نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرًا موسعًا حول توجهات إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الشرق الأوسط، حيث يتجه نحو إعادة رسم معالم السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة من خلال دعم غير مشروط لإسرائيل، وإعادة تقييم العلاقة مع إيران، والسعي لإتمام التطبيع السعودي الإسرائيلي، رغم تداعيات حرب غزة وتأثيراتها الإقليمية.
تعزيز الدعم لإسرائيل: قرارات حاسمة مع بداية الولاية
في أول أيام ولايته الثانية، اتخذ ترامب خطوتين بارزتين دعمًا لإسرائيل، تمثلت في إلغاء العقوبات على المستوطنين الإسرائيليين المتورطين في أعمال عنف ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية المحتلة، ورفع الحظر الذي فرضته إدارة الرئيس السابق جو بايدن على توريد قنابل تزن 2000 رطل لإسرائيل، ما قد يؤدي إلى تصعيد خطير في غزة.
كما كلّف مبعوثه الخاص، ستيفن ويتكوف، بالإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان وانسحاب إسرائيل، بالإضافة إلى الإشراف على المفاوضات بشأن غزة التي سمحت بالتوصل لاتفاق للتبادل ووقف إطلاق النار.
🔴 زيارة نتنياهو إلى #واشنطن.. إطالة أمد الحرب ضمانًا لبقائه في السلطة.
📌 تأتي هذه الزيارة في وقت تشهد فيه المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحـ ـمـ ـاس عبر وسطاء دوليين تطورات جديدة، حيث من المقرر أن تنطلق مفاوضات المرحلة الثانية التي ستركز على إطلاق سراح باقي المحتجزين لدى… pic.twitter.com/tbxBXAcXiK
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 3, 2025
لكن "لوموند" تشير إلى أن ترامب يبدو عازمًا على إغلاق ملف حرب غزة سريعًا حتى يتمكن من التركيز على مشروعه الإقليمي الأهم، وهو تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، وهو ما قد يواجه عراقيل بسبب تداعيات هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
جدل حول خطة تهجير سكان غزة
تطرقت "لوموند" إلى الجدل المثار حول مقترحات إدارة ترامب لنقل سكان غزة إلى مصر والأردن، حيث وصف ترامب القطاع بأنه "موقع هدم"، مشيرًا إلى إمكانية إعادة توطين 1.5 مليون فلسطيني في دول الجوار.
لكن هذه الفكرة قوبلت برفض قاطع من القاهرة وعمان، كما أصدرت جامعة الدول العربية بيانًا في الأول من شباط/فبراير الجاري، يؤكد رفض هذا الاقتراح بأي شكل وتحت أي ظرف. إلا أن ترامب استمر في تكرار تصريحاته قائلاً: "إنهم سيفعلون ذلك، فنحن نقدم لهم الكثير من المساعدات".
عقلية وكيل عقارات
بحسب الصحيفة الفرنسية، فإن فكرة إخلاء قطاع غزة وإعادة توطين سكانه لطالما كانت مطروحة داخل الدائرة المقربة من ترامب. في "صفقة القرن"، التي كُشف عنها في كانون الثاني/يناير 2020، دعت الإدارة الأميركية إلى تجاوز "السرديات التقليدية" حول القضية الفلسطينية ووصفتها بأنها "غير منتجة"، واقترحت تصورًا جديدًا يتمثل في تحويل الأراضي الفلسطينية إلى مركز تجاري مزدهر على غرار دبي وسنغافورة.
وفي أذار/مارس 2024، ناقش مستشار ترامب وصهره، جاريد كوشنر، خلال لقاء في جامعة هارفارد مستقبل غزة، حيث أشار إلى أن "الممتلكات العقارية الواقعة على الواجهة البحرية للقطاع يمكن أن تصبح ذات قيمة كبيرة"، مضيفًا أن الإسرائيليين "يمكنهم إعادة توطين السكان وتنظيف المنطقة"، وهو تصريح أثار جدلًا واسعًا حول النوايا الحقيقية للإدارة الأميركية في غزة.
وفي هذا السياق، يرى آرون ديفيد ميلر، وهو دبلوماسي أميركي مخضرم، أن تصريحات ترامب تعكس عقلية انتهازية شبيهة بعقلية وكيل العقارات الذي يحوّل كل شيء إلى صفقة تجارية.
وأضاف ميلر أن هذه الفكرة ستظل مطروحة بقوة، لأنها تتماشى تمامًا مع تطلعات اليمين الإسرائيلي المتطرف، خصوصًا في ظل بقاء حماس كحركة مقاومة قادرة على فرض نفوذها أو استقطاب أي كيان فلسطيني حاكم مستقبلي، سواء كان حكومة تكنوقراط أو عودة للسلطة الفلسطينية.
صحيفة "الغارديان" وصفت تصريحات ترامب حول تهجير سكان غزة بأنها ليست مجرد "أفكار عابرة"، بل تعكس توجهًا خطيرًا في السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية.
اقرأ أكثر: https://t.co/8uLZVw03jj pic.twitter.com/xmfXBV1htX— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 30, 2025
المفاوضات مع إيران: تغيير في النهج أم تكتيك سياسي؟
رغم نهج "الضغط الأقصى" الذي تبناه ترامب في السابق تجاه إيران، إلا أنه أبدى استعدادًا لإجراء مفاوضات جديدة، مما يثير التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الخطوة تهدف فقط لإعادة صياغة اتفاق جديد بشروط أكثر تشددًا، أم أنها مجرد مناورة سياسية.
وفقًا لتقرير الصحيفة الفرنسية، فإن إيران الآن أقرب من أي وقت مضى لامتلاك القدرة النووية، حيث أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية (AIEA) بأن إيران تمتلك 200 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 % وهو مستوى قريب جدًا من العتبة المطلوبة لصنع قنبلة نووية.
يُذكر أن في 13 تشرين الثاني/يناير الماضي، اجتمع دبلوماسيون إيرانيون مع نظرائهم الأوروبيين في جنيف، حيث أبدت طهران استعدادها لمفاوضات جديدة، في ظل الضغوط الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
لكن "لوموند" تؤكد أن هناك عوائق كبيرة أمام أي اتفاق، أبرزها: عدم وجود قناة اتصال مباشرة بين ترامب والنظام الإيراني.
والمعارضة الواسعة داخل إدارة ترامب لأي اتفاق جديد. بالإضافة للتسريع المستمر في البرنامج النووي الإيراني، مما قد يجعل أي اتفاق غير ذي جدوى بحلول الوقت الذي يتم التوصل إليه.
هل هناك مواجهة عسكرية محتملة بين إسرائيل وإيران؟
تحذر الصحيفة الفرنسية من أن الوضع قد يتطور إلى مواجهة عسكرية، خاصة إذا قررت إسرائيل توجيه ضربة استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية. لكن السؤال الأهم هو: هل ستدعم الولايات المتحدة هذا التحرك؟
تشير "لوموند" إلى أن إسرائيل لن تكون قادرة على تدمير منشأة "فوردو" النووية الإيرانية الواقعة تحت الأرض إلا إذا حصلت على قنبلة خارقة للتحصينات (Massive Ordnance Penetrator)، والتي تم تطويرها خصيصًا لهذا النوع من الأهداف.
ورغم أن ترامب قد يمنح إسرائيل الضوء الأخضر لشن ضربات، إلا أنه من غير المرجح أن تتدخل القوات الأميركية مباشرة، وهو ما يثير تساؤلات حول قدرة إسرائيل على تحقيق نجاح استراتيجي دون دعم عسكري مباشر من واشنطن.
🎥 "سيفعلان ذلك".. ترامب يرد على سؤال عن رفض #مصر و #الأردن لخطة استقبال الفلسطينيين من غزة. pic.twitter.com/MOWJl2L5kY
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 31, 2025
الموقف الأوروبي: بين التصعيد والضغوط الدبلوماسية
على صعيد آخر، أشارت "لوموند " إلى أن أوروبا لا تزال حذرة في تعاملها مع الملف الإيراني، حيث بدأت كل من فرنسا، بريطانيا، وألمانيا دراسة تفعيل آلية "سناب باك"، التي تسمح بإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران بسبب خرقها للاتفاق النووي.
لكن هناك انقسامًا حول جدوى هذا الإجراء، حيث يعتقد بعض الدبلوماسيين أن السبيل الوحيد لحل الأزمة هو مفاوضات مباشرة بين واشنطن وطهران.
سياسة خارجية غير متوقعة في الشرق الأوسط
وفقًا لـ "لوموند"، فإن الشرق الأوسط يدخل مرحلة جديدة من عدم الاستقرار مع توجهات إدارة ترامب المتقلبة. وبينما يسعى ترامب إلى إبرام "صفقة القرن" عبر تطبيع سعودي-إسرائيلي، فإنه يواجه أيضًا ملفًا نوويًا إيرانيًا متفجرًا قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية خطيرة.
يبقى السؤال الأساسي: هل ستنجح إدارة ترامب في تحقيق أهدافها، أم أن التعقيدات الإقليمية ستفرض عليه تنازلات غير متوقعة؟