17-نوفمبر-2016

تلميذ مصري يتابع فروضه في الدروس الإنجليزية ( ريتشارد باكر/Getty)

كثيرة هي الأسئلة، حول "نهضة" قطاع التعليم في مصر. والجدل القائم إلى اليوم، حول من قام بهذه "الثورة" على المناهج البائدة وحقق للتعليم دفعًا ليكون رائدًا في العالم العربي. فمن هو أول من زَرع نواة مجانية التعليم؟ هل هم الناصريون أم العلويون؟ ومن أول من حققها؟ ومن قام بإلغائها؟ ومن أعادها مرة أخرى؟.

يرجع سبب اهتمام محمد علي بالتعليم إلى طموحاته التوسعية في بناء دولة حديثة مركزية قوية لا تقتصر على مصر فقط

عندما يتطرق الحديث عن التعليم في مصر تطفو هذه التساؤلات على السطح، ويبدأ كل طرف الحديث حسب توجهاته السياسية. الناصريون ينسبون مجانية التعليم والنهضة التعليمية في مصر إلى زعيمهم جمال عبد الناصر، وغير الناصريين من الممكن أن ينسبوها إلى كائن من كان سوى عبد الناصر. وهكذا دواليك، دون أن ينظر كل طرف إلى لب المشكلة أو طرح حلول حول كيفية التعامل مع مشكلة التعليم في مصر وهل يجب القضاء على المركزية المهيمنة على العملية التعليمية أم من الأفضل العمل على تطويرها، لكن يظل السؤال "من أول من طبقَ مجانية التعليم في مصر؟".

تاريخ التعليم في مصر

كان مستوى التعليم في العصر المملوكي مرتفعًا. كانت القاهرة يومها، منارة علم للمنطقة بأكملها. ومع انتهاء عصر المماليك ووصول العثمانيين، تدهور حال التعليم بعد أن أصبحت اللغة التركية هي اللغة الرسمية بدلًا من اللغة العربية، التي كان العثمانيون يجهلونها على الرغم من أنهم "مسلمون".

اندثرت مدارس العصر المملوكي واقتصر التعليم في عهد العثمانيين على الأزهر والكتاتيب، وكان الأزهر لا يقدم سوى العلوم الشرعية والفقهية فقط، حتى ظهر محمد علي وتولى حكم مصر في العام 1805، وأنشأ المدارس واستقدم المعلمين من أوروبا وأرسل البعثات التعليمية إلى الخارج.

يرجع سبب اهتمام محمد علي بالتعليم إلى طموحاته التوسعية في بناء دولة حديثة مركزية قوية لا تقتصر على مصر فقط، بل تمتد أطرافها إلى الشام والحجاز. وبلغ عدد المدارس التي أنشأها محمد علي 66 مدرسة. كما أنشأ مدرستين تجهيزيتين واحدة في القاهرة والأخرى في الإسكندرية، كما أقام العديد من المدارس العليا كالطب والهندسة والزراعة واللغات، وغيرهم من المدارس العليا.

اقرأ/ي أيضًا: تخفيض سنوات دراسة الهندسة.. حقيقة مصرية تائهة!

كان اهتمام محمد علي بالتعليم في مصر قائمًا على خدمة مصالحه في بناء جيش قوي ودولة مركزية في المقام الأول، لكن لا أحد ينكر أن الأسس التي وضعها والمدارس التي أنشاها هى النواة الأولى لتأسيس "التعليم الرسمي" في مصر. كما تم تأسيس أول نظارة للمعارف في مصر والعالم العربي في عهد محمد علي وكان "مصطفى مختار" أحد مبتعثيه إلى الخارج، كأول وزير للمعارف، والذي قام بتأسيس لجنة يرجع إليها الفضل في تقسيم المراحل التعليمية إلى ثلاث مراحل: ابتدائية وتجهيزية وخصوصية.

لكن شهدت مصر تراجعًا على كافة المستويات في عهد بعض خلفاء محمد علي، كعهدي عباس حلمي الأول وسعيد باشا، حتى جاءت النقلة النوعية على يد "الخديوي إسماعيل" الذي أكمل مسيرة جده "محمد علي باشا"، وقام بوضع اللوائح والنظم لبناء المدارس في القرى والمدن حسب الكثافة السكانية لكل منطقة، وكيف يتكفل كل مركز بإنشاء واستقدام المعلمين وكل ما يلزم لبناء صرح تعليمي متكامل. ظل الحال هكذا حتى قدوم الاحتلال البريطاني إلى مصر في العام 1882، فما كان منهم إلا إلغاء مجانية التعليم التي أقرها محمد علي، وفرض رسوم على جميع الصفوف، تختلف قيمتها من صف لآخر.

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. انسفوا "حظيرة" التعليم العالي

أثناء فترة الاحتلال الإنجليزي، كتب اللورد كرومر تقريرًا عن سياسة إنجلترا التعليمية يقول فيه إنه وجد أن ما تنفقه الحكومة على المعارف إنما تنفقه على فئة صغيرة من أبناء الشعب، كان أكثرهم من الأغنياء، ولا تعلمهم إلا تعليمًا أوروبيًا، وتم بدء مشروع إبطال التعليم المجاني في مصر تدريجيًا عام 1884.

لكن الحقيقة أن ما كتبه اللورد كرومر لم يكن صحيحًا تمامًا، ففي تقرير اللجنة التعليمية الإدارية الصادر عام 1901، أكدت اللجنة وجود إقبال كبير من الشعب على إلحاق أبنائهم بالمدرسة الابتدائية التي كانت أربع سنوات فقط، حتى يحصلوا على وظيفة حكومية. ولما كانت هذه المدارس لا تُعد موظفًا حكوميًا كفئًا لقصر مدة التعليم بها، قررت اللجنة رفع المصروفات على التلاميذ. ظل الحال هكذا حتى صدور دستور 1923، الذي كفل للمصريين في المادة 17 منه الحق في التعليم وقال: "التعليم حر ما لم يخل بالنظام العام أو ينافِ الآداب"، كما نصت المادة 19 على أن "التعليم الأولي إلزامي للمصريين من بنين وبنات، وهو مجاني في المدارس العامة".

تم بدء مشروع إبطال التعليم المجاني في مصر تدريجيًا عام 1884 من قبل الاحتلال الإنجليزي

وفي العام 1943 قدم وزير التعليم "أحمد نجيب الهلالي" تقريرًا بعنوان "إصلاح التعليم في مصر" إلى البرلمان، وتمت مناقشته والموافقة على تطبيق مجانية التعليم طبقًا للمادة 19 في دستور 1923، وصدر القرار عام 1944 بإعادة تطبيق مجانية التعليم الابتدائي، التي ألغاها الاحتلال عند قدومه أواخر القرن التاسع عشر.

قامت حركة الضباط الأحرار 1952 وتم جلاء الاحتلال عن مصر وبدأت فترة حكم عبد الناصر، وبدأ معها برنامجه لإصلاح التعليم في مصر، وهنا بدأت المزايدات والتساؤلات، هل عبد الناصر هو بالفعل من أنشأ مجانية التعليم في مصر نظرًا لكونها من المبادئ التي أقرتها يوليو 1952؟ أم أن الفضل يعود إلى محمد علي وخلفائه؟ والحقيقة أن من زرع نواة التعليم الرسمي المجاني في مصر هو محمد علي، لكن لا أحد يُنكر على جمال عبد الناصر، الدور الذي قام به في بناء أكبر عدد من المدارس في مصر في الوجهين القبلي والبحري، وبناء عدد من الجامعات منها جامعة أسيوط، أول جامعة في صعيد مصر، كما قام بتعديل المواد الخاصة بالتعليم في دستور 1956، مشيرًا إلى حرية التعليم في حدود القانون والنظام العام والآداب،

وأضاف دستور 1956 مادة تشدد على أن التعليم حق للمصريين جميعًا وألقى على الدولة مسؤولية توفيره، وإنشاء مختلف أنواع المدارس والمؤسسات الثقافية والتربوية، والتوسع فيها تدريجيًا، كما أشار في المادة 50 إلى أن التعليم إجباري مجاني في مرحلة التعليم الابتدائي. يشار إلى أنه في العام 1952، أراد الأديب طه حسين تطبيق مجانية التعليم على الجامعات، لكن العرش الملكي وقتها، حال دون ذلك، لذلك ظل الأمر معلقًا قرابة العشر سنوات، ويعود فضل إقرار مجانية التعليم الجامعي إلى عبدالناصر، حيث تم صدور القرار وتطبيقه عام 1962.

اقرأ/ي أيضًا:

مصر.. انتصار على تمييز وزارة التعليم

إلغاء خانة الديانة "جامعياً" في مصر: اشتعال أزمة