30-سبتمبر-2017

لقطة من فيلم البريء

المعتقل السياسي في السينما المصرية هو انعكاس للجهاز الأمني الحاكم، غالبًا ما يكون المقبوض عليه شخصًا تقدميًا، وطنيًا، رومانسي المشاعر، بينما الجلَّادون هم الخلفية السياسية التي تعاقب هذا البطل على ما رأوه جريمة في حق السلطة. وعلى اختلاف الأوضاع السياسية في كل فترة عاشتها مصر، فإن الحكاية في كل مرة كانت تختلف وفقًا للظرف السياسي والأيديولوجيا السياسية المتبعة.

في "إحنا بتوع الأتوبيس" يرى المشاهد أشخاصًا يدخلون المعتقل ويتعرضون للتعذيب، وكل ما فعلوه أنهم اشتركوا في مشاجرة داخل أتوبيس

الاعتقال السياسي: من "في بيتنا رجل" وحتى "إحنا بتوع الأتوبيس"

على سبيل المثال في أفلام عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كان البوليس السياسي، هو اليد الباطشة للسلطة ضد الوطنيين الذين كانوا يقفون بالمرصاد ضد الاحتلال الإنجليزي لمصر، في هذا السياق نجد أفلامًا مثل "في بيتنا رجل" لبركات عام 1967، وغروب وشروق لمخرجها كمال الشيخ عام 1970، وثمن الحرية لمخرجه نور الدمرداش عام 1963، وفيلم أنا حرة لمخرجه صلاح أبو سيف عام 1959، وغيرها الكثير، التي حاكمت المثقف على وطنيته ضد الاستعمار.

اقرأ/ي أيضًا: أفلام الرعب في السينما المصرية.. "جن وعفاريت" فقط!

بعد رحيل عبد الناصر اختلف المشهد كليًا في السينما، خصوصًا بعد نشر رواية الكرنك لنجيب محفوظ وتحويلها على يد علي بدرخان إلى فيلم عام 1975، تكشفت فيما بعد بشاعة سجون عبد الناصر، المعتقل فيها طالب، أو مثقف ثوري ساخط، أو حتى إنسانًا كان يمشي جوار الحائط دون أن يكون له توجه سياسي معين، كما هو الحال في فيلم "إحنا بتوع الأتوبيس" عام 1979 المأخوذ عن قصة حقيقية كتبها الصحافي جلال الدين الحمامصي في كتابه حوار وراء الأسوار. حيث بات من الجلي أن الحديث عن فترة "النكسة" كان لا يزال قائمًا، وكانت انتقاد مراكز القوى مادة خصبة لمنتجي الأفلام.

في "إحنا بتوع الأتوبيس" يرى المشاهد أشخاصًا يدخلون المعتقل ويتعرضون لكافة ألوان التعذيب، وكل ما فعلوه أنهم اشتركوا في مشاجرة داخل أتوبيس نقل عام، وتم ترحيلهم إلى قسم الشرطة عن طريق الخطأ، ثم ضمهم إلى مجموعة من السجناء السياسيين، الذين ينالون -إلى الآن- في مصر أسوأ معاملة، بل إن معاملة السجناء الجنائيين تكون أفضل منهم، خصوصًا فيما يتعلق بالإعاشة وظروف المعتقل، وهو ما سمعناه هذه الأيام خاصة من بعض أهالي المعتقلين السياسيين.

المعتقل السياسي في عصر مبارك: سقف أعلى بقليل وخلفية ثابتة

في فترة حكم مبارك، قلت كثيرًا الأفلام التي تتناول معتقلًا سياسيًا في عصر سابق، بل إن فيلمًا مثل "البريء" لمخرجه عاطف الطيب عام 1986 بدا وكأنه يتناول الفترة الحالية. حتى فيلم التحويلة لأمال بهنسي عام 1996 لم يكن فيه بُعد تاريخي سابق كما كانت تعتمد أفلام الفترات السابقة، هذا البعد التاريخي السابق الذي كان يمكننا أن نرى فيه أن العصور التي كان فيها اعتقالات وتعسف كانت في عصر ما قبل أيام المماليك، مثلما رأينا في فيلم أمير الدهاء لبركات عام 1963.

ونعود إلى فيلم أحمد زكي "البريء" الذي بدا وكأنه يتناول الفترة الحالية، وكان من غير الصعب على المشاهد العربي في تلك الفترة أن يصدق ما يفعله الجهاز الأمني وقتها للوصول إلى المتهم، ولكن في "أفيش" الفيلم في السينمات كُتب أن الفيلم يشير إلى أحداث وقعت عام 1967 إبان النكسة رغم أن أبطاله ارتدوا ملابس عصرهم، الأمر الذي أدى إلى صدام مع الرقابة، ولم تتم الموافقة على عرض الفيلم إلا بعد عرضه على أحد أكبر العسكريين.

اقرأ/ي أيضًا: 7 أفلام مميزة شاركت في النسخة الأخيرة من مهرجان البندقية ننتظر عرضها بالسينمات

كما جاء في إحدى المقالات التي نشرها الصحفي أحمد صالح عن الفيلم في جريدة أخبار اليوم، وقال فيه: "ومن هذا المنطلق يجب أن يظل فيلم (البريء) معبرًا عن أية دولة في أي فترة زمنية تسود فيها الديكتاتورية، وتسيطر عليها القوة الغاشمة ومصادرة حرية الرأي"، وكان من الممكن تصديق هذه الكلمات لولا أن أحد النقاد لاحظ أن تاريخًا مدونًا على أحد حوائط المعتقل يشير إلى عام 1967.

وسط أجواء المنع والحظر حاليًا، بات من الصعب الحديث في السينما بشكل صريح عن المعتقل السياسي الذي يتم خطفه أو تصفيته أو إخفاؤه

أما في فيلم عمارة يعقوبيان، فيبدو أن السقف ارتفع قليلًا، حين بدا أن المعتقل السياسي الذي يتحدث عن آلآمه في السجن هو شاب إسلامي ممن حمل السلاح، فهو كأنه في طياته يعطي مسوغًا للتعذيب الذي تعرض له، والذي باح به لأميره في الجماعة حين التقى به، وحديثه عن أنهم هتكوا عرضه بوضعهم عصًا في مؤخرته، وهي ممارسات ظلت حاضرة في عصر مبارك، إلا أن الفيلم المأخوذ عن رواية لعلاء الأسواني، كان جريئًا كفاية للإشارة إلى اعتراف من أن هذا يجري في أقبية سجون السلطة.

أما اليوم ووسط أجواء المنع والحظر، فقد بات من الصعب الحديث بشكل صريح وواضح عن المعتقل السياسي الذي يتم خطفه أو تصفيته أو إخفاؤه قسريًا. حيث تسيطر الدولة على كامل مفاصل الإنتاج السينمائي والتليفزيوني ولا تسمح ولو حتى بالتلميح إلى أي ممارسات لا إنسانية في سجونها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "Le Redoutable".. جان لوك غودار الذي لم نتوقع

رضوان الكاشف.. قصة "فيلسوف" السينما المصرية