19-يوليو-2022
دينيس هير

لوحة لـ دينيس هير/ أمريكا

1

ولدت عام 1946. لا أذكر شيئًا مما رأيت أو تعلمت قبل أن أتعود المشي إلى بيت جدتي والدكان القريب. في عام 1953 دخلت إلى المدرسة، كانت النافذة بجوار مقعدي عالية، وكنت أتطاول لألمح العصافير والكلاب المهرولة بمحاذاة الطرق والحواكير. نهرني الأستاذ، وشاع شرودي بين الناس. ثم أخذ الدرك يتربصون بي على مدخل المدرسة ويفتشون محفظتي. ولا أعرف بعد ذلك - كأنني كبرت نكاية بأبي والدركي.

 

2

قال الرجل الكبير:

"لا أحد يستطيع أن يجزم بأن الأطفال يتدخلون مباشرة في الحرب. ولكن ملامح بعض الأطفال كانت تثير تساؤلًا فاضحًا. كان أحدهم يجمع الرصاص الفارغ ليزين به الجدران، وشوهد طفل آخر وهو يضع تصميما جديدًا للمدينة في حديقة البيت.

وفي هذا الصباح سمع ناظر المدرسة طفلا يسمي نفسه بلوزار يحدث أصدقاءه عن الرجال الذين يدخلون من "البوابة البرية". كان غامضًا وسريًا. ولكنهم كانوا مشدودين إليه كأنّ أحدًا يدفعهم إلى صدره.

ثم نظر إلى صديقه التاجر - كان يتداعى فوق كرسيه كآلة كبيرة، ويحاول أن يستجمع جسده الفائض على طرفي الكرسي:  

- لقد شاع بلوزار كثيرًا!

- وفي إحدى دور الحضانة، ولدت طفلة رجلًا وأسمته بلوزار. إنهم يولدون بأصابع طرية ورؤوس يانعة، ثم تتصلب فروعهم ويتكاثرون كشجرة العليق.

 

3

بماذا تفکر با بلوزار؟

الوقت يمر سريعًا على سطح الماء، الأغصان الحانية تمتد إلى أسفل القاع. الأوراق والقشور الفاسدة التي يجرفها النهر من الحقول المجاورة. عربات القش المتدافعة بين ضفتي النهر. الألعاب الخشبية التي يتقاذفها الصبية ويتبعونها بأعينهم إلى الغدران القريبة. قطع الألواح المتناثرة كالجزر والأوطان الصغيرة فوق سطح الماء. النهر يمشي، والعصافير تجدّف بأجنحتها إلى الضفّة المقابلة.

بماذا تفكر يا بلوزار؟

السفر يغسل قدميك العاريتين. وأنت ساهم كالصارية في ارتفاع الماء.

 

4

الأطفال يمترسون على النوافذ والأبواب. الأمنيات الحادة تقطع الواجهات والدكاكين المتصلة كعقود ملونة. يمر بائع الليمون وهو يدفع عربته الثقيلة من الساحة العامة قرب دكان "کاف". الأبنية تفيض على جانبي الشارع. تسدّ الممرات الضيقة التي كان يتسرّب منها الضوء. شجرة الأكاسيا الصّغيرة أصبحت الآن تغطي نصف الشارع الرئيسي. المدينة تمشي. ينحني بلوزار على جذع الشجرة ويطلق بصره إلى أعلى الشرفة. اقتربت ليلى وهمست في ذن صديقتها (....).

ينهمر الأطفال من النوافذ إلى الساحة العامة. يطلق بائع الليمون أغنيته التي ظل يرددها في الخفاء طوال هذه السنوات.

المدينة تمشي..

 

5

قال الجندي للرجل الكبير:

- لقد أسرف في ظهوره بين المارة. ولا أحد يريد أن يصدّق موت بلوزار.

اقترب الرجل وهو يجر جسده الثقيل كحمار متعب:  

- يجب أن يموت بلوزار ثانية، لكي لا يتخذه الأطفال ذريعة للتظاهر والحروب.

 

6

يحملون كتبهم ويذهبون إلى النهر. وحين يعودون يرفعون مجسمات كالعروش في الحدائق والساحات.

 

7

وشهدَ رجلٌ من المدينة قال:

"لما التفتُّ رأيت سبع منائر من ذهب وفي وسطها ابن انسان متسربلًا بثوب إلى الرجلين. وأما رأسه وشعره فأبيضان كالصوف الأبيض كالثلج وعيناه كلهب نار ورجلاه شبه النحاس النقي كأنهما محميتان في أتون وصوته كصوت مياه كثيرة ووجهه كالشمس المضيئة في أوج قوتها.

فلما رأيته سقطت عند قدميه كميت فوضع يده عليّ قائلًا لي لا تخف أنا هو الأول والآخر الحيّ وكنتُ ميتًا وها أنا إلى الأبد ولي مفاتيح الهاوية والموت".