من عبوة المياه إلى ميكروبيوم الأمعاء.. كيف يغيّر البلاستيك صحتنا النفسية؟
12 أكتوبر 2025
كشفت دراسة جديدة عُرضت في مؤتمر UEG Week 2025 أن جزيئات الميكروبلاستيك "وهي جزيئات بلاستيكية يقل حجمها عن 5 ملم وتنتشر في البيئة" قادرة على تغيير تركيبة الميكروبيوم المعوي لدى الإنسان، مع ظهور أنماط ميكروبية مشابهة لتلك المرتبطة بالاكتئاب وسرطان القولون والمستقيم.
تم إجراء الدراسة ضمن إطار مشروع microONE، وهو برنامج بحثي متقدم ضمن وحدة COMET بقيادة مركز CBmed النمساوي وبالتعاون مع شركاء دوليين. ويُعد هذا المشروع من أوائل المبادرات التي تفحص بشكل مباشر كيفية تفاعل أنواع مختلفة من الميكروبلاستيك مع الميكروبيوم البشري. ويهدف المشروع إلى فهم تأثيرات الجزيئات البلاستيكية الدقيقة والنانوية داخل الجسم البشري، ما يفتح الباب أمام تقييم أوسع للمخاطر الصحية المحتملة.
الميكروبلاستيك يغيّر ميكروبات الأمعاء ويخلق أنماطًا مرتبطة بالاكتئاب والسرطان، دراسة جديدة تدق ناقوس الخطر: صحتنا النفسية قد تتأثر بما نأكله ونشربه يوميًا
استخدم الباحثون عينات براز من خمسة متطوعين أصحاء لتنمية مستعمرات ميكروبيوم خارج الجسم (ex vivo)، ثم عرضوها لخمسة أنواع شائعة من الميكروبلاستيك: بوليسترين، بولي بروبيلين، بولي إيثيلين منخفض الكثافة، بولي ميثيل ميثاكريلات، وبولي إيثيلين تيريفثاليت. وقد تم اختبار هذه الأنواع بتركيزات تعكس التعرض البشري اليومي، بالإضافة إلى جرعات أعلى لدراسة التأثيرات المرتبطة بالجرعة.
تغيّرات حمضية وتركيبية
رغم أن عدد الخلايا البكتيرية الكلي والحيوي لم يتغير بشكل ملحوظ، إلا أن المستعمرات المعالجة بالميكروبلاستيك أظهرت انخفاضًا ثابتًا في درجة الحموضة (pH)، ما يشير إلى تغير في النشاط الأيضي للبكتيريا. كما كشفت التحليلات عن تغيّرات نوعية في تركيبة البكتيريا، حيث زادت أو انخفضت بعض المجموعات البكتيرية حسب نوع الميكروبلاستيك المستخدم.
وشملت هذه التغيرات عائلات بكتيرية، معظمها ضمن شعبة Bacillota، وهي مجموعة أساسية لصحة الجهاز الهضمي.
لم تقتصر التغيرات على التركيبة البكتيرية، بل شملت أيضًا المركبات الكيميائية التي تنتجها هذه البكتيريا. فقد أثرت بعض أنواع الميكروبلاستيك على مستويات أحماض مثل حمض الفاليريك وحمض الأمينوبنتانويك، بينما غيّرت أنواع أخرى مستويات الليسين وحمض اللاكتيك، ما يعكس تعقيد التفاعلات بين الميكروبلاستيك والميكروبيوم.
مؤشرات على ارتباط مرضي
الأهم من ذلك، أن بعض هذه التغيرات الميكروبية الناتجة عن التعرض للميكروبلاستيك تشابهت مع أنماط سبق ربطها بأمراض مثل الاكتئاب وسرطان القولون، ما يثير تساؤلات جدية حول تأثير هذه الجزيئات على الصحة النفسية والجسدية.
وأوضح الباحث الرئيسي كريستيان باشر دويتش أن الآليات الدقيقة لهذه التأثيرات لا تزال غير واضحة، لكنه أشار إلى فرضيات محتملة، منها أن الميكروبلاستيك يخلق بيئات فيزيائية أو كيميائية تفضّل نمو أنواع معينة من البكتيريا. كما يمكن أن تتشكل أغشية حيوية على سطح الميكروبلاستيك، مما يوفر "مواطن جديدة" تستعمرها بعض الميكروبات بسرعة.
وأضاف باشر دويتش أن هذه النتائج تكتسب أهمية خاصة نظرًا لانتشار الميكروبلاستيك في الحياة اليومية، حيث تم رصده في الأسماك والملح والمياه المعبأة وحتى مياه الصنبور، ما يعني أن معظم الناس يتعرضون له يوميًا عبر الأكل والاستنشاق والملامسة الجلدية.
رغم أن الدراسة لا تقدم بعد أدلة قاطعة على تأثيرات صحية مباشرة، إلا أنها تؤكد أن الميكروبلاستيك يؤثر بالفعل على الميكروبيوم، الذي يلعب دورًا محوريًا في الهضم والمناعة والصحة النفسية. ومن هنا، فإن تقليل التعرض للميكروبلاستيك، قدر الإمكان، يُعد خطوة احترازية حكيمة.