21-أبريل-2016

حافظ الأسد على الجدار الأخير.. (Getty)

كان الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد يحرص كل الحرص على مشاهدة مسرحيات غوار الطوشة، لا سيما تلك التي يكتبها المبدعان محمد الماغوط ونهاد قلعي بجرأة منقطعة النظير، لا بل إن حافظ وبجهد وإشراف شخصي منه، عمل على "تعزيز دور مهرجه الطوشة"، فمنحه بعد مسرحية "غربة" (1976) وسام الاستحقاق الجمهوري من الدرجة الأولى وليس لمبدع العمل.

تعرف الأنظمة الدكتاتورية بدقة كيف تستثمر "العلاج بالضحك والكوميدية" لمعالجة الشعب المثكول

الكل كان يستغرب حضور الأسد الأب لهذه المسرحيات، لا بل واستغراقه بالضحك، رغم أن الانتقاد في المسرحيات كان يستهدفه شخصيًا بصفته رأس النظام الحريص على العزة والكرامة العروبية، في حين كانت مسرحيات الماغوط تنال فيما تنال من هذه الكذبة؛ وتنال أكثر من كذبة مكافحة الفساد وبناء وطن عزيز ومواطن حر كريم في وطنه، كما كانت تصريحات النظام تصدع رؤوسنا ليل نهار في وسائل "أعلافه" الرسمية ومناسباته البعثية، وصولًا إلى الوهم الأكبر محاربة إسرائيل واستعادة أراضينا المغتصبة من إسرائيل وتركيا.

اقرأ/ي أيضًا: أهلًا وسهلًا بنهاية العالم

كل التهكم على ما سبق كان يغرق حافظ الأسد بالضحك، تمامًا كما كان المواطن الذي يتجرع "المسكنات الكوميدية" على مصابه، يغرق بنوبات ضحك جماعية مع زعيمه صانع المأساة نفسها، كانت المأساة توحد الدكتاتور مع شعبه، كي لا تنقطع شعرة الألم، فهل كان الشعب يضحك على الدكتاتور الطاغية ورجاله الأغبياء كما تصورهم كوميديا المهرج؟ أم كان يضحك في الحقيقة على نفسه العاجزة؟ سؤال مؤلم حد البكاء على استلاب تفكيرنا وأوطاننا.

تعرف الأنظمة الدكتاتورية بدقة كيف تستثمر "العلاج بالضحك والكوميدية" لمعالجة الشعب المثكول، تعرف كيف تفتح لهذه الغاية مسارح الضحك وتشجع الافلام والمسلسلات التي تنكأ جراح المواطن كي تفرغ الضغط النفسي عنه، لكن ما لا يعلمه الكثيرون أن حافظ الأسد كان في الحقيقة يضحك من خلالها أيضًا على هذا الشعب العاجز أمام دكتاتوريته، لا على ما يفعله بالشعب، تمامًا كما كان الشعب يضحك على نفسه "كالطير يرقص مذبوحًا من الألم".

ابنه بشار فعل الأمر نفسه مع مسرحيات همام الحوت، وشجع مسلسلات مثل "بقعة ضوء" وغيرها، وعقد اجتماعات خاصة مع نجم الكوميديا ياسر العظمة، ليخرج بحلقات لاذعة ووعده فيها بأن يكون سندًا له مهما ارتفع سقف النقد فيها.

اقرأ/ي أيضًا: اللاجئون السوريون في أوروبا.. إلى تركيا

ليس هناك مجال للشك أن الدكتاتور المقيت كان يتابع في منزله ومع أسرته هذه المسلسلات بذات حماسة العائلات السورية، لكن خياله المريض كان يسرح به ليدخل كل بيت ويراقب ردود فعل الفقراء والمساكين وهم يضحكون ويبكون في آن معًا، فكان هو يضحك أيضًا ملء شدقيه حتى تبين نواجذه، وعندها يكون متأكدًا من أن ما يفعله كان يحقق الهدف تمامًا، ويصيب في مقتل: الشعب يضحك على نفسه وعلى خيباته وعجزه، وأنا الدكتاتور سأضحك عليه أيضًا.

في الدكتاتوريات الحديثة أصبح الزعيم نفسه "مهرجًا"، ولم يعد الأمر بحاجة إلى "مهرج السلطان"

لكل دكتاتور مهرج، ومهرجو الدكتاتوريين العرب باتوا معروفين، وللمهرج الممثل أهمية قصوى في أي نظام دكتاتوري، أو أي نظام يطمح لأن يكون دكتاتوريًا، لأن المهرج مجنون والمجنون بحكم القانون حكمه البراءة، حتى لو ارتكب جريمة قتل، فما بالكم بجريمة قتل شعور الناس، نعم كانت وظيفة مهرجي السلطان قتل شعور الناس، وتفريغ احتقانهم في دول أمنية بوليسة ابتلعت الدولة الوطنية في أحشاء الدولة المخابراتية النتنة.

اليوم الأمر مختلف: الشعب السوري بات يغرق في نوبات ضحك جماعية على زعيمه بشار الأسد صانع المأساة، يمسخرونه ويضحكون على لثغاته وحماقاته، ويتفنون في إخراج الفيديوهات عقب لقاءاته التلفزيونية، ويتلاعبون بصوره، تارة يطولون أذنيه، وتارة يطولون رقبته، وفنانو الكاريكاتير يبدعون أشكالًا وألوانًا في تصويره، الشعب السوري من مؤيدين ومعارضين باتوا يتداولون تلك الصور والفيديوهات علهم يخففون من آلامهم التي يحرص هذا الزعيم على زياة جرعاته كلما زادت مقاومة الشعب لجبروته.

في الدكتاتوريات الحديثة أصبح الزعيم نفسه "مهرجًا"، ولم يعد الأمر بحاجة إلى "مهرج السلطان"، ولغوار الطوشة دريد لحام، ولا لعادل إمام في مصر ولا غيرهم.
 
ذات مرة كان حمصي يسير في شارع الدبلان الشهير ويصرخ: "يلعن روحك يا منصور.. الشعب يريد إسقاط عزوز"، فانهال عليه رجال الأمن ضربًا، وصرخ أحدهم فيه: "ألا تعرف اسم رئيسك يا حيوان؟".

اقرأ/ي أيضًا:

جواز سفر لا يأخذنا إلى سوريا

لأجل من قُتلت سوريا؟