08-نوفمبر-2019

توماس ليبتون، مؤسس إمبراطورية ليبتون للشاي (Library of Congress)

يمكنك أن تجد شاي ليبتون اليوم في كل متجر بقالة تقريبًا، حتى بات اسم ليبتون مرادفًا للشاي المصنع المعبأ. لذا فإن محبي الشاي الذين يرتشفون من الأكواب التي أعدت من الأكياس المربعة المألوفة، ربما يتفاجؤون إن علموا أن لبتون عرفت يومًا بأنها الشركة التي تقدم الشاي من المزرعة إلى المائدة. في الحقيقة بيع شاي ليبتون بشعار دعائي جذاب، يقول: "مباشرة من مزرعة الشاي إلى إبريق الشاي".

في فترة من الفترات، بيع شاي ليبتون، بشعار دعائي جذاب، يقول: "مباشرة من مزرعة الشاي إلى إبريق الشاي"

فكيف إذًا، بُنيت إمبراطورية ليبتون، على يد صاحبها توماس ليبتون، من خلال هذا المبدأ التسويقي؟ هذا ما سنتعرف عليه فيما يلي، نقلًا بتصرف عن موقع إذاعة "npr".

اقرأ/ي أيضًا: إنفوغراف.. معدل استهلاك الفرد من الشاي في العالم

كيف بنى توماس ليبتون إمبراطورية الشاي؟

كان توماس ليبتون مليونيرًا عصاميًا حتى قبل أن يدخل مجال تجارة الشاي. ولد عام 1871 في إسكتلندا لتاجر بقالة أيرلندي، وفي عام 1871، في مدينة غلاسكو، أسس أول سلسلة متاجر بقالة ناجحة، جعلت منه رجلًا ثريًا، حتى قبل أن يبلغ الـ40 من عمره.

لكنه رأى في الطبقة العاملة البريطانية فرصة ليصبح أكثر ثراءً! في النصف الثاني من القرن الـ19، أصبح الشاي مشروبًا شعبيًا بين كافة الطبقات البريطانية، لكنه مع ذلك كان لا يزال سلعة من سلع الرفاهية في المنازل.

توماس ليبتون

كانت المتاجر تبيع أوراق الشاي غير المكيسة مقابل 50 سنتًا للرطل، وهو ثمن أدرك ليبتون أنه يفوق قدرة عائلات الطبقة العاملة التي كانت تجني ما يقارب 10 دولارات في الأسبوع. رأى ليبتون في ذلك فرصة للربح، بإخراج الوسطاء وتجار الجملة، من المعادلة.

فكر ليبتون في إمكانية خفض سعر الشاي إلى 30 سنتًا، وجعله في متناول الجميع، وفي نفس الوقت يجني لنفسه ربحًا وفيرًا. وآنذاك، كان سماسرة الشاي وتجار الجملة، هم من يحصلون على النصيب الأكبر من الكعكة. ومن أجل ذلك، ولخفض سعر الشاي الذي سيبيعه، كان عليه أن يزرع الشاي الخاص به، أي أنه كان بحاجة لمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية.

شاي سيلون

ولخداع المنافسين المحتملين، حجز ليبتون إجازة في أستراليا، لكنه هبط منها سرًا في سيلون التي تعرف الآن بسريلانكا. كانت سيلون في ذلك الوقت واحدة من أكبر أماكن إنتاج القهوة في العالم. لكن في أواخر ستينات القرن الـ19، وصل نوع من الفطريات إلى الجزيرة فقضى على هذه الصناعة. على إثر ذلك هجرها بعض المزارعين وتحول آخرون لزراعة الشاي، الذي ثبت أنه بديل ممتاز للقهوة.

تمتع الشاي المزروع في المرتفعات الوسطى لسيلون أو سريلانكا، بنكهة غنية وطازجة، وبلون ذهبي في الكأس. وقد أثبت هذا الشاي شعبيته في دار مزاد مينسيغ لين لتجارة الشاي في لندن.

مزارع ليبتون في سريلانكا

وحين وصل ليبتون إلى سيلون في حزيران/يونيو عام 1890، كانت سيلون تصدر بالفعل ما يقرب من 45 مليون رطل من الشاي سنويًا. لكن الجزيرة كانت تعاني من آثار انهيار تجارة القهوة، وكانت أراضيها الزراعية تباع بأسعار بخسة.

فور وصوله إلى الجزيرة أخبره وكيله بأنه يمكن هنا، في سيلون، شراء عقار "مقابل أغنية" في إشارة إلى تدهور الأسعار. وبالفعل، استطاع ليبتون أن يحصل على خمسة أراض زراعية، سرعان ما ضاعف عددها، وبدأ بزراعة الشاي الخاص به واستعمل آلات تزيد من إنتاجية أراضيه.

عبوات الشاي الجاهزة

اعتادت المتاجر فيما سبق، على بيع الشاي بمقاييس بأوزان مصنوعة من الخشب، ومن ثُم يُعبأ في عبوات ورقية. أما ليبتون فقد ابتدع فكرة بيع الشاي في عبوات موزونة سلفًا، تبلغ أوزانها ربع رطل ونصف رطل ورطلًا كاملًا. هذه المعايرة ستسهل على المتاجر بيع الشاي، وستصرف شكوك المشترين حول مدى دقة أوزان المتجر أو مصدر الشاي.

يقول مايكل دانطونيو، الذي ألف كتابًا عن سيرة توماس ليبتون، إن ليبتون "استطاع أن يطور أول منتج تجاري للشاي يتمتع بنفس الطعم في كل العبوات والأماكن والأزمنة. وسعّره بنصف الثمن الذي باع به المصنعون الآخرون، وقد منحه هذا الأمر سبقًا خاطفًا لم يجاره فيه أحد".

دعاية ليبتون

عرف عن ليبتون أنه يبيع منتجًا موثوقًا وبسعر معقول، بالإضافة إلى ميزة أخرى اتمتع بها، وهي قدرته على الإعلان لشركته مباشرة على العبوات، التي حملت في البداية صورة لمزارع يحصد أوراق الشاي، وفوقها شعار دعائي: "مباشرة من مزرعة الشاي إلى إبريق الشاي".

المكسب في الاستعراض

نجحت العبوات نجاحًا باهرًا إلى درجة أن ليبتون لم يكتف ببيع منتجه في متاجره فقط، بل في متاجر التجزئة الأخرى في بريطانيا وأماكن أخرى من العالم. وفي عام 1893 حضر ليبتون معرض العالم بشيكاغو في الولايات المتحدة، حيث باع فيه مليون عبوة من الشاي

وسرعان ما انتشرت علامة ليبتون الصفراء بدرعها الأحمر انتشار النار في الهشيم، واكتسب شايه شعبية واسعة في بريطانيا والولايات المتحدة. غير أن هذه الشعبية المتنامية، كانت تعني أنه لم يعد بإمكانه الاكتفاء فقط بالشاي الذي يزرعه في مزارعه، فاضطر لشراء الشاي من تجار الجملة، حتى أصبحت نسبة قليلة فقط من شاي ليبتون تأتي من مزارعه الخاصة.

ذكر دنيس موستن فورست، في كتابه "100 عام من شاي سيلون 1867-1967" أنه في الوقت الذي جلبت فيه أساليب ليبتون في البيع والدعاية، طلبات بملايين الأرطال من الشاي سنويًا، لم تقدم مزارعه التي تبلغ مساحتها ثلاثة آلاف فدان، سوى عُشر هذا المقدار، وسرعان ما لجأ للشراء من التجار الآخرين، وخلط الأنواع المختلفة مثله مثل منافسيه".

شاي ليبتون

لكن شعار "من الحديقة إلى الإبريق" كان قد انغرس عميقًا في المخيال الشعبي، وأصبح ليبتون مرادفًا للشاي وأصبحت سيلون هي موطن الشاي، فقد استطاع ليبتون أن يعطي انطباعًا بأن كل الشاي الذي يبيعه يأتي من مزارعه، أو على الأقل لم ينفِ هذه الفكرة، في حين أنه لو أراد تحقيق ذلك بالفعل، لكان عليه امتلاك نصف سريلانكا!

كان ليبتون رجل استعراض، وبنى نجاحه الهائل بحسّه الدعائي والتسويقي. وقد نمى هذا الحس في سنواته الأولى في غلاسكو بإسكتلندا، حيث اعتاد استعراض موكب من الخنازير في شوارع المدينة للتدليل على طزاجة اللحم المقدد الذي يبيعه في متاجره. وقد احتفى بوصول أول دفعة من شاي سيلون باستخدام موكب من عازفي الأبواق والقربة، وطبع أوراق عملة تحمل شعار ليبتون لفترة من الزمن.

رغم أن شركة ليبتون في الوقت الحالي تشتري الشاي من سريلانكا، إلا أنها لم تمتلك مزارعها الخاصة هناك، إذ بيعت كلها بعد موت ليبتون

ليبتون الآن مملوكة لمجموعة يونيليفر البريطانية الهولندية متعددة الجنسيات. ويباع شايها في أكثر من 150 دولة. ورغم أن الشركة تشتري الشاي من سريلانكا، إلا أنها لم تعد تمتلك مزارعها الخاصة على الجزيرة، فقد بيعت كلها بعد موت ليبتون.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"أتاي".. شاي المغرب المقدس

عودة "الإسلاميك فيمنست" بكوب شاي.. القصة الكاملة من طهران إلى القاهرة