لم يلتحق الطلبة الفلسطينيون في قطاع غزة بمقاعد الدراسة للعام الثاني على التوالي، بسبب استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع. فقد دمرت الغارات العديد من المؤسسات التعليمية، بما في ذلك المدارس والجامعات، في حين تحوّلت بعض المدارس إلى مراكز إيواء للنازحين.
في مدينة تورونتو الكندية، يرن منبّه أحمد أبو شعبان، الأستاذ في إحدى جامعاتها، عند الساعة الثالثة صباحًا، وهو الموعد الذي خصّصه لتقديم الدروس لطلابه في غزة، في خطوة يصفها بأنها التزام نحوهم وشعور بالذنب، كما تقول وكالة "فرانس برس".
يقول أبو شعبان لـ"فرانس برس: "أشعر بالذنب لأنني رحلت، فكأننا تخلّينا عن بلدنا وشعبنا ومؤسساتنا
غادر أبو شعبان قطاع غزة بعد أيام قليلة من 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حين أطلقت إسرائيل حربها على الشعب الفلسطيني في القطاع. وعلى الرغم من بُعده آلاف الكيلومترات، فإنه يرفض نسيان طلابه المحاصرين في القطاع. وقرر تخصيص وقتٍ للطلاب الذين لم يُستشهدوا ويرغبون في مواصلة تعليمهم، رغم التحديات القائمة.
يقول أبو شعبان لـ"فرانس برس: "أشعر بالذنب لأنني رحلت، فكأننا تخلّينا عن بلدنا وشعبنا ومؤسساتنا". وكان هذا الاستاذ الجامعي يشغل منصب عميد كلية الزراعة والطب البيطري في جامعة الأزهر، التي دمرتها الغارات الجوية الإسرائيلية، كما هو الحال مع معظم الجامعات في غزة.
📹 مسؤول في #الأونروا يرصد مأساة غير مسبوقة في #غزة.@palestineultra pic.twitter.com/LNqRoLOfE0
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) December 6, 2024
انتقل أبو شعبان، وهو في الخمسينيات من عمره، إلى مصر بعد خروجه من القطاع، وبفضل معارفه في كندا التحق بجامعة يورك في تورونتو، حيث يعمل حاليًا أستاذًا زائرًا في كلية التغير البيئي والمُدني.
داخل مكتبه في شمال تورونتو، حيث الرفوف فارغة والجدران شبه خالية، يؤكد أبو شعبان رغبته في "إرسال رسالة واضحة جدًا للعالم". ويضيف: "لقد دمروا بنيتنا التحتية ومبانينا... لكننا لا نزال على قيد الحياة ونواصل الصمود".
ويمثل عدد الطلاب المسجلين في جامعة الأزهر دليلًا على هذا الصمود. فقبل العدوان، كانت الكلية تضم 14 ألف طالب، بينما بلغ عدد المسجلين مع بداية العام 10 آلاف طالب، وهو ما لم يكن أبو شعبان يتوقعه، إذ لم يكن يتصور أن يسجل أكثر من ألف طالب.
وعبّر أبو شعبان عن دهشته قائلاً: "هذا جنون! يعيشون في خيمة من دون كهرباء أو إنترنت أو أي شيء، ومع ذلك يواصلون المشي لمسافة خمس كيلومترات أحيانًا للحصول على الإنترنت وتلقي الدروس، حتى لو كان ذلك يعرض حياتهم للخطر".
الاحتلال يسعى إلى خلق بيئة طاردة في #غزة مع تدمير متعمد لكافة مقومات الحياة.
اقرأ أكثر: https://t.co/TUG8isCixZ pic.twitter.com/ovNth2ADAD— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 17, 2024
وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن برنامج التدريس مرن، بحيث يأخذ في الاعتبار الصعوبات المتعلقة بشبكة الإنترنت. ويطّلع الطلاب على المحاضرات وينجزون واجباتهم المنزلية عندما تتوفر لهم الشبكة.
الظروف محبطة جدًا. يقول أبو شعبان: "نشعر أحيانًا وكأن الطلاب ينظرون إلينا وكأننا نستطيع القيام بأشياء مستحيلة". لكنه يتفهم إحباطاتهم.
ويضيف أبو شعبان، الذي يسجّل دروسه في المساء وعطلات نهاية الأسبوع ويرسلها إلى الطلاب بينما يعمل بتوقيتين زمنيين مختلفين: "أحاول أن أقدم لهم كل ما أستطيع من دعم".
عندما يشعر بالتوتر بسبب ضغط جدول أعماله، يتذكر طلابه الذين استشهدوا. ويشير تحديدًا إلى خمسة طلاب من كلية الهندسة استشهدوا أثناء اجتماعهم لحل واجب منزلي في مكان توفرت فيه شبكة الإنترنت.
ويتذكر أيضًا الطالب المتفوق بلال العيش، الذي حصل على منحة للدراسة في ألمانيا أو الولايات المتحدة مباشرة قبل بدء العدوان. يقول أبو شعبان إنه في ذلك اليوم رأى الأمل في عينيه، لكن استشهاد بلال في بداية العدوان كان صدمة كبيرة له. ويعلق قائلاً: "شعرت وكأنهم يقتلون المستقبل".