1. عشوائيات
  2. مجتمع

من القنابل إلى الخوارزميات: إسرائيل تُحول الذكاء الاصطناعي إلى سلاح لتبييض الإبادة في غزة

13 أكتوبر 2025
صناع محتوى
بنيامين نتنياهو يلتقي بصنّاع محتوى أميركيين مؤيدين لإسرائيل في بنيويورك (منصة إكس)
أغيد حجازي أغيد حجازي

تسعى إسرائيل بكل الوسائل إلى السيطرة على الرواية وتوجيه السردية عمّا جرى في غزة. ولم تكتفِ بقتل الصحفيين الذين حاولوا توثيق الحقيقة من قلب الميدان، إذ قتلت 254 صحفيًا، في رقمٍ غير مسبوق يُعدّ من الأعلى في تاريخ الحروب.

وبينما كانت التحضيرات جارية لوقف حرب غزة وإنهاء المجازر وحرب الإبادة الجماعية التي حصدت أكثر من 75 ألف شهيد، كانت إسرائيل تُعدّ لحربٍ أخرى من نوعٍ مختلف، حربٍ تستهدف الوعي والذاكرة والرواية، هدفها طمس آثار الإبادة وتجويع الأطفال والنساء، عبر السيطرة على سردية الحرب في الفضاء الرقمي العالمي.

في السادس من تشرين الأول/أكتوبر من العام الجاري، كشفت مجلة "بوليتيكو" الأميركية عن واحدة من أكبر عمليات التأثير الدعائي في التاريخ الرقمي الحديث: إنفاق إسرائيل أكثر من نصف مليار شيكل (145 مليون دولار) لتحويل أدوات الذكاء الاصطناعي – وعلى رأسها ChatGPT – إلى أداة دبلوماسية لتجميل صورتها وتبرير جرائمها في غزة.

إسرائيل تُحضّر لحربٍ على الوعي والرواية، ساعيةً لطمس آثار الإبادة والسيطرة على السردية الرقمية

وفقًا لوثائق مسجّلة لدى وزارة العدل الأميركية بموجب قانون الوكلاء الأجانب (FARA)، أطلقت وزارة الخارجية الإسرائيلية حملة ضخمة بالتعاون مع شركة Clock Tower الأميركية، التي يديرها براد بارسكال، المدير السابق لحملة دونالد ترامب، تهدف إلى التأثير على نتائج أنظمة الذكاء الاصطناعي وتوجيهها لصالح الرواية الإسرائيلية.

الوثائق تُظهر أن الحملة تركز على "تحسين محركات التوليد" (GEO)، أي إعادة هندسة الطريقة التي تُقدّم بها نماذج مثل "ChatGPT" و"Grok" و"Gemini" المعلومات عن إسرائيل وغزة، من خلال ضخّ آلاف المواقع والمحتويات المصمّمة بعناية لتبدو موضوعية بينما تخدم خطاب الاحتلال.

بمعنى آخر، تريد إسرائيل أن تُعيد برمجة الذكاء الاصطناعي بحيث يُجيب على أسئلة العالم عن غزة بما يُرضيها هي، لا بما يُعبّر عن الواقع.

السيطرة على الوعي

تأتي هذه الخطوة في سياق أوسع لما يُعرف داخل إسرائيل باسم "القبة الحديدية الرقمية"، وهو مشروع أُطلق بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 لمواجهة "الصواريخ المعلوماتية"، أي الروايات المناهضة لإسرائيل على وسائل التواصل، ويتكوّن المشروع من طبقتين:

الأولى تعتمد على التبليغ الجماعي والمنسّق لحذف المحتوى المؤيد للفلسطينيين أو المنتقد لجرائم الحرب.

أما الثانية، فهي أكثر تطورًا، إذ تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي لمراقبة أكثر من 200 ألف موقع، واستهداف المستخدمين الذين يتعرضون لروايات مناوئة عبر إعلانات مضادة تُعرض لهم فورًا في نفس اللحظة والمكان.

بيانات شركة "تيك توك" تُظهر نتائج ملموسة لهذه الحرب الرقمية، بحسب آخر تحديث لبيانات الشركة في 6 نيسان/ أبريل، فقد أُزيل أكثر من 78 مليون مقطع فيديو حول العالم منذ 7 تشرين/أكتوبر 2023، منها 27.5 مليون مقطع صُنّف كمحتوى "صادم"، و8.9 مليون لمستخدمين "عدوانيين"، قالت الشركة أنها مخالفات مجتمعية بما فيها محتوى يروج لحماس، وهي أرقام غير مسبوقة في تاريخ المنصة.

بهذه الطريقة، تضغط إسرائيل لتقليص الزمن بين نشر أي محتوى ناقد لها وبين حذفه، لتمنع تحوله إلى روايةٍ سائدة.

المؤثرون.. الجنود الجدد في معركة الرواية

لا تكتفي إسرائيل بالذكاء الاصطناعي وحده. فوثائق رسمية تكشف أن الحكومة الإسرائيلية تموّل مباشرة شبكات من المؤثرين الأميركيين على مواقع التواصل الاجتماعي، ضمن ما يُعرف بـ"مشروع إستير" (Project Esther).

عقود هؤلاء المؤثرين تقارب 7000 دولار لكل منشور على "إكس" أو "إنستغرام"، على أن يُنتج كل مؤثر ما بين 25 و30 منشورًا شهريًا، يلمّع صورة إسرائيل ويهاجم المنظمات الحقوقية والوكالات الأممية مثل "الأونروا".

وفي 26 أيلول/سبتمبر 2025، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نحو 18 من هؤلاء المؤثرين في نيويورك، وقال لهم صراحةً: "علينا أن نقاتل، والمؤثرون هم سلاحنا الأهم... أهم سلاح اليوم هو وسائل التواصل الاجتماعي". ثم وصف الفضاء الإلكتروني بأنه "الجبهة الثامنة" لإسرائيل، إلى جانب الجبهات الأخرى.

تبرير الإبادة بالذكاء الاصطناعي

إلى جانب الحملة الدعائية، وقّعت إسرائيل عقودًا مع شركات تكنولوجيا كبرى، منها "غوغل" و"إكس" و"Teads"، بقيمة تتجاوز 167 مليون شيكل، بهدف مواجهة تقارير المجاعة في غزة وترويج صورة "الحياة الطبيعية" داخل القطاع.

وبحسب تحقيق أجرته هيئة الإذاعة الإسبانية (RTVE)، خُصصت عشرات الملايين من الدولارات للإعلانات التي تنكر وجود المجاعة وتعرض صورًا مُضلّلة لأسواق مليئة بالبضائع وسكان يبتسمون تحت الحصار.

وفي مايو/أيار 2024، أعلنت شركة "OpenAI" أنها عطّلت خمس عمليات تأثيرٍ سرية استغلت نماذجها اللغوية، بينها شبكة إسرائيلية تُدعى "STOIC" تولّت توليد محتوى مؤيد لإسرائيل ومعادٍ لحماس وقطر، يستهدف المشرّعين الأميركيين تحديدًا.

كما كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أن جهات حكومية إسرائيلية استخدمت 600 حسابٍ وهمي لاستهداف أكثر من 120 نائبًا في الكونغرس، عبر نشر آلاف التعليقات الأسبوعية لتشويه المنظمات الحقوقية الفلسطينية.

القبة الحديدية الدعائية

الحملة الشاملة تُعرف رسميًا باسم "مشروع 545"، نسبة إلى القرار الحكومي الذي خصص 545 مليون شيكل للدبلوماسية العامة الإسرائيلية عام 2025. ويشرف عليها رئيس قسم الاتصالات الاستراتيجية في وزارة الخارجية، إران شيوفيتز، بينما تتولى تنفيذها شبكة " Havas Media Group ".

تهدف الحملة إلى تحقيق 50 مليون مشاهدة شهرية، وتخصيص 80% من المحتوى لجيل "زد" الأميركي عبر "تيك توك" و"يوتيوب" و"بودكاستات" مُعدة خصيصًا، ويُموَّل المشروع من الميزانية العامة، ويُنفّذ في الوقت ذاته الذي تُسجَّل غزة أعلى معدلات الوفيات بسبب الجوع وانقطاع المياه منذ بداية الحرب.

إلى جانب الحملة الدعائية، وقّعت إسرائيل عقودًا مع شركات تكنولوجيا كبرى، منها "غوغل" و"إكس" و"Teads"، بقيمة تتجاوز 167 مليون شيكل، بهدف مواجهة تقارير المجاعة في غزة وترويج صورة "الحياة الطبيعية" داخل القطاع

في خطابٍ ألقاه مؤخرًا، شبّه نتنياهو ما سماه "ثقافة الوعي" (Woke culture) بالنازية، ودعا إلى التعاون مع الملياردير إيلون ماسك لضمان "النصر في الساحة الأهم"، أي فضاء الإنترنت.

بهذه اللغة، يُحوّل رئيس الوزراء الإسرائيلي معركة السردية إلى جبهة حقيقية، تُستخدم فيها الخوارزميات كما تُستخدم الطائرات والدبابات، في مسعى لمحو آثار الإبادة بدل الاعتراف بها. لكن هذه الحرب الرقمية لا تقف عند حدود فلسطين. إذ يحذّر خبراء من أن ما تفعله إسرائيل اليوم قد يصبح نموذجًا عالميًا لتبييض الجرائم والتلاعب بالوعي العام.

فحين تنجح دولة متهمة بارتكاب جرائم حرب في شراء مساحة الخطاب العام عبر الذكاء الاصطناعي والإعلانات، فإنها تُعطي الدول الأخرى وصفة جاهزة لإسكات الحقيقة قبل أن تُقال.

خطر عالمي على حرية التعبير

الآلية التي تستخدمها إسرائيل تعتبر مدمّرة للرواية وللحقيقة؛ إذ تعتمد على شكاوى جماعية تُسرّع حذف المحتوى الفلسطيني، وميزانيات ضخمة تشتري النتائج الأولى في محركات البحث، ومؤثرين يبيعون أصواتهم، وخوارزميات تُعيد كتابة الحقيقة لتُرضي الاحتلال.

إنها منظومة متكاملة لإعادة تشكيل الوعي العالمي بحيث يصبح المجرم ضحية، والضحية مُدانة. وإذا انتشر هذا النموذج، سيتحوّل الإنترنت من مساحةٍ للحرية إلى ساحةٍ مغلقة تهيمن عليها الحكومات والشركات الكبرى، ويصبح من المستحيل على الصحافيين والباحثين ومنظمات حقوق الإنسان إيصال رواياتهم إلى الجمهور. فاليوم، تحاول إسرائيل أن تمحو عارها في غزة عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، لكنها في الواقع تفتح الباب أمام عصرٍ جديد من الحروب، لا تُشنّ فيه الغارات على المدن، بل على العقول والحقائق.

صورة تعبيرية

لماذا تدفع أوروبا لاجئين للعمل بمهن لا تتناسب مع شهاداتهم العلمية؟

أيًا كانت الشهادة العليا التي يحملها، يصطدم اللاجئ في أوروبا بعروض العمل التي تنحصر بوظائف كالحدادة والتنظيف والتوصيل

التدخين

"عض قلبي ولا تعض سيجارتي".. كيف تحوّل تدخين المصريين من عادة إلى اقتصاد قائم بذاته

رغم الوعي المتزايد بمخاطر التدخين الصحية، فإن الملايين في مصر ما زالوا أسرى لهذه العادة

صدمات نفسية

بعد حرب غزة: صدمات نفسية متفاقمة وحالات انتحار متزايدة بين جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي

باتت الصحة النفسية لجنود جيش الاحتلال الإسرائيلي الذين شاركوا في الحرب على غزة قضية مطروحة في النقاش الإعلامي، مع تزايد حالات الانتحار

tsamym-altra-wyb-qyas-jdyd.png
فنون

علي عنبه.. صوت شعبي هزم التراتبية الطبقية للغناء اليمني

الفنان الشعبي اليمني علي عنبه

صورة تعبيرية
مجتمع

لماذا تدفع أوروبا لاجئين للعمل بمهن لا تتناسب مع شهاداتهم العلمية؟

أيًا كانت الشهادة العليا التي يحملها، يصطدم اللاجئ في أوروبا بعروض العمل التي تنحصر بوظائف كالحدادة والتنظيف والتوصيل

مبابي
رياضة

المحاكم الفرنسية تفصل بين مبابي وباريس سان جيرمان وسط مطالب مالية قياسية

تبادل الطرفان مطالب مالية ضخمة تجاوزت 800 مليون دولار

كأس العالم 2026
رياضة

الولايات المتحدة تطلق نظامًا لتسريع تأشيرات كأس العالم 2026

جميع المتقدمين سيخضعون لنفس إجراءات التدقيق الأمني، مع فارق وحيد هو تقديمهم في طابور المواعيد