06-يناير-2022

كاريكاتير لـ ماتياس تيجيدا/ الأرجنتين

1

عندما نحبّ نشير إلى القلب بوصفه مركز شعورنا بالحب. عندما نجوع يغدو البطن بؤرة ما نحسّه. الحزن قوة استعمارية في العيون. القلق موقعه الرأس.

أين المكان المخصص للخوف في الجسد. هل يشارك شعورًا آخرَ أحدَ المواقع الرئيسية، أم لعله يقطن مكانًا غير متوقع؟

في زمن الطائرة والقطار السريع، يبدو العالم صغيرًا جدًا، لكنه رغم كل ما يدعيه من قرب بعيد، بعيد جدًا، بسبب الحدود والجمارك وجوازات السفر

أعرف أن خريطة المشاعر ليست ثابتة، وتتبدل بين شخص وآخر، كأنْ يسكن الحزن في الأذنين، فيما العينان مستوطنتان للامبالاة.

اقرأ/ي أيضًا: صعوبات فنجان من القهوة

أحسب أن الخوف يسكن في القدم. فمنذ الطفولة كلما خفتُ شعرت بهما ترتجفان. مرة عند الكعب، وأخرى عند الركبة. وفي أشد ساعات الخوف التي عرفتها شعرتُ باختفاء القدمَينْ، مع أنني كنت أمشي عليهما وبهما في ذلك الوقت!

أعرف السر الآن: أنقذني المشي على خوفي.

2

تغدو الحياة أسرع مما هي عليه حين نغرق في السوشيال ميديا. فهل الشاشات الصغيرة هي الزمن؟ وهل أصابعنا التي تسحبها تسحب معها الأيام والسنوات؟

فعلًا تشيب الرؤوس في اللحظات الفاصلة بين انحناءتها على الشاشات واستقامتها من جديد.

3

في زمن الحصان والسفينة، بدا العالم متباعد الأطراف، واسعًا وممتدًا، مسافاته أكبر من أن تكفيها الحياة لكي يعبرها الراغبون بالسفر والترحال، وعلى الرغم من كل ذلك كان ملكًا للناس، يذهبون فيه حيثما وكيفما شاؤوا.

في زمن الطائرة والقطار السريع، يبدو العالم صغيرًا جدًا، لكنه رغم كل ما يدعيه من قرب بعيد، بعيد جدًا، بسبب الحدود والجمارك وجوازات السفر.

حين كان العالم متباعدًا في مسافاته بدا قريبًا، واليوم حين يخدعنا بأنه قريب فإنه بعيد جدًا، عنا وعن نفسه.

4

ما من مدينة لولا الغرباء. لهذا كل مدينة وُجدت على سطح هذه الأرض تُدين لسواعد الغرباء وأحلامهم بالإقامة في مكانٍ آمن وعمليّ.

حين تصرّ المدن على استدراج غرباء جدد إلى شوارعها، فما ذلك غير برٍّ بالدين القديم. وكلما وطّن الغرباء أنفسهم فيها وسّعوا من مساحاتها وحدودها، فالقانون الأكيد: تكبر المدن بالغرباء الجدد.

حين يشعر الغرباء القدامى بخطر يتمثّل في الغرباء الجدد، فالأمر الوحيد الدي يجب أن نراه أن هناك نقضًا للعهد.

5

لم يكن لكل ما حدث، منذ هبة باب العامود إلى الشيخ جرّاح، وحتى لحظة الصواريخ الضارية، أن يحقق استقطابًا للضمائر والقلوب في زمن موت الضمائر والقلوب لولا تأكيد أهل القدس على المقاومة بالعادي واليومي.

أصبح الفطور الرمضاني الجماعي في الشيخ جرّاح مقاومة، والاجتماع الإنساني العادي على كأس شاي مقاومة، والحديث مع المستوطن وتسجيله في فيديو مقاومة.

ما من مدينة لولا الغرباء. لهذا كل مدينة وُجدت على سطح هذه الأرض تُدين لسواعد الغرباء وأحلامهم بالإقامة في مكانٍ آمن وعمليّ

يحدث أن يتلقى الأب الذي يتعرض لاعتقال سؤالًا من ابنته الصغيرة عن مكان لعبتها، ولأجل ذلك يصبح الاعتقال اعتقالًا لإجابة الأب. وعلى الفور تغدو الجريمة جريمة اضطهاد. فسوى الاعتقال التعسفي للأب على خلفية دفاعه عن حقه، هناك أيضًا من حرم الطفلة الصغيرة من معرفة مكان لعبتها.

اقرأ/ي أيضًا: عن اعتياد الموت

والعادي يتكلم حين يعتصم الناس في مسجدهم لكي يصلوا، خصوصًا أنهم في رمضان، فتقتحم هذه اللحظاتِ القنابلُ الدخانية والرصاص المطاطي والجنود المدججون. العادي يتكلم ويقول إن الله هنا، في الحرم القدسي، سلاح أكثر من كونه إلهًا.

وتلك الابتسامات التي ظلت تنمو على وجوه المقيدين المقادين، سيكون على موثقي انتهاكات حقوق الإنسان أن يضيفوها إلى سجلاتهم.

6

مشكلتنا الكبرى مع الألم أنه لا يصبح قديمًا، فقدرته على البقاء جديدًا وطازجًا تأتي من كونه غير قابل للنفاد، هذا غير أنه يأتي في كل مرة وكأنها أول مرة. لولا ذلك لكنا روضناه، على الأقل بالاعتياد، أو بالتقادم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أن تكون دومًا على صواب!

سعادة إيلون ماسك الإلهية