فعلها باريس سان جيرمان، وأطاح بنادي ليفربول، أبرز المرشحين لنيل اللقب من دوري أبطال أوروبا، رغم خسارته في لقاء الذهاب، ليقدم المدرب إنريكي درسًا للجميع، رافضًا أن يكون إنجازه مجرد صدفة أو ضربة حظ، فقد جاء نتاجًا لخطة تم العمل عليها.
منذ تسلم لويس إنريكي قيادة الفريق صيف 2023، توضحت نيّة الإدارة لصناعة فريقًا منظمًا ومنضبطًا لا يعتمد على النجم الواحد، وهو الشيء الذي تجده عند هذا العبقري الإسباني. كل شيء بات واضحًا، لا مزيد من صرف الأموال والتعاقدات الفلكية، فهناك خطوط حمراء على الفريق ألا يتجاوزها، تتعلق بالقانون الأوروبي للعب المالي النظيف.
تثبت الأرقام أن لويس إنريكي نجح مع باريس سان جيرمان، فبدا الفريق أفضل بعد رحيل كيليان مبابي
وجد مدرب برشلونة السابق نفسه أمام تشكيلة تمر بتغييرات جذرية، مع رحيل ليو ميسي وفيراتي والبرازيلي نيمار، إضافة لمشكلة مبابي الذي رفض تجديد عقده، مما أثقل الجسد التكتيكي والفني للفريق. شخصية الإسباني القوية في غرفة الملابس هيمنت على الفريق، إذ أنه من الطبيعي لك كمشاهد رؤية مبابي على مقاعد البدلاء، أو مشاركة أحد الصاعدين من فريق الشباب، في حال احتاج التكتيك ذلك.
موسم إنريكي الأول مع باريس
بداية الموسم لم تكن جيدة على الصعيد المحلي، حيث حقق الفريق انتصارين في الجولات الخمسة الأولى، لكنه سرعان ما انطلق بخط تصاعدي ليبتعد في الصدارة، متناسيًا الخسارة الوحيدة في أيلول 2023، ويحوّل أنريكي أنظاره نحو دوري أبطال أوروبا.
واجه أبناء عاصمة النور في ربع النهائي فريق برشلونة، فخسر ذهابًا على أرض ملعب حديقة الأمراء بثلاثة اهداف لهدفين، إلّا أن لويس تمكن من قلب الطاولة في ملعب البارسا وخرج ببطاقة التأهل بعد رباعية تاريخية.

مشوار دوري الأبطال توقف في نصف النهائي، وتحديدًا عند محطة بروسيا دورتموند الذي أنهى حلم الباريسيين في معانقة اللقب الأوروبي. بالمجمل كان موسم لويس الأول جيدًا جدًا، إذ أن الفريق حقق كل البطولات المحلية ووصل به لنصف نهائي دوري الأبطال، بتشكيلة قدم مقاديرها البرتغالي لويس كامبوس وصنعها الإسباني لويس إنريكي.
عرّاب صفقات باريس سان جيرمان كامبوس كان له الفضل الأكبر في وصول الفريق لهذا الشكل، ولنتعرف في السطور القادمة عن هذا المدير الفني، وماذا قدّم للنادي الباريسي.
لويس كامبوس عرّاب صفقات باريس
كان يجلس إلى جانب لويس أنريكيه مساعد من الطراز الرفيع، هو البرتغالي لويس كامبوس، هذا الرجل الذي لجأ إليه الباريسيون لتعديل وضع النادي فنيًا وإداريًا.
أحد ليالي صيف 2022 الجميع في باريس ييبحثون عن بديل للمدير الرياضي البرازيلي ليوناردو، على الرغم من ارتفاع قيمة الفريق السوقية بشكل كبير، والزخم الإعلامي الذي كان يرافقه أينما حل، وهيمنة الفريق على البطولات المحلية، إلا أنه يوجد شيء كان يعكر أجواء القلعة الزرقاء والحمراء، كيف نحصل على بطولة دوري الأبطال؟
هنا تختلف وجهات النظر، يتحول الهدوء إلى ضجيج ويتناسى الجميع الألقاب المحلية، فهذه الأموال التي تدفع لم يتمكن ليوناردو من توظيفها بشكل جيد من أجل الوصول للحلم الأوروبي. حتى المدرب توخيل لم يعطه ليوناردو الفرصة الكافية، حيث انتهى اجتماع الإدارة وقررت إقالته رغم وصوله لنهائي دوري أبطال أوروبا لأول مرة في تاريخ النادي الباريسي.
لقد حان وقت التغيير ويجب التعاقد مع جوكر الأندية الفرنسية، العرّاب الذي يستطيع برمجة الفريق بأبسط الظروف وتحويله لشيفرة معقدة الفهم والحل. وصل لويس كامبوس إلى النادي الباريسي حاملًا معه تاريخ طويل من النجاح الإداري، بدأه عام 1992 بتدريب أندية صغيرة في البرتغال، إذ أنه أصبح صديقًا للسبيشل ون بعد إيقافه لسلسة انتصارات نادي بورتو في عام 2004، عندما كان يدرب نادي جل فيسنتي.

في عام 2012 طلب جوزيه مورينيو من إدارة الملكي التعاقد مع الكشّاف البرتغالي، فوافقت الإدارة مباشرة على طلب السبيشل ون، لكن كامبوس لم يحصل على الوقت الكافي لإظهار مواهبه، بسبب رحيله صيف العام التالي عقب إقالة مورينيو من تدريب ريال مدريد.
سفينة كامبوس حطت على شواطئ موناكو الفرنسية عام 2013، لكن الفريق سرعان ما واجه أزمة مالية خانقة في الموسم التالي، فاضطر النادي لبيع أبرز نجومه كخاميس رودريغيز وفالكاو وكوندوغبيا وكاراسكو وأيمن عبد النور، وأصبح وضع الفريق سيئًا ليستعد النادي رفع الراية البيضاء لأباطرة العاصمة.
حاول كامبوس إنقاذ الموقف بما تبقى من أموال في صندوق النادي، فتعاقد مع أسماء شابة لم يلمع بريقها بعد، جلب برناردو سيلفا وبنجامين ميندي وفابينيو وليمار وباكايوكو، بالفعل ارتفع نسق الفريق وتمكن من الفوز بلقب الدوري موسم 2016/2017، ووصوله إلى نصف نهائي دوري الأبطال.
انتقل بعدها كامبوس إلى نادي ليل وبدأ بعاصفة تغييرات في الفريق، فتعاقد مع 17 لاعب وتخلى عن 22 لاعب. قطف ليل ثمار التغييرات سريعًا وحصل على بطاقة التأهل لدوري الأبطال، ليظهر الفريق على الواجهة الأوروبية موسم 2017/2018، ونال بعدها بطولة الدوري المحلي عام 2021.
لم تختلف سياسة كامبوس في باريس إذ أنّه مارس موهبته في التعاقد مع اللاعبين الشباب، فأحضر جواو نيفيش وديزاري دوي وبرادلي باركولا ولوكاس بيرالدو وباتشو وفيتينيا، وقام بتصعيد زايري إيمري وزاغي من فريق الشباب، هذا الشيء أعطى إنريكي خيارات كثيرة في كل مركز، مما أدّى لارتفاع النسق الفني للفريق.

أخيرًا نستطيع القول إن أنريكي نجح في مشروع باريس الجديد، المشروع الذي بدأ مع رحيل نجم الفريق الأول كيليان مبابي، حيث أثبتت الأرقام الحالية لمتصدر الليغ 1، أنّه بات أفضل مما كان عليه بوجود كيليان. الفكر الجديد الذي وضعه لويس بغرسه لروح المجموعة في عقول اللاعبين، ومنحه الفرصة للاعبين الصغار باللعب في المباريات الكبرى ليعزز الثقة لديهم، وبإمكانك أن تجد أن 16 لاعبًا سجل أهدافًا منذ بداية الموسم، وكان لعثمان ديمبلي حصة الأسد من الأهداف.
وارتفع المعدل التهديفي للفريق محليًا من 2.10 إلى 2.75 هدف في المباراة الواحدة، حتى في دوري الأبطال ارتفع المعدل من 1.5 إلى 1.75 هدف. هذه الأرقام جاءت بعد تمكن الفريق من تطبيق أفكار لويس أنريكي، في الاستحواذ على الكرة للسيطرة على إيقاع المباراة، إذ أنّ لويس يعتمد بناء الهجمات من الخط الخلفي بتمريرات قصيرة، ونقل الكرة بالتناسب بين الخطوط للحفاظ على توازن الفريق، بالإضافة لتثبيت خط الدفاع تجنبًا من التعرض للهجمات المرتدة.
في الهجوم يعتمد أسلوب أنريكي على التبديل بين مراكز لاعبي المقدمة، مما يمنح اللاعبين مرونة في التحرك. أمّا في حال كانت الكرة بحوزة الخصم، يلجأ باللعب على الضغط العالي في المناطق الأمامية لاستعادة الكرة بسرعة وشن هجمات مرتدة سريعة.