08-يناير-2016

من حصار اليرموك (Getty)

قبل نحو عام، بلغ الحصار أشدّه على مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوب دمشق، حيث كانت قوّات النظام السوري وميليشيات فلسطينية موالية كـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة" بزعامة أحمد جبريل، قد أغلقت كافة منافذ المخيم، الذي بقي فيه نحو 18 ألف إنسان، من أصل 200 ألف كانوا يقطنونه عام 2011. تحدّثت الأرقام التي تداولتها وسائل الإعلام عن قرابة 200 شخص قضوا بسبب الحصار، معظمهم نتيجة الجوع تحديدًا، فيما تكفّلت أسباب "حِصَارية" أخرى كنقص الأدوية واللوازم الطبية بقتل الآخرين.

في مضايا، يخيّم خطر الموت جوعًا على ألوف المدنيين من أهلها ومن النازحين الذين أتوها هربًا من المعارك في مناطق مجاورة

اليوم، في بلدة مضايا بريف دمشق الغربي على الحدود السورية اللبنانية، تتكرّر المأساة بصورة أشدّ، ويخيّم خطر الموت جوعًا على عشرات ألوف المدنيين من أهلها ومن النازحين الذين أتوها هربًا من المعارك في مناطق مجاورة. أمّا "بطل" الحصار هذه المرة فهو "حزب الله" اللبناني، أبرز الميليشيات الأجنبية المساندة للنظام السوري.

تشديد الخناق على مضايا جاء بعد أيام من تنفيذ البند الثاني من "الاتفاق" الخاص بالزبداني المحاذية لها، والذي توصّل إليه النظام و"حزب الله" مع مقاتلي المعارضة المسلحة، في 24 أيلول/سبتمبر الماضي، ونصّ بنده الأول على وقفٍ لإطلاق النار مدة ستة أشهر، شمل مناطق كفريا والفوعة في ريف إدلب، وهي موالية للنظام وتحاصرها قوات المعارضة، والزبداني التي تسيطر عليها المعارضة. أمّا البند الثاني، الذي نُفّذ أخيرًا، فهو إخراج مئات المدنيين من بلدتي الفوعة وكفريا، وخروج مئات مقاتلي المعارضة من الزبداني.

مقارنةً بغيرها من المناطق التي يحاصرها النظام والميليشيات التابعة له، كاليرموك وغوطة دمشق الشرقية وسواها، يبدو أنّ الكارثة الناجمة عن الحصار المطبق على مضايا هي الأفظع، وذلك لأسباب عدّة منها ما يرتبط بظروف الصراع الدائر في سوريا وتطوّر مجرياته، ويعود بعضها الآخر إلى موقع المنطقة المعنية وظروفها.

في الغوطة الشرقية مثلًا، نتيجة اتّساع رقعتها نسبيًّا وتواصل مدنها وبلداتها، لم ينجح النظام في إحكام الطوق عليها بشكل تامّ، وكثيرًا ما استطاع مقاتلو المعارضة المسلحة كسره جزئيًّا على بعض الجبهات، خلال معارك الكرّ والفرّ التي لا تتوقّف بين الطرفين على تخوم الغوطة. كما أنّ قيام الفصائل المسلحة المتواجدة في الغوطة بحفر الأنفاق، وبرغم تحوّل تلك الأنفاق إلى مصدر إثراء للقائمين عليها، ساهم إلى حدّ ما في التخفيف من وطأة الحصار الخانق وإدخال بعض المواد الغذائية.

مصير مشابه لمضايا ينتظر معضّمية الشام، فبعد انتهاء الهدنة التي كانت معلنة بينها وبين النظام، عاد ليُحكم حصاره عليها

وفي حالة مخيم اليرموك، تكررت الدعوات لرفع الحصار عن المخيّم من قبل الأمم المتحدة، ممثلةً بـ"وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – الأونروا"، الجهة المسؤولة دوليًا عن متابعة أوضاع اللاجئين الفلسطينيين وتأمين احتياجاتهم الأساسية. وقد نجحت مساعي "الأونروا" أحياناً وتمكّنت فرقها من إدخال بعض المواد الإغاثية، وإن بكميات محدودة. 

من جهة ثانية، أدّى الفساد دوره في حالات معيّنة، إذ كان يحدث أن يُستغلّ جشع عناصر النظام و"القيادة العامة"، لتمرير بعض المواد مقابل دفع رشىً كبيرة، عدا عن قيام أشخاص مرتبطين بهم داخل المخيم بتوفير سلع أساسية لقاء مبالغ باهظة، بالشراكة معهم. في المقابل، تؤكّد المعلومات الواردة من مضايا أنّ عناصر "حزب الله" يرفضون بشكل قاطع السماح بدخول أيّ موادّ مقابل المال، ويصرّون على تسليم من تبقّى من مقاتلي المعارضة في البلدة سلاحهم مقابل السماح بإدخال الغذاء، كما وليس هناك أنفاق يمكن من خلالها تهريب بعض المواد.

حتّى وإنّ صحّت الأنباء التي تتردّد عن تحرّك الأمم المتحدة لإدخال مساعدات غذائية إلى مضايا خلال أيّام، فلن يتوقّف الأمر هنا، ذلك أنّ تأجيل عقوبة "الإعدام جوعًا" لا يعني إلغاءها. والنظام الذي لم يدّخر سلاحًا للقضاء على معارضيه إلاّ واستخدمه يعمل الآن، وقد بلغ الصراع في سوريا أقصى مداه، على استخدام "سلاح التجويع" لتركيع خصومه وفرض الاستسلام عليهم.

ختاماً، يجدر التنبيه أنّ مصيرًا مشابهًا ينتظر مدينة معضّمية الشام. فبعد انتهاء الهدنة التي كانت معلنة بينها وبين النظام، عاد ليُحكم حصاره عليها وبدأ يساوم المحاصَرين فيها وتخييرهم بين "الجوع أو الركوع". فهل ستكترث الأمم المتحدة إلى المعضمية قبل أن تصلها الكارثة، أمّ أنّ على أهلها أيضًا أن يقدّموا أطفالهم قرابين إضافية على مذبح لعبة المصالح الدولية القذرة.

اقرأ/ي أيضًا:

المأساة السورية وأوهام الحل السياسي

"باسل الأسد".. الاسم الدائم لفرق سوريا الرياضية!