27-يوليو-2018

قد تواجه ويني عمر حكمًا بالإعدام (Getty)

كان العاشر من كانون الأول/ ديسيمبر 2017 يومًا سيئًا للناشطة السودانية ويني عمر، حيث إنه لم يدر بخيالها إطلاقًا أنها سوف تصطدم بمحض الصدفة بوكيل النيابة عبد الرحيم الخير، في أحد شوارع العاصمة الخرطوم، وتتحول بعد ذلك حياتها إلى جحيم لا يُطاق، فتلاحقها الشرطة بتهمة الدعارة وتقويض النظام وارتداء الزي الفاضح.

قُدمت ويني عمر للمحاكمة وفقًا لقانون النظام العام الذي تنتقده المنظمات الحقوقية باعتباره ينتهك حرية المرأة وحقها في ارتداء ما يناسبها 

بدأت الأزمة عندما كانت الناشطة والمدونة "ويني عمر" تقف على قارعة الطريق العام هى وزميلها، في تلك اللحظة اعترضتها سيارة يقودها وكيل نيابة برفقة ضابط شرطة بالقرب من مكان عملها، وبعد حوار قصير تم اقتيادها إلى قسم شرطة النظام العام بحجة أن ملابسها غير محتشمة، حيث احتجزت لخمس ساعات قبل إطلاق سراحها بالضمان. وقالت ويني لدى استجوابها من قاضي المحكمة، إنها "لم ترتد زيًا فاضحًا، وإنها مسلمة وتعرف الدين جيدًا".

وقُدمت ويني عمر للمحاكمة وفقًا لقانون النظام العام الذي تنتقده المنظمات الحقوقية باعتباره ينتهك حرية المرأة وحقها في ارتداء ما يناسبها من الأزياء، وبعد ذلك صدر حكم على ويني بالبراءة، وقال القاضي في حيثيات الحكم إن المادة 152 من القانون الجنائي المتعلقة بملابس النساء، "مادة فضفاضة، ولا تحدد بشكل قاطع طبيعة الزي الفاضح". وأشار القاضى كمال الدين الزاكى فى حيثيات حكمه أن الشاكى، وهو شرطى تابع للنظام العام، أفاد أمام المحكمة أنه قد تم ضبط المتهمة وينى عمر وهى ترتدى زيًا فاضحًا بواسطة وكيل نيابة، وأن شاهد الاتهام الأول وهو ضابط شرطة كان برفقة وكيل النيابة فى الشارع العام، أفاد أن المتهمة كانت ترتدى زيًا فاضحاً عبارة عن "اسكيرت قصير وفيها مشية ملفتة لم تعجبه". ووصف القاضى إفادة هذا الشاهد بالتربص لأنه كان ينظر إليها ويتابعها إلى أن توقفت.

اقرأ/ي أيضًا: ختان الإناث في السودان.. "ختم العفة" باستئصال شأفة الحياة

وبالرغم من ذلك الحكم، والذي يبدو أنه انتصر للناشطة السودانية وهزم دعاوى خصومها، أخذت القضية منحىً آخر، أكثر خطورة هذه المرة، حيث فوجئت ويني وصديقاتها باقتحام أفراد من شرطة النظام العام الشقة التي كانت تقيم فيها تلك الليلة، وتم تفتيشها، وأخذ بعض المعروضات من داخل الشقة قبل اقتيادها إلى قسم الشرطة، لتواجه وزميلاتها هذه المرة تهمًا تحت "مواد الدعارة وشرب الخمر"  رغم  فشل "اختبار السكر" في إثبات تناولها له.

 واستنكر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي معاودة اعتقال الناشطة السودانية، معتبرين ما حدث أمرًا كيديًا وتلفيقًا للتهم واستغلالًا للنفوذ، لا سيما وأن قائد القوة التي اقتحمت الشقة ردد أمامها عبارة "الدنيا ضيقة يا ويني". ما فسره البعض أنهم كانوا لها بالمرصاد. وتحولت قضيتها في الحال إلى قضية رأي عام، والأكثر أهمية لدى الناشطين والجمعيات النسوية، حيث انتشر هاشتاغ تحت عنوان "مع ويني ضد النظام العام"، بجانب حملات التضامن الواسعة داخل وخارج السودان.

وكتبت الصحفية أمل هباني: "ويني عمر درس في الجسارة والصمود أمام النظام العام.. وها هي جبهة أصعب وأقسى تفتح في مواجهتها من نيابة أمن الدولة"، وذلك بالإشارة إلى توجيهات بفتح بلاغات جديدة في مواجهتها تتعلق بالتجسس والتخابر. وكانت الشرطة السودانية قد اقتحمت اجتماعًا يتعلق بنشاط حقوقي، ضم عمر وامرأة ورجلين آخرين، في شباط/ فبراير الماضي. واحتجزتها لمدة خمسة أيام، وصادرت حاسوبها المحمول، ومُنعت لاحقًا من مغادرة البلاد، وفي حال إدانتها بتلك التهم قد تواجه عقوبة الإعدام.

استنكر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي معاودة اعتقال ويني عمر، معتبرين ما حدث أمرًا كيديًا وتلفيقًا للتهم

دخلت السفارة الأمريكية في السودان على خط القضية المتصاعدة، ووصفت قوانين النظام العام بـ"الغامضة والتمييزية"، وعبرت السفارة في بيان لها على خلفية محاكمة ويني عمر عن أسفها، قائلة: "تشُعر سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بقلق عميق إزاء إساءة استعمال السُلطة من جانب مسؤولي الأمن السودانيين، بما في ذلك شرطة النظام العام، وعدم الاتساق في تطبيق الإجراءات القانونية".

اقرأ/ي أيضًا: المرأة السودانية.. العنف متواصل

 ومضى البيان إلى إدانة ما وصفه بالاعتداء على الحقوق الخاصة، بما في ذلك انتهاك خصوصية منازل المواطنين. في إشارة إلى اقتحام الشقة التي كانت تقيم فيها الناشطة السودانية وصديقاتها.

وعبرت "ويني عمر" عن معاناتها في مواجهة بعض أفراد الشرطة، وكتبت على صفحتها في "فيسبوك" تدوينة مريرة، قالت فيها إنها تعرضت للاستفزاز والإهانة،  وإنه "عندما ذهبت للقسم في آخر مرة لتبديل الضمان، استفزني رجال البوليس وكالوا لي من السباب والإهانات ما لم أستطع تحمله لحظتها. فتحوا دفتر التحريات الخاص بنا وبدؤوا في السخرية". ووصفت ما جرى لها بالضبط  بأنه حفلة للتنمر، وأضافت: "كانت أول مرة أبكي فيها داخل زنزانة، أحسست بالإهانة وبهول ما يحدث". فيما أوضحت أن القضية لا تتمحور حولها، وإنما تمس مئات النساء يوميًا في السودان، يعانين في صمت، ويتعرضن للاعتقالات التعسفية جراء تهمة تسمى "الزي الفاضح" أو "الاختلاط"، أو غيرها من الحقوق الشخصية، وأعربت ويني عن شعورها بعظم المسؤولية، وكتبت في منشورها الأخير: "لدي إحساس كبير بالمسؤولية، يتضاعف في كل مرة أعود فيها لحراسات النظام العام، وأجد الفتيات والنساء بالعشرات حائرات وعيونهن تفيض بالدمع.. هذه مسؤوليتي، وسأتحملها".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"اغتصاب الزوجة".. شرعنة العنف الجنسي في السودان

قانون جديد للصحافة السودانية.. إعصار ضد الحريات