07-أبريل-2025
انهيارات بالأسواق المالية عبر العالم (منصة إكس)

انهيارات بالأسواق المالية عبر العالم (منصة إكس)

شهدت الأسواق المالية العالمية، من آسيا إلى أوروبا وصولًا إلى الولايات المتحدة، انهيارًا غير مسبوق، في ظل إصرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب على سياسة الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضها على عشرات الدول. خطوةٌ أثارت ذعر المستثمرين، وأعادت إلى الأذهان سيناريو 'الاثنين الأسود' الذي ضرب البورصات عام 1987

ترامب: الرسوم تجلب المليارات.. ولا تراجع

رغم الانهيار الحاد للأسواق، أكد ترامب، في منشور على حسابة في منصته "تروث سوشال"، تمسّكه بخطته، معتبرًا أن بلاده كانت تُنهب تجاريًا لعقود، وأن الرسوم الجمركية ستجلب "عشرات المليارات من الدولارات" إلى الخزينة الأميركية، وهي الطريقة الوحيدة لإنهاء العجز التجاري، على حد تعبيره.

انهارت بورصات آسيا صباح الإثنين، في موجة بيع عارمة، حيث سجلت هونغ كونغ أسوأ جلسة تداول لها منذ 16 عامًا

وشدد ترامب على أن الولايات المتحدة "أقوى بكثير" منذ بدء تطبيق الرسوم، مشيرًا إلى أن ما يحدث في الأسواق "ليس نتيجة متعمّدة، لكنه أحيانًا العلاج المؤلم ضروري للتعافي"، وفق قوله.

أسواق تنهار على وقع الحرب التجارية

انهارت بورصات آسيا صباح الإثنين، في موجة بيع عارمة، حيث سجلت هونغ كونغ أسوأ جلسة تداول لها منذ 16 عامًا بانخفاض 13 %. وتراجعت بورصات طوكيو وشنغهاي وسيول وتايبيه بنسب متفاوتة، وسط حالة من الذعر المالي. المؤشر الأوسع لأسواق آسيا والمحيط الهادئ "MSCI" تراجع بنسبة 7.9 %، وهو أكبر انخفاض له منذ الأزمة المالية في 2008.

في أوروبا، هوى مؤشر "داكس" الألماني بأكثر من 5 %، ومثله "كاك 40" الفرنسي، فيما تواصلت الخسائر في لندن ومدريد وروما، ما دفع بالمستثمرين إلى التحذير من "زلزال مالي" قد يعصف بالقارة.

وول ستريت تتأهب لأسوأ بداية أسبوع منذ 2020

في نيويورك، افتتحت بورصة "وول ستريت" تعاملاتها، اليوم الإثنين، على تراجعات حادّة متأثرة بتصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين وفرض رسوم جمركية متبادلة.

فقد هبط مؤشر داو جونز الصناعي بأكثر من 1200 نقطة، كاسرًا حاجز 37 ألف نقطة هبوطًا في بداية الجلسة، في واحدة من أسوأ الانخفاضات منذ بداية العام. كما خسر مؤشر ناسداك، الذي يقيس أسهم شركات التكنولوجيا، نحو 4.5% من قيمته في مستهل التعاملات، ما يعكس حالة القلق في الأسواق الأميركية وهروب المستثمرين من الأسهم عالية المخاطر.

وخيمت أجواء الهلع على "وول ستريت"، التي كانت قد سجّلت يوم الجمعة أسوأ أداء لها منذ عام 2020. وتشير التقديرات إلى أن مؤشر "ستاندرد آند بورز 500' سيفتتح جلسة الإثنين على انخفاض يتجاوز 2 %، مقتربًا من دخول منطقة 'السوق الهابطة" (Bear Market)، بعد تراجعه بنسبة 17.4% عن ذروته المسجّلة في شباط/فبراير الماضي.

رغم هذه المؤشرات، استبعد مستشارو ترامب حدوث أزمة، معتبرين أن الأسواق "ستتأقلم"، لكن كثيرًا من المحللين حذروا من أن استمرار الرسوم قد يدفع الاقتصاد العالمي نحو "الركود الثالث" منذ الحرب العالمية الثانية، بعد أزمتي 2008 وجائحة كورونا.

هبوط في سوق العملات المشفرة

كما تراجعت أسهم شركات العملات المشفرة المدرجة قبل افتتاح الأسواق يوم الإثنين، في انعكاس مباشر للانخفاض الحاد في قيمة "البتكوين"، وسط تصاعد التوترات بشأن الرسوم الجمركية ومخاوف من اندلاع حرب تجارية عالمية، ما دفع المستثمرين إلى التخلي عن الأصول عالية المخاطر.

وانخفضت "البتكوين" بنسبة وصلت إلى 5.5 % يوم الإثنين، لتسجل أدنى مستوى لها في عام 2025، قبل أن تقلص خسائرها لاحقاً وتتداول على تراجع بنسبة 2.1 %.

وهبطت أسهم شركة "ستراتيجي"، إحدى كبرى الشركات المالكة لـ"البتكوين، بأكثر من 10 % في تعاملات ما قبل السوق، فيما تراجعت منصة تداول العملات الرقمية "كوينبيس" بنسبة 7 %.

كما تراجعت أسهم شركة الوساطة الإلكترونية "روبنهود" بنسبة 10.5%، وذلك عقب قيام بنك "باركليز" بخفض السعر المستهدف لسهم الشركة، محذرًا من أن الاضطرابات المتزايدة في سوق العملات المشفرة قد تُلقي بظلالها على أداء "روبنهود".

وأشار البنك إلى أن هذه التقلبات قد تنعكس سلبًا على إيرادات الشركة من رسوم المعاملات خلال الربع المالي الثاني من العام الجاري، الذي يمتد من نيسان/أبريل إلى نهاية حزيران/يونيو، ما يزيد من المخاوف بشأن استقرار عوائد شركات التكنولوجيا المالية في ظل التوترات الاقتصادية العالمية.
أما في قطاع تعدين العملات الرقمية، فقد تراجعت أسهم "مارا هولدينغز" بنسبة 11 %، بينما انخفضت أسهم "كلين سبارك" بنسبة 10 %.

وهبطت أسهم شركة "غايم ستوب" المتخصصة في بيع ألعاب الفيديو، والتي أقرت الشهر الماضي اعتماد البتكوين كأصل احتياطي ضمن خزينتها، بنسبة تقارب 4%.

ورغم أن شركات العملات المشفرة لا تتأثر بشكل مباشر بالرسوم الجمركية، إلا أنها تواجه ضغوطًا كبيرة في ظل فرض أقسى الحواجز التجارية منذ أكثر من قرن، ما يقوّض ثقة المستثمرين عبر مختلف الأسواق.

ردود دولية غاضبة وتصعيد تجاري متبادل

قامت الحكومة البريطانية بتخفيف القواعد المفروضة على شركات صناعة السيارات والتي تلزمها بالتحول نحو بيع المركبات الكهربائية، وذلك في محاولة لتخفيف بعض الأعباء الناتجة عن الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة على السيارات الأجنبية المبيعة في أسواقها.

وقال مسؤولون بريطانيون، أمس الأحد، إنهم سيُبقون على الموعد النهائي المحدد لوقف بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين والديزل بحلول عام 2030، لكنهم منحوا شركات السيارات مرونة أكبر في تحقيق الأهداف السنوية لمبيعات السيارات الكهربائية حتى حلول ذلك الموعد، بما يتيح لهم بيع عدد أكبر من السيارات في السنوات اللاحقة، حين يُتوقع أن يزداد الطلب وتكون العقوبات أقل حدة. كما أشار المسؤولون إلى أنه سيُسمح ببيع السيارات الهجينة حتى عام 2035.

بدورها، ردّت الصين سريعًا بفرض رسوم إضافية بنسبة 34% على واردات أميركية، متهمة واشنطن بـ"الهيمنة باسم المعاملة بالمثل"، لكنها أكدت في الوقت ذاته أنها ستبقى "أرضًا آمنة للاستثمار الأجنبي".

في أوروبا، كثّفت بروكسل اتصالاتها لعقد اجتماع عاجل لوزراء التجارة لبحث "رد أوروبي جماعي"، وسط دعوات لفتح مفاوضات عاجلة مع واشنطن.

وفي المقابل، طلبت فيتنام مهلة لا تقل عن 45 يومًا قبل دخول الرسوم الجمركية المقدرة بـ46% على صادراتها حيّز التنفيذ.

كما أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محادثات مع ترامب تناولت الرسوم الجمركية بنسبة 17% المفروضة على إسرائيل.

أثر مباشر على الاقتصاد العالمي: الركود يلوح في الأفق

يشير محللو "موديز" إلى أن الرسوم الجديدة ستزيد من التضخم وتقلص الاستهلاك، مما قد يدفع الاقتصاد الأميركي، والعالمي، إلى الركود. وقال كبير اقتصاديي الشركة في آسيا والمحيط الهادئ ستيف كوكراين: "قد نشهد قريبًا جدًا ركودًا في الولايات المتحدة".

ورغم ذلك، أعلن أكبر صندوق استثماري مملوك للدولة في الصين عزمه التدخل لدعم استقرار الأسواق.

صمت في أوساط المال.. وقلق في أوساط المستثمرين

يما التزم معظم كبار المستثمرين الصمت، انتقد المتداول الملياردير أندرو هال هذا الموقف، وكتب على منصة " إنستغرام "مهاجمًا زملاءه: "أين هم عمالقة المال؟ لماذا لا يتكلمون؟'، داعيًا إلى مواجهة "غباء" السياسات الجمركية.

في المقابل، أبدى مدير صندوق "إميننس كابيتال" ريكي ساندلر بعض التفاؤل، وأعلن أنه بدأ شراء أسهم في شركات كأمازون، معتبرًا أنها باتت "مبالغ في بيعها"، لكنه شدد على أن السوق "لم تصل بعد إلى مستويات مغرية للشراء العام".

وسط تمسك إدارة ترامب بالرسوم، وتصعيد الردود الدولية، تتجه الأسواق نحو مرحلة جديدة من عدم الاستقرار. ويرى محللون أن الأشهر المقبلة ستكون اختبارًا حقيقيًا لصلابة الاقتصاد العالمي، وسط دعوات لعودة التعددية التجارية وتجنب "صدام مدمر" قد يعيد العالم إلى أزمة جديدة.