08-سبتمبر-2017

وصل عدد المواقع المحجوبة في مصر إلى حوالي 450 موقعًا (Access Now)

تقول الأستاذة الجامعية الراحلة لطيفة الزيات، في دراسة لها بعنوان "حركة الترجمة الأدبية من الإنجليزية إلى العربية في مصر"، إنّه "مع دخول عام 1918، شهدت الصحافة أو المشهد الثقافي في مصر، ألوانًا من الكبت والتضييق في ظل الأحكام العرفية التي كانت في أوجها والتي لم تشهدها على مر تاريخها، والتي لم تنتهي إلّا مع وضع دستور 1923، الذي نص في مادته الـ15 على أن الصحافة حرة في وجود القانون، وأن الرقابة على الصحف محظورة، وإنذار الصحف أو وقفها أو إلغائها بالطريق الإداري محظور كذلك".

تمضي السلطات المصرية قدمًا في ممارساتها القمعية لحرية التعبير، بحجبها مزيدًا من المواقع الإلكترونية وصولًا لأكثر من 400 موقع 

هذا المشهد التي ترويه لطيفة الزيات، لا يبدو أنه يختلف كثيرًا عما نشهده الآن من تضييق غير مسبوق على حرية الصحافة والتعبير، كان آخره ما سُمي بمجزرة المواقع، حيث حجبت السلطات المصرية مئات المواقع الإلكترونية فاق عددها 400 موقع، آخرها موقع منظمة هيومن رايتس ووتش، على خلفية نشر المنظمة الحقوقية تقريرًا عن التعذيب في مصر.

اقرأ/ي أيضًا: حرية التعبير في مصر.. خطوات نحو تشريع الانتهاكات وتقنين القمع!

وصلت فجاعة الأمر إلى أن يُعرب المندوب السامي للأمم المتحدة في جنيف، عن قلقه البالغ من مجزرة المواقع هذه، فضلًا بالطبع عن الإدانات الكثيرة من قبل منظمات حقوقية دولية ومحلية، خاصةً وأنّ السلطات المصري لم تقدم أي تبرير لهذا الحجب المخالف لقوانين ومواثيق الحقوق والحريات الدولية، التي يتصادف توقيع مصر عليها!

وكانت السلطات المصرية قد حجب عددًا من المواقع الإلكترونية، بدأت بـ21 موقعًا إعلاميًا وصحفيًا، بينهم مواقع لا يُمكن تصنيفها ضمن مواقع المعارضة. لكن السلطات المصرية لم تكتف بذلك، إذ امتدت يد الحجب لتشمل حتى الآن حوالي 425 موقعًا، أغلبها إلا مواقع قليلة، حجب بداية من أواخر شهر آيار/مايو الماضي، مُباشرة بعد الحملة ضد قطر، والتي شاركت مصر فيها منذ البداية مع كل من السعودية والإمارات والبحرين.

وإلى جانب هذا العدد الكبير من المواقع المحجوبة في مصر، صُدّم مستخدموا الإنترنت من حجب ما لا يقل عن 260 موقعًا من مقدمي برامج الـ"VPN" وتجاوز حجب المواقع. وتعتبر تلك البرامج بمثابة الأدوات الوحيدة أمام مستخدمي الإنترنت لتجاوز حجب المواقع، رغم أنها لا تعتبر بأي حال من الأحوال مثيلة لتصفح الموقع الأصلي بشكل مباشر، خاصة مع تعثّر خدمة الإنترنت في مصر بشكل عام، ما جعلها تتبوأ المركز الأخير في متوسط سرعة الإنترنت ضمن قائمة ضمت 31 بلدًا حول العالم عام 2016، وفقًا لصحيفة الوطن المصرية الداعمة للنظام.

أما آخر حلقات مسلسل الحجب فتمثل في حجب موقع "أرشيف الإنترنت"، وهو مؤسسة مستقلة غير هادفة للربح مقرها سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية، تأسست عام 1996، بهدف توفير أرشيف ثابت لأكبر قدر ممكن من صفحات الويب في شتى المجالات، لمساعدة الباحثين والصحفيين في الوصول بسهولة لما يحتاجون إليه.

آخر حلقات مسلسل الحجب، تضمنت حجب موقع "أرشيف الإنترنت" والذي يضم 305 مليار صفحة ويب في شتى المجالات والتخصصات

وتضم قاعدة بيانات الموقع أرشيفًا لحوالي 305 مليار صفحة ويب وملايين الكتب والمجلات المتخصصة والمراجع العلمية والثقافية، إضافة إلى أربعة ملايين صورة ومقطع فيديو في مجالات شتى، بالإضافة إلى ملايين البرامج التي يضمها أرشيفه أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: حجب المواقع في مصر.. البروكسي في مواجهة النظام 

وثمة احتمالان وراء حجب هذا الأرشيف السيبراني الضخم في مصر، الأول أن يكون الحجب صدفة، أو دون دراية لماهية الموقع، خاصةً وأنّ تقنيات الحجب التي تستخدمها السلطات المصرية ضعيفة التكنولوجيا وغير دقيقة، ما تسبب في حجب جزئي لبعض المواقع، وحجب مواقع أُخرى فقط لتشابه الأسماء بينها وبين مواقع صحفية محسوبة على المعارضة. هذا الاحتمال مطروح بسبب أن حجب هذا الموقع يُعيق عمل الكثير من الباحثين، بما في ذلك الباحثين الجامعيين والعلميين، ما يعني إلحاق الضرر الكبير بالمجال البحثي في مصر المتضرر بطبيعة الحال أصلًا.

الاحتمال الثاني وهو الأكثر ترجيحًا أن حجب الموقع بسبب تقديمه خدمات يستطيع من خلالها المستخدمون تصفح صفحات المواقع المحجوبة، فيما يُشبه الحصار الذي تصر السلطات المصرية أن تفرضه على شبكة الإنترنت وأي مصدر للمعلومة غيرها إجمالًا.

وتأتي ممارسات السلطات المصرية القمعية، وخاصة حجب المواقع، بالمخالفة للدستور المصري الذي تنص المادة 68 منه على أنّ "المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدًا".

مجزرة حجب السلطات المصرية للمواقع الإلكترونية، تأتي مخالفة بالكلية لما ينص عليه الدستور المصري

كما تنص المادة 57 من الدستور على أن "للمراسلات البريدية والبرقية والإلكترونية والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب"، كما تنص نفس المادة أيضًا على أنّه "تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها بشكل تعسفي".

اقرأ/ي أيضًا: من حجب المواقع إلى اختراقها.. هذه قصة خالد البلشي وعمرو بدر

في النهاية ربما لا تدرك السلطات المصرية أن مجزرة المواقع، أو عملية حجب مئات المواقع الإلكترونية لا يزيد الشارع، وتحديدًا فئات الشباب منه، إلا احتقانًا، ويزيدها هي عرضة للانتقاد الدولي وسوء سمعة، خاصة وأنّ حيل الولوج للمعلومة عبر الإنترنت أو غيره لا تنتهي، ولا يُفيد الحجب إزاء ذلك، كما لا يفيد قمع حرية الصحافة والتعبير إلا مزيدًا من الاحتقان والغضب، فـ"السلطة لا يمكن أن تواجه الصحافة، فالصحافة لا تحارب إلا بالصحافة"، كما قال اللورد كرومر الذي يعرفه المصريون جيدًا.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

هدايا أبوظبي للقاهرة.. نظام جديد للتجسس على الإنترنت

بعد التحفظ على "مصر العربية".. رئيس التحرير لـ"ألترا صوت": القرار فاشي!