية التاريخية، فإن القاعدة الشعبية للأحزاب القومية اليمينية في أوروبا قد انحرفت بشكل واضح عن الذكور؛ حيث أن ثلثي دعمهم في أكشاك التصويت جاء من قبل الرجال. (وبالمقارنة، كان 43 في المئة من منتخبي ترامب من النساء). ولكن هذا قد يشكل تغييرًا ما، حيث وجدت دراسة أجريت عام 2012 من قبل مكتب الاستشارات السياسية في لندن كونتيربوينت أنه في حين أن أنصار المتشددين من الأحزاب اليمينية / الشعبوية يميلون إلى أن يكونوا رجالًا، فإن الفجوة بين الجنسين اختفت إلى حد كبير بين "المتطرفين المتقاعدين" الذين صوتوا لصالح هذه الأحزاب. وفي العديد من البلدان، كانت الغلبة للنساء بين "المتطرفين المحتملين" الذين لم يصوتوا للأحزاب الشعبوية ولكنهم تعاطفوا مع آرائهم، ففي فرنسا، على سبيل المثال، حيث تصوت النساء بأعداد أقل بكثير من الرجال، قد ينتمي المستقبل الانتخابي إلى مرشحين يستطيعون جذب النساء إلى صناديق الاقتراع من خلال إقناعهن بأن الإسلام يهدد حقوقهن وأمنهن.

أين يترك كل هذا ليبرالي مسلم أمريكي يدعم ترامب؟.. تذكر إسراء نوماني، مراسلة صحيفة وول ستريت جورنال السابق، أن بعض مؤيدي ترامب لديهم نظرة سلبية شاملة على الإسلام، وهي تلومهم على جهلهم وتقول: "أشعر فقط بأنهم يمكن أن يتعلموا".

ومن الواضح أن النساء في الغرب يشعرن بأنهن يتعرضن لإحباطات جديدة وانعدام للأمان، ويبحثن عن نوع من الدعم الذي لا تقدمه السياسة القديمة، ووصفن النسوية الحالية التي دعمت ترامب بأنها نسوية شعبية ومختلفة.

في الولايات المتحدة، يعتمد مستقبل قاعدة ترامب إلى حد كبير على نجاح إدارته المتقلبة. وفي الوقت نفسه في أوروبا، قد يكون التيار الشعبوي النسوي اليميني قريبًا في يوم مجده إذا فازت لوبان في الانتخابات الرئاسية، كما يبدو ممكناً، فإذا ماحدث ذلك فإنه لن يكون تنفيذًا لسيناريو النجاح المعتاد الذي تحفظه النسويات، بل لأن النساء اللواتي يقفن وراء هذا التحول سيتبعن السيناريو الخاص بهن، ولن يكون أمام النسويات والمرشحات السياسيات اللاتي يتبعن منهاجًا مختلفًا في التفكير أي خيار سوى التعامل معهن.

اقرأ/ي أيضًا: 

إدارة ترامب في شهر حكمها الأول: تحدي الفوضى