18-أغسطس-2021

هل يكرر بايدن استراتيجيته في فيتنام؟ (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

بعد 20 عامًا على الحرب الأمريكية ضد أفغانستان خلصت الإدارة الأمريكية إلى أنه  لا يمكن مطالبة قواتها "بخوض حرب لا تبدي القوات الأفغانية نفسها استعدادًا للتضحية فيها"، وفقًا لتصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، يوم الاثنين، وهو الأمر الذي برر من خلاله الانسحاب من أفغانستان بعد حرب بلغت كلفتها السنوية على الأمريكيين 45 مليار دولار، أي ما يقارب 2 تريليون دولار أمريكي خلال الفترة جميعها، غالبًا تم تغطيتها من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين.

عين الصين وروسيا على أفغانستان

بالتأكيد لن نعيد في هذا التقرير سردًا زمنيًا للتطورات الأخيرة التي شهدتها أفغانستان خلال الأسابيع الأخيرة وصولًا إلى إعلان حركة طالبان – المُدرجة أساسًا على لائحة المنظمات الإرهابية – دخول مقاتليها إلى العاصمة كابول، بعد انسحاب الرئيس الأفغاني أشرف غني إلى خارج البلاد وفقًا لعديد التقارير الإعلامية.

عند النظر في استراتيجية بايدن المُستخدمة في أفغانستان، يمكننا أن نرى تطابقها مع سياسة بايدن عندما كان مشرعًا في مجلس الشيوخ يبلغ من العمر 32 عامًا، بحسب ما ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية

في التعاطي مع الحالة الأفغانية التي فرضتها حركة طالبان، يمكن القول إن الاجتماع الطارئ الذي دعا إليه الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء، لن يخرج عن سياق تصريحات متحدثه الرسمي، بيتر ستانو، الذي شدد على ضرورة ربط الدعم الأوروبي لأفغانستان بتسوية سلمية للنزاع وباحترام الحقوق الأساسية لجميع المواطنين الأفغان، بما في ذلك النساء والأطفال والأقليات، وهو موقف يتناسق مع الموقف البريطاني أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: خلفيات عودة طالبان إلى حكم أفغانستان وتداعياتها

فينا يتعلق بالتطورات الأخيرة التي برزت دوليًا في الحالة الأفغانية، بعيدًا عن أروقة الاتحاد الأوروبي أو جلسة مجلس الأمن التي أكد فيها على ضرورة "العمل لمنع تحويل أفغانستان إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية"، فإن الموقف الروسي كان خارجًا عن السياق الأممي، بعدما أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن البعثة الدبلوماسية الروسية لدى أفغانستان أجرت "اتصالات عمل" مع طالبان ضمنت من خلالها سلامتها.

وقبل الموقف الروسي، كانت الصين سباقةً في بعث رسائل غير مباشرة لقادة طالبان، بعدما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الخارجية الصينية أن بكين مستعدة لإنشاء علاقات صداقة مع حركة طالبان، وهي خطوة يمكن أخذها في سياق التنافس الدولي لإيجاد موطئ قدم جديد في آسيا الوسطى، وهو ما يتناسق مع تقرير سابق لصحيفة الغارديان البريطانية، تحدث عن فرضية دخول باكستان، الهند، وإيران إلى جانب روسيا والصين على خط المنافسة للحصول على موطئ قدم في البلد الذي مزقته الحرب لعقدين من الزمن.

في قراءتها للموقف الصيني – الروسي ترصد شبكة CNN الأمريكية في تعليقات الصحف الرسمية الصادرة في الصين، أن الخطاب الصيني الرسمي الأخير، يرتبط في "المساهمة في إعادة الإعمار والتنمية بعد الحرب، ودفع المشروعات في إطار مبادرة الحزام والطريق التي اقترحتها الصين عند استعادة الأمان والاستقرار في البلد الذي مزقته الحرب".

وتعيد CNN التعليقات الصينية – الروسية حول إمكانية التعاون مع حركة طالبان إلى التعهدات التي قدمها قادة الحركة للجانبين الصيني – الروسي، والمرتبطة بعدم سماحها استخدام الأراضي الأفغانية لتهديد الدولتين اللتين تملكان خلافات دبلوماسية معقّدة مع الولايات المتحدة. وتشير الشبكة الأمريكية إلى أن الصين راضية تمامًا عن الهزيمة والانسحاب الفوضوي و"الذل" الذي تعرضت له الولايات المتحدة، لأن ذلك ببساطة يثبت نجاح سياستها في عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، مقابل الاستراتيجية الأمريكية القائمة على الهيمنة بقوة السلاح.

ما تجنّب بايدن الإشارة إليه

قبل الشروع بمناقشة الموقف الأمريكي الذي عجّل من انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، كان لا بد من الإشارة إلى الموقفين الروسي والصيني معًا، بالأخص أن استطلاعًا للرأي أجرته مؤسسة مورنينغ كونسلت بالاشتراك مع مجلة بوليتيكو الأمريكية في آب/أغسطس الجاري، أظهر أن 49 بالمائة من الأمريكيين برفضون الانسحاب من أفغانستان، بعدما كان 69 بالمائة من الأمريكيين يؤيدون الانسحاب في نيسان/أبريل الماضي.

ما كان واضحًا في كلمة بايدن التي خصصت للحديث عن آخر التطورات في أفغانستان، إشارته لقناعته التامة بصحة القرار الذي أقدم عليه، وأن توقيت الانسحاب وشكله لم يكن ليتم على نحو أفضل، على الرغم من وجود بعض العثرات التي حصلت على حد تعبيره، والتي عزاها إلى استسلام القادة السياسيين في أفغانستان وفرارهم من البلاد، وانهيار القوات الأفغانية أمام تقدم طالبان السريع.

 إضافة لذلك، فإن بايدن شدد أيضًا على أنه دون وجود قيادة سياسية حقيقية في أفغانستان، وفي ظل غياب الاستعداد لمقاومة طالبان ومواجهتها من قبل قوات حكومية متماسكة، فإن بقاء القوات الأمريكية هناك "لعام، أو خمسة أعوام، أو عشرين عامًا أخرى، لن يؤدي إلى أي نتيجة". مشيرًا إلى أنه لا يمكن مطالبة القوات الأمريكية "بخوض حرب لا تبدي القوات الأفغانية نفسها استعدادًا للتضحية فيها".

فعليًا، فإن بايدن تجنّب في كلمته الحديث عن التقارير الاستخباراتية المرتبطة بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بهذا الشكل السريع، فقد كانت التقارير الاستخباراتية تتوقع دخول مقاتلي طالبان إلى كابل بعد 30 يومًا من بدء حملتها العسكرية، لكن ما حدث أن مقاتلي طالبان وصلوا إلى أطراف العاصمة في أقل من 10 أيام، الأمر الذي أصاب بايدن وكبار المسؤولين الأمريكيين بـ"الذهول من وتيرة استيلاء طالبان شبه الكامل على أفغانستان"، وفقًا لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية.

 وكذلك كان بايدن عرضة لانتقادات الجمهوريين الذين وصفوا الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بـ"الفاشل"، وذلك على الرغم من أن الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، هو الذي أقر انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في العام الأخير من ولايته، وعهد بتطبيقه إلى إدارة بايدن التي خلفته في البيت الأبيض، ومع ذلك فإن ترامب طالب بايدن بـ"الاستقالة خجلًا من التدهور الذي سمح بحصوله في أفغانستان".

ومنذ يوم الأحد الماضي، بدأ المسؤولون البارزون في إدارة بايدن بالحديث عن أنهم تفاجؤوا بالانهيار السريع للقوات الأفغانية، بحسب ما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، التي أشارت إلى أن مسؤولي الإدارة الأمريكية "أعربوا سرًا وعلنًا عن دهشتهم من السرعة التي تقدمت بها طالبان في أفغانستان"، في حين رفض مسؤول أمريكي أن يكون الإخفاق الاستخباراتي هو فقط المسؤول عن انهيار الحكومة الأفغانية بهذه السرعة، مرجعًا ذلك إلى عديد الأسباب، والتي من بينها سرعة انسحاب إدارة بايدن ورحيل الشركات العسكرية أيضًا.

ويتفق تقرير الصحيفة الأمريكية مع تغريدة القائم بأعمال ونائب مدير وكالة المخابرات المركزية السابق، مايكل موريل، الذي رأى أن "ما يحدث في أفغانستان ليس نتيجة فشل استخباراتي، بل جاء نتيجة لإخفاقات عديدة في سياسات إدارات متعددة. من بين كل الفاعلين طوال هذه السنين، كان تقدير أجهزة الاستخبارات للوضع في أفغانستان هو الأكثر دقة إلى حد بعيد".

لكن الباحث البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، بيل روجيو، يختلف مع موريل في عدد من النقاط، حيث يرى بأن جزءًا كبيرًا من المسؤولية يتحمله بايدن نظرًا لأن "قراره بالانسحاب كان قراره وحده"، وأضاف موضحًا أن "المعلومات التي قُدمت له وساهمت في اتخاذ قراره كانت معيبة إلى حد كبير"، وحمّل قادة الاستخبارات والجيش الأمريكي مسؤولية الإخفاق المرتبط بعدم الاهتمام الكافي باستراتيجية طالبان منذ سنوات، عندما بدأت ببناء قوتها في المناطق الريفية في عام 2014 استعدادًا للهجوم الحالي.

بريطانيا والدول الغربية تشعر بـ"الخيانة"

عند الذهاب إلى الموقف الغربي من التطورات الأخيرة التي شهدتها أفغانستان، ترى النسخة الأوروبية من مجلة بوليتيكو أن قادة الاتحاد الأوروبي بالاشتراك مع بريطانيا أخفقوا عندما اعتقدوا أن بايدن "خبير في السياسة الخارجية"، بالأخص بعدما كان قراره السريع بالانسحاب سببًا بانهيار المدن والبلدات التي تسيطر عليها القوات الحكومية أمام مقاتلي طالبان.

تشير المجلة إلى أن غالبية قادة الاتحاد الأوروبي أعربوا عن قلقهم من أن بايدن كان "سريعًا عن غير قصد"، بتنفيذ القرار الذي أصدره ترامب قبل انتهاء ولايته، وانقسم القادة الأوروبيون بين من شعروا أنهم تعرضوا "للخيانة" من قبل الولايات المتحدة، وبين من اعتقدوا أن بايدن يمكنه المساعدة على تخفيف التوترات التي شهدها حلف الشمال الأطلسي (الناتو) مؤخرًا، لكنهم بدلًا من ذلك رأوا أن قرار بايدن كان "خطأ تاريخيًا".

وبينما أكدت بريطانيا إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي على عدم اعترافهم بأي حكومة تقوم بتشكيلها حركة طالبان، فضلًا عن الدعوات لتشكيل موقف موحد إزاء التطورات الأخيرة في أفغانستان، فإنهم في مقابل ذلك يعتبرون أن أيديهم مقيدة بسبب عدم امتلاكهم لأي نفوذ يذكر على طالبان، كما أنهم يتشاركون التردد في توجيه انتقادات مباشرة للولايات المتحدة وحلف الناتو على قرار الانسحاب السريع.

يتفق المحللون في تقرير منفصل لوكالة أسوشيتد برس على أن الولايات المتحدة في طريقها إلى العزلة الدولية، وذلك بسبب السمعة التي اكتسبتها بأنها تخلت عن مهمتها الأساسية التي جاءت بسببها إلى أفغانستان، إضافة لتخليها عن أصدقائها الأفغان، وحلفائها الغربيين.

بينما كانت زعيمة حزب الأخوة الإيطالي المتطرف، جيورجيا ميلوني، أكثر حدية ومباشرة عندما هاجمت الانسحاب الأمريكي، مشيرةً إلى أن النهج الذي قامت عليه سياسة الرؤساء السابقين، بيل كلينتون وباراك أوباما، إلى جانب سياسة بايدن، هو "إذا لم تتمكن من الفوز، اخلق الفوضى"، مع الإشارة إلى أن الرؤساء الثلاثة ينتمون للحزب الديمقراطي.

من سايغون إلى كابول.. بايدن يسير على استراتيجية واحدة

إن تطبيق قرار انسحاب القوات الأمريكية بهذه السرعة من أفغانستان، إضافة لعدم وجود خطة واضحة لتنفيذه، كان سببًا كما تقول تقارير لحدوث فوضى كبيرة في كابول. إن الاستراتيجية التي تقوم عليها سياسة الولايات المتحدة الخارجية هي تجاهل الديمقراطيات الفقيرة وإيذائها أيضًا، بحسب مقال للباحث جاك ويرنر نشر في مجلة فورين بوليسي الأمريكية، والذي يرى أن استراتيجية الولايات المتحدة العالمية هدفها "إحياء الثقة بالمنفعة العامة"، وهو ما يدخل في صميم سياسة بايدن الذي يركز في سياسته الخارجية على التفوق الصيني بدلًا من دعم الديمقراطيات الفقيرة.

عند النظر في استراتيجية بايدن المُستخدمة في أفغانستان، يمكننا أن نرى تطابقها مع سياسة بايدن عندما كان مشرعًا في مجلس الشيوخ يبلغ من العمر 32 عامًا، بحسب ما ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، حيثُ أشارت إلى أن بايدن كان من بين أعضاء مجلس الشيوخ الذين تم استدعاؤهم إلى البيت الأبيض من أجل حصولهم على إحاطة سرية للغاية حول أزمة الولايات المتحدة في فيتنام، وكان رد بايدن بأن الوضع في فيتنام ميؤوس منه، ويجب على الولايات المتحدة مغادرة البلد الآسيوي في أسرع وقت ممكن، وفي صورة مشابهة لليوم. ومثلما تخلى بايدن عن حلفاء الولايات المتحدة المحليين في فيتنام الجنوبية، تخلى اليوم عن السكان المحليين المتعاونيين مع الولايات المتحدة في أفغانستان.

وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أنه الآن بعد نحو نصف قرن اتخذ بايدن قرارًا مشابهًا. وفي استعادتها للانسحاب الأمريكي السريع من جنوب فيتنام، وكما الحال اليوم، لم يتأثر بايدن بالحجج التي قدمها قادة الجيش بأن تغيير الاستراتيجيات على الأرض من الممكن أن يؤخر دخول المقاتلين الشيوعيين في فيتنام الشمالية إلى فيتنام الجنوبية المدعومة من الولايات المتحدة، وبدلًا من ذلك كان يتساءل عن الأسباب التي تدفع هذا الصراع للاستمرار.

بايدن أخبر المبعوث الخاص للرئيس السابق باراك أوباما إلى أفغانستان وباكستان ريتشارد هولبروك، في محادثة خاصة أن الولايات المتحدة ليس لديها التزام اتجاه الأفغان الذين يثقون بها

أما على جانب الملف الحقوقي، ينقل تقرير واشنطن بوست أن بايدن أخبر المبعوث الخاص للرئيس السابق باراك أوباما إلى أفغانستان وباكستان ريتشارد هولبروك، في محادثة خاصة أن الولايات المتحدة ليس لديها التزام اتجاه الأفغان الذين يثقون بها. تضيف الصحيفة بأن بايدن ضمن المحادثة نفسها تراجع عن الفكرة التي تقول إن الولايات المتحدة لديها التزام أخلاقي اتجاه النساء في أفغانستان، عندما أكد على أنه لن يعيد الجنود الأمريكيين إلى أفغانستان "للمخاطرة بحياتهم من أجل حقوق النساء"، إذ أكد بايدن على عدم نجاح الأمر، لأن القوات الأمريكية ليست من أجل هذه القضية موجودة في أفغانستان.