من بلينفيلد إلى الكونغرس.. مأساة الطفل الفلسطيني وديع الفيومي تُشعل حراكًا تشريعيًا لمناهضة جرائم الكراهية
17 أكتوبر 2025
في خضم تصاعد خطابات الكراهية في الولايات المتحدة، واستغلال أزمات الشرق الأوسط لتغذية الانقسام الداخلي، تحوّلت مأساة الطفل الفلسطيني الأميركي وديع الفيومي من حادثة قتل مروّعة إلى قضية رأي عام هزّت الضمير الأميركي. فالطفل، الذي لم يتجاوز السادسة من عمره، قُتل طعنًا في أكتوبر/تشرين الأول 2023 على يد جار يميني متطرف في بلدة بلينفيلد بولاية إلينوي، بعد أيام من اندلاع الحرب على غزة، في جريمة وصفت بـ"جريمة كراهية مدفوعة بخطاب الإسلاموفوبيا ومعاداة الفلسطينيين".
لم يتوقف أثر الجريمة عند حدود الحزن الأسري، بل تجاوزها ليصبح رمزًا لمعركة أوسع ضد التمييز الممنهج الذي يتعرض له الفلسطينيون والعرب والمسلمون في أميركا. ومنذ ذلك الحين، شهدت البلاد حراكًا متصاعدًا من النشطاء ومنظمات المجتمع المدني، تُوّج مؤخرًا بخطوة تشريعية لافتة في الكونغرس، تمثّلت في مشروع قرار لتكريم وديع الفيومي وإدانة "معاداة الفلسطينيين"، في أول اعتراف رسمي من نوعه بهذه الظاهرة المتنامية داخل الخطاب الأميركي العام.
تطرح هذه التطورات سؤالًا محوريًا: كيف يتفاعل المجتمع والدولة الأميركية مع جرائم الكراهية حين تطال الأطفال والعائلات الفلسطينية؟ وهل تمثل هذه المبادرة التشريعية نقطة تحوّل حقيقية نحو حماية أوسع للأقليات العربية والمسلمة؟
شهدت الولايات المتحدة حراكًا متصاعدًا من النشطاء ومنظمات المجتمع المدني، تُوّج مؤخرًا بخطوة تشريعية لافتة في الكونغرس، تمثّلت في مشروع قرار لتكريم وديع الفيومي وإدانة "معاداة الفلسطينيين"
مبادرة يقودها نواب شيكاغو
يجري في الكونغرس الأميركي جمع التواقيع على مشروع قرار (ثنائي الغرفة) يتبناه عشرات الأعضاء من الحزب الديمقراطي، ويقوده ممثلو ولاية شيكاغو، وهم السيناتور تامي دكوورث والسيناتور ديك ديوربن وعضوة مجلس النواب ديليا سي. راميريز، إلى جانب أكثر من عشرة زملاء لهم.
ويهدف القرار إلى إدانة "معاداة الفلسطينيين" في الولايات المتحدة وتكريم الطفل وديع الفيومي، البالغ من العمر ست سنوات، والذي قُتل في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2023 في جريمة كراهية بسبب هويته كفلسطيني مسلم.
يؤكد نص القرار أن "لا أحد، وبالأخص الأطفال، ينبغي أن يكون هدفًا للكراهية بسبب أصله أو عرقه أو دينه"، ويدين بشدة جرائم الكراهية وكره الإسلام ومعاداة السامية، إضافة إلى التمييز ضد الفلسطينيين والعرب والمهاجرين.
بنود أساسية تؤكد على قيم العدالة والمساواة
يتضمن القرار مجموعة من النقاط الجوهرية التي تُبرز الموقف من جرائم الكراهية، أبرزها:
- أن الولايات المتحدة "فقدت النور الجميل لوديع الفيومي بسبب الكراهية".
- أن على المسؤولين المنتخبين ووسائل الإعلام التزام الخطاب الإنساني والمسؤول عند تناول الأحداث.
- أن حرية التعبير والاحتجاج السلمي محميتان دستوريًا وتشكلان ركيزة أساسية في الديمقراطية الأميركية.
- على الولايات المتحدة اتباع سياسة "تسامح صفري" تجاه جرائم الكراهية بجميع أشكالها، بما في ذلك "الإسلاموفوبيا، ومعاداة السامية، والتمييز ضد الفلسطينيين والعرب".
دعم واسع من أعضاء الكونغرس ومنظمات المجتمع المدني
في خطوة تعكس تنامي الاهتمام داخل الكونغرس الأميركي بمكافحة خطاب الكراهية ضد الفلسطينيين، شارك عدد من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب في رعاية مشروع قرار جديد يدعو إلى الاعتراف بـ"معاداة الفلسطينيين" كشكل من أشكال التمييز والعنصرية.
ونشر مكتب النائبة الديمقراطية عن ولاية إلينوي ديليا سي. راميريز بيانًا صحفيًا يعلن عن تقديم مشروع القرار بالتعاون مع نوّاب آخرين وبدعم من كل من السيناتورات: رون وايدن (ديمقراطي–أوريغون)، ديبي ستابينو (ديمقراطية–ميشيغان)، وباتي موراي (ديمقراطية–واشنطن)، وتيم كين (ديمقراطي–فرجينيا)، وبيتر ويلش (ديمقراطي–فيرمونت)، وجيف ميركلي (ديمقراطي–أوريغون)، وبيرني ساندرز (مستقل–فيرمونت)، وماريا كانتويل (ديمقراطية–واشنطن).
أما في مجلس النواب، فقد قاد المبادرة النواب لورين أندروود (إلينوي)، وسارة جاكوبس (كاليفورنيا)، وبوني واتسون كولمان(نيوجيرسي)، بدعم من عشرة أعضاء من وفد إلينوي، في إشارة إلى الزخم المتزايد الذي تحظى به المبادرة داخل الولاية التي تضم واحدة من أكبر الجاليات الفلسطينية في الولايات المتحدة.
دور فلسطيني بارز في الدفع بالمبادرة
برز الدور المحوري لشبكة المنظمات الفلسطينية الأميركية في تعبئة الجهود وتنسيق الاتصالات مع أعضاء الكونغرس عن ولاية إلينوي، لقيادة هذا القرار الذي يُعدّ سابقة في تاريخ العمل السياسي الفلسطيني داخل الولايات المتحدة. ويعكس هذا الحراك ثمرةً لتنامي الوعي والتنظيم داخل الجاليات الفلسطينية والعربية في مدينة شيكاغو، التي تضم في جنوبها أكبر تجمع فلسطيني في البلاد، يناهز تعداده 200 ألف نسمة.
ومع تنامي حضور الجالية الفلسطينية والعربية في المشهدين السياسي والاجتماعي، باتت شيكاغو تُوصف اليوم بأنها "عاصمة العمل الوطني الفلسطيني في الغرب"، بعدما تحولت إلى مركز رئيسي للتأثير في الرأي العام الأميركي حيال القضية الفلسطينية.
الحادثة والمحاكمة: ما جرى وما حكمت به المحاكم
في 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قُتل الطفل الفلسطيني-الأميركي وديع الفيومي، البالغ من العمر ست سنوات، داخل منزل عائلته في بلدة بلينفيلد بضواحي شيكاغو بولاية إلينوي، بعد أن تعرّض لهجومٍ عنيف نفّذه مالك المنزل الذي تقيم فيه العائلة.
أقدم الجاني، جوزيف زوبا، وهو يميني متطرف يحمل دوافع كراهية ضد الفلسطينيين والمسلمين، على طعن وديع حتى الموت، وأصاب والدته إصابات خطيرة، في جريمة هزّت الرأي العام الأميركي ووصفتها السلطات بأنها جريمة كراهية مروّعة.
لاحقًا، وُجهت إلى زوبا تهمُ القتل من الدرجة الأولى وارتكاب جرائم بدافع الكراهية، بعد ثبوت الدافع الديني والعرقي وراء الهجوم. وفي مايو/أيار 2025، قضت المحكمة بسجنه 30 عامًا لقتله الطفل وديع الفيومي الذي تعرّض للطعن 26 مرة، إضافةً إلى 20 عامًا أخرى بسبب اعتدائه على والدة الطفل، وثلاث سنوات إضافية بتهمة ارتكاب جريمة كراهية. وقد أثار الحكم تغطية إعلامية واسعة ونقاشًا عامًا حول الخلفيات الاجتماعية وخطاب التحريض الذي سبق الجريمة.
أُعلن عن تخصيص يوم 21 سبتمبر/أيلول من كل عام، وهو اليوم العالمي للسلام، ليكون "يوم وديع للسلام" (Wadee Day)، احتفاءً بذكرى الطفل ودعوةً إلى نبذ العنف وتعزيز التفاهم بين المجتمعات
نصب تذكاري ويوم سنوي للذكرى
ردًّا على المأساة التي هزّت المجتمع المحلي، تحرّكت منظمات مدنية وحقوقية في ولاية إلينوي لإبقاء ذكرى الطفل الفلسطيني وديع الفيومي حيّة، وتحويل الألم إلى رسالة أمل ورفض للكراهية. ففي 28 يونيو/حزيران 2025، أسدل الستار في حديقة فان هورن وودز إيست (Van Horn Woods East) في بلدة بلينفيلد عن نصب تذكاري يحمل اسم وديع، شارك في تصميمه وتركيبه أفراد عائلته وعدد من المنظمات المجتمعية، وُصف بأنه "رمز لتحويل الحزن إلى تذكير دائم بضرورة حماية الأطفال من العنف القائم على الكراهية".
كما أُعلن عن تخصيص يوم 21 سبتمبر/أيلول من كل عام، وهو اليوم العالمي للسلام، ليكون "يوم وديع للسلام" (Wadee Day)، احتفاءً بذكرى الطفل ودعوةً إلى نبذ العنف وتعزيز التفاهم بين المجتمعات. ويُقام في هذا اليوم احتفال سنوي يجمع طلاب المدارس والأسر والمنظمات المدنية تحت شعار "السلام يبدأ من طفولة آمنة".
ماذا بعد التكريم؟
تكريم وديع الفيومي وإحياء ذكراه في المنتديات التشريعية والمجتمعية لا يمثل مجرد فعل رمزي، بل هو تعبير عن قدرة المجتمع المدني والمؤسسات التشريعية على تحويل الألم إلى طاقة مطالبة بالعدالة والحماية.
ومع ذلك، يظلّ التحدي الأكبر في تحويل هذا الزخم العاطفي إلى مسار مستدام: تشريعات تُنفَّذ لا تُعلن فقط، ومناهج تعليمية تُرسّخ قيم التعدد والتسامح، وإعلام مسؤول يحدّ من خطاب الكراهية بدل أن يكرّسه.
إنّ قضية الطفل وديع الفيومي تذكير مرير بأنّ حماية الأطفال والمهاجرين والأقليات ليست مجرّد قضية أخلاقية، بل واجب قانوني ومجتمعي يستدعي عملًا متواصلًا في الميدان وفي أروقة صنع القرار.