منذ مطلع العام، يعيش آلاف الطلاب الأجانب في الولايات المتحدة حالة من القلق والترقّب، بعد أن بدأت السلطات الأميركية باتخاذ إجراءات مفاجئة لسحب الوضع القانوني لعدد كبير منهم، دون سابق إنذار أو تفسير واضح.
رغم غياب أي إعلان رسمي عن هذه السياسة الجديدة، تشير الشهادات والتقارير الحقوقية إلى ما يُشبه "حملة غير معلنة" تستهدف الطلاب الأجانب، وتضع مستقبلهم الأكاديمي والمهني على المحك.
وبينما ينشغل هؤلاء الطلاب بالتحصيل العلمي والمشاركة في الأبحاث، وجد كثير منهم أنفسهم فجأة مهددين بالترحيل أو فقدان تصاريح الإقامة، وسط مناخ قانوني مضطرب وإجراءات إدارية متناقضة تفتقر إلى الشفافية.
رغم غياب أي إعلان رسمي عن هذه السياسة الجديدة، تشير الشهادات والتقارير الحقوقية إلى ما يُشبه "حملة غير معلنة" تستهدف الطلاب الأجانب
رسائل إلكترونية تقلب مصائر
كان الطالب البنغلاديشي أنجان روي يدرس علوم الحاسوب في جامعة ولاية ميزوري، عندما تلقى رسالة إلكترونية غيّرت مجرى حياته: تفيد بأنه لم يعد يتمتع بوضع قانوني كطالب أجنبي، وأصبح مهددًا بالترحيل في أي لحظة.
يقول روي لوكالة "أسوشيتد برس": "كنت في حالة صدمة حرفيًا، قلت لنفسي: ما هذا بحق الجحيم؟"
ومنذ تلك اللحظة، دخل في عزلة تامة؛ توقّف عن حضور المحاضرات، أغلق هاتفه، وتوارى عن الأنظار. ولم يعد إلى شقته إلا بعد صدور حكم قضائي مؤقت لصالحه أعاد إليه وضعه القانوني لبعض الوقت.
آلاف الأميركيين تظاهروا احتجاجًا على سياسات ترامب المتعلقة بترحيل المهاجرين وفصل الموظفين الحكوميين، وحرب الإبادة الجماعية في غزة.
اقرأ المزيد: https://t.co/ZJRFX2n0CB pic.twitter.com/CkoqkPpa5m
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 20, 2025
الطلاب يلجأون للقضاء... والانتصارات تتوالى
في مواجهة هذه الإجراءات، لجأ مئات الطلاب الأجانب إلى المحاكم الفيدرالية، ونجح عدد منهم في الحصول على أوامر قضائية مؤقتة تعيد لهم وضعهم القانوني. ففي قضية جماعية تضم 133 طالبًا في أتلانتا، أصدرت المحكمة أمرًا بمنع ترحيلهم مؤقتًا. أحكام مشابهة صدرت في ولايات أخرى مثل نيوهامبشر، ويسكونسن، مونتانا، أوريغون وواشنطن.
لكن في ولايات أخرى، رفض القضاة طلبات مماثلة، معتبرين أن "فقدان الوضع القانوني لا يرقى إلى مستوى الضرر الجسيم الذي لا يمكن إصلاحه".
اتهامات غامضة.. وحالات من الاكتئاب والعزلة
تقول إدارة ترامب إن بعض الطلاب المستهدفين شاركوا في أنشطة "تتناقض مع المصالح الوطنية"، بما في ذلك احتجاجات ضد الحرب الإسرائيلية على غزة، أو كانوا يواجهون اتهامات جنائية. لكن العديد من الطلاب يؤكدون أنهم لم يرتكبوا أي مخالفات جدية، أو أن سبب سحب تأشيراتهم غير واضح تمامًا.
المحامي تشارلز كَك، الذي يتولى الدفاع عن روي وطلاب آخرين، قال أمام المحكمة: إن "الحكومة لا تملك مبررًا قانونيًا لهذه الإجراءات، وإنها تمارس ضغوطًا هائلة على الطلاب لدفعهم إلى مغادرة البلاد طواعية". وأضاف: "بعض الطلاب يتساءلون إن كان بإمكانهم الخروج فقط لشراء الطعام دون أن يتعرضوا للاعتقال".
في دعوى قضائية بولاية آيوا، كشف أربعة طلاب دوليين عن معاناتهم النفسية والمالية بعد سحب وضعهم القانوني. أحدهم، طالب دراسات عليا من الهند، فقد القدرة على النوم أو الأكل، وتوقف عن الدراسة والعمل. أما طالبة صينية، فدخلت في نوبة اكتئاب شديدة دفعت طبيبها إلى مضاعفة جرعة أدوية علاجها النفسي.
#فيديو | احتجاجات طلبة الجامعات الأميركية تتصاعد وتتسع رقعتها تضامنًا مع #غزة.. ماذا يريدون؟ وكيف جابهتهم إدارات الجامعات والشرطة؟ pic.twitter.com/m4Wmm7deC4
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 25, 2024
تفاصيل معاناة روي: مخالفة بسيطة جعلته هدافًا لعملية الترحيل
بدأ روي، البالغ من العمر 23 عامًا، مسيرته الأكاديمية في جامعة ولاية ميزوري كطالب جامعي في تخصص علوم الحاسوب. وكان ناشطًا في نادي الشطرنج وأحد الفرق الطلابية، ولديه دائرة واسعة من الأصدقاء. بعد تخرّجه في كانون الأول/ديسمبر الماضي، بدأ دراسة الماجستير في كانون الثاني/يناير، ويأمل في إنهائها بحلول أيار/مايو 2026.
قال روي إن المرة الوحيدة التي تعامل فيها مع الجهات الأمنية كانت في عام 2021، عندما استدعاه أمن الحرم الجامعي لاستجوابه على خلفية بلاغ بشأن شجار في أحد مباني السكن الطلابي. لكنه أوضح أن الضابط المسؤول لم يجد أي دليل على وقوع جريمة، ولم تُوجَّه إليه أي تهمة.
في 10 نيسان/أبريل الجاري، تلقى روي رسالة من جامعته تُبلغه بإنهاء وضعه القانوني كطالب. وللاستفسار عن الأمر، عرض عليه أحد أصدقائه أن يتغيب عن المحاضرة ويرافقه إلى مكتب شؤون الطلاب الأجانب، رغم أن أمامهما اختبارًا بعد 45 دقيقة فقط. وهناك، أبلغه الموظفون أن قاعدة البيانات تُظهر انتهاء وضعه كطالب، لكنهم لا يعرفون السبب.
بعد أن علم بإنهاء وضعه، تلقى روي أيضًا رسالة إلكترونية من السفارة الأميركية في بنغلاديش تُبلغه فيها بأنه تم إلغاء تأشيرته، وأنه قد يُعتقل في أي لحظة. كما حذّرت الرسالة من أنه في حال ترحيله، فقد يُرسل إلى بلد غير بلده الأم. فكّر روي في مغادرة الولايات المتحدة، لكنه قرر البقاء بعد استشارته لمحامٍ.
ونظرًا لقلقه من البقاء في شقته الخاصة، قرر الانتقال للإقامة مع ابنة عمه وزوجها في مكان قريب، وتوقّف عن استخدام الهاتف والإنترنت خشية التتبع.
حتى بعد صدور الحكم المؤقت لصالحه، عاد إلى شقته بحذر، وطلب من زملائه أن لا يفتحوا الباب لأي طارق غريب دون إخباره.
يأمل روي في العودة إلى قاعة المحاضرات قريبًا، لكن وضعه القانوني ما زال مؤقتًا، وسيتم تحديد مصيره في جلسة محكمة قادمة. كان يخطط لأن يصبح أستاذًا جامعيًا في الولايات المتحدة، لكن الآن، كل شيء أصبح غير مؤكد.
يقول: "والداي في دكا يتابعان الأخبار وهما مذعوران... والدي لمح لي بأن لنا أقارب في أستراليا، أحدهم أستاذ جامعي هناك".
إدارة ترامب هدّدت بسحب ما يقارب مليار دولار من تمويل الأبحاث الصحية التي تتلقاها جامعة هارفارد.
اقرأ أكثر: https://t.co/aclKTH6WPO pic.twitter.com/uVB6DLZ3pV
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 22, 2025
مدى توافق الحملة مع القانون الأميركي؟
بحسب مراجعة أعدتها وكالة "أسوشيتد برس"، فإن أكثر من 1100 طالب أجنبي في 174 جامعة ومؤسسة تعليمية أميركية تعرضوا لسحب التأشيرات أو إنهاء الوضع القانوني منذ أواخر آذار/مارس الماضي، والعدد مرشح للارتفاع.
بينما يواصل القضاء الأميركي إصدار أوامر مؤقتة لإعادة الحقوق القانونية إلى بعض الطلاب المتضررين، يظل الخوف حاضرًا في أوساط الطلاب الأجانب الذين وجدوا أنفسهم فجأة على هامش القانون، مهدّدين بفقدان مستقبلهم الأكاديمي ومصدر رزقهم واستقرارهم النفسي.
إنّ ما يجري اليوم لا يعكس مجرد خلل إداري أو إجراءات بيروقراطية متعثرة، بل يكشف عن مناخ سياسي وقانوني آخذ في التشدد تجاه الطلاب الأجانب، حتى أولئك الذين ساهموا في إثراء المؤسسات التعليمية الأميركية بجهدهم وطاقاتهم. وفي غياب معالجات شاملة تضمن الشفافية والعدالة، سيظل آلاف الطلاب يعيشون تحت تهديد دائم، في انتظار قرار مفاجئ قد يقلب حياتهم رأسًا على عقب.