16-أبريل-2025
العراق عاصفة رملية

(GETTY) تسببت العاصفة الرملية بإصابة مئات الأشخاص بحالات اختناق

يواجه العراق منذ سنوات أزمة مناخية متصاعدة تتمثّل في موجات جفاف طويلة وتصحر متسارع، ما جعل البلاد بيئة خصبة للعواصف الرملية العنيفة. ومع تراجع الموارد المائية وتقلص الغطاء النباتي، باتت العواصف الترابية أكثر تواترًا وحدة، مهددة حياة السكان اليومية، وتشير هذه الظواهر إلى أنها لم تكن تغيرات مناخية موسمية فقط، بل مؤشرات على خلل بيئي عميق يضع العراق في صدارة الدول الأكثر تأثرًا بتغير المناخ.

عاصفة رملية تضرب العراق

تعرض العراق لعاصفة رملية عنيفة ضربت وسط وجنوب البلاد خلال الأيام الماضية، مسببة اضطرابًا واسعًا في الحياة العامة،  إذ تحوّلت السماء إلى لون برتقالي قاتم، وتراجعت الرؤية إلى مئات الأمتار في بعض المناطق. كما تسببت العاصفة الرملية بإغلاق مطارين وتوقف الحركة في الطرقات، خصوصًا في البصرة، وسط رياح عاتية ضربت البنية التحتية. وأكدت هيئة الأنواء الجوية أن العاصفة جاءت من شرق السعودية، لكنها ازدادت حدة بسبب طبيعة الجنوب العراقي القاحلة.

ووفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز"، أسفرت العاصفة عن إصابة آلاف السكان بمشاكل تنفسية حادة، حيث أعلنت وزارة الصحة العراقية استقبال أكثر من 3700 حالة في جنوب البلاد، من بينها أكثر من ألف إصابة في البصرة، فيما استقبلت النجف والمثنى مئات الحالات الأخرى. وكان لانتشار الغبار الكثيف في المنازل والمركبات أن فاقم في الأزمة، واضطر معظم السكان إلى البقاء داخل بيوتهم. في المقابل، اضطر رجال الأمن والطوارئ إلى مواصلة العمل مستخدمين الأقنعة الواقية ووسائل حماية بدائية.

تعرض العراق لعاصفة رملية عنيفة ضربت وسط وجنوب البلاد خلال الأيام الماضية، مسببة اضطرابًا واسعًا في الحياة العامة محولةً السماء إلى لون برتقالي قاتم

ورغم انحسار العاصفة مؤقتًا، حذّرت الجهات المختصة من تكرار هذه الظواهر مستقبلًا، في ظل استمرار التصحر وارتفاع درجات الحرارة. ويُصنّف العراق ضمن أكثر خمس دول تأثرًا بالتغير المناخي عالميًا، بحسب الأمم المتحدة. وتكشف هذه العواصف عن هشاشة البنية البيئية والإنسانية في الجنوب، وتؤكد الحاجة إلى سياسات عاجلة لمعالجة آثار الجفاف، ودعم البنية الصحية والمناخية، قبل أن تصبح مثل هذه العواصف واقعًا دائمًا يهدد ملايين العراقيين

تفاوت في درجات الحرارة بين مدن العراق

أظهرت دراسة بحثية أن العلاقة بين كمية الإشعاع الشمسي اليومي ودرجات الحرارة العظمى في ست مدن عراقية خلال الفترة من 2014 إلى 2023، بالاعتماد على بيانات وكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، تبيّن أن "أعلى مستويات الإشعاع الشمسي ودرجات الحرارة سُجلت في المناطق الجنوبية، خاصة في البصرة"، حيث وصل معدل الإشعاع السنوي إلى نحو 5.7 كيلو واط ساعي لكل متر مربع، وتجاوزت الحرارة 48 درجة مئوية في ذروة الصيف.

وأوضحت الدراسة أن الأراضي العراقية تنقسم إلى أربع مناطق جغرافية رئيسية: السهول الرسوبية الممتدة في وسط وجنوب شرق البلاد، ومنطقة الجزيرة الواقعة بين نهري دجلة والفرات وهي منطقة مرتفعة، بالإضافة إلى الصحارى الواسعة في الغرب والجنوب، والمناطق الجبلية في الشمال الشرقي. وبسبب موقع العراق بين الحزام الصحراوي وشبه المداري والمناطق المعتدلة، يتأثر مناخ البلاد بشكل كبير، إذ يسوده طقس جاف إلى شبه جاف، مع مستويات مرتفعة من الإشعاع الشمسي ودرجات حرارة عظمى عالية.

عاصفة رملية العراق
تسبّبت العاصفة الرملية بانعدام الرؤية في البصرة (GETTY)

وأشارت الدراسة إلى وجود "فارق زمني موسمي بين ذروة الإشعاع الشمسي وذروة درجات الحرارة"، إذ غالبًا ما تصل أشعة الشمس إلى أعلى مستوياتها في شهر حزيران/يونيو، بينما تبلغ درجات الحرارة ذروتها في شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس. ويُفسَّر هذا التأخر بتأثير حرارة الأرض التي تستمر في الارتفاع حتى بعد ذروة الإشعاع. كما سجلت الدراسة أدنى مستويات الإشعاع الشمسي ودرجات الحرارة خلال شهري كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير، مع تباينات واضحة بين المدن الشمالية والجنوبية.

ندرة المياه وتغير المناخ يدفعان للنزوح

أشار تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن العراق يشهد أزمة بيئية غير مسبوقة، تتثمل في جفاف الأنهار واختفاء الأهوار وتزايد العواصف الرملية. وأضاف التقرير أن "عقودًا من التلوث، وسوء إدارة الموارد، وإهمال السياسات البيئية" قد دمرت المشهد الطبيعي في البلاد، لافتًا إلى أن العراق أصبح من أكثر الدول تأثرًا بتغير المناخ عالميًا، حيثُ يشهد موجات حرّ أكثر شدة، وجفافًا زراعيًا،  الأمر الذي يهدد يهدد الأمن الغذائي ومستقبل ملايين السكان.

وربط التقرير بين الأزمة البيئية وتدهور الظروف المعيشية، حيث تُهدد درجات الحرارة المرتفعة والتصحر مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وتؤدي إلى تلف المحاصيل وارتفاع أسعار الغذاء، وأضاف أن "60% من المزارعين باتوا يزرعون مساحات أقل أو يستخدمون مياهًا أقل بسبب الجفاف"، بحسب دراسة للمجلس النرويجي للاجئين. وقد دفع هذا الضغط بالمزيد من الأسر إلى الهجرة نحو المدن، فيما تشير تقارير إلى أكثر من 140 ألف نازح داخلي بسبب الجفاف حتى أذار/مارس 2024.

ولفت التقرير إلى أن اعتماد العراق بشكل كبير على إيرادات الوقود الأحفوري لتمويل الرواتب والخدمات والبنية التحتية، رغم أن هذا القطاع لا يوفر سوى 1% من فرص العمل. ويتطلب تعويض هذه الإيرادات تنويعًا اقتصاديًا واستثمارًا في الطاقة المتجددة، مما قد يحقق فوائد واسعة لسوق العمل. ويُمكن لتحول عادل وسريع أن يبني اقتصادًا أكثر إنصافًا وخالٍ من الوقود الأحفوري.

ورغم أن العراق يعاني من آثار أزمة المناخ، فإنه لا يزال يساهم في تفاقمها بكونه ثاني أكبر بلد في العالم بحرق الغاز، ما يمثل "نحو 10% من انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن الحرق عالميًا"، وفقًا للتقرير ذاته. ومع اعتماد الاقتصاد على عائدات النفط، تبرز الحاجة إلى انتقال عادل نحو مصادر طاقة متجددة، وسياسات بيئية شاملة، خاصة بعد إطلاق استراتيجية وطنية جديدة والتعهد بالتوقف عن حرق الغاز بحلول عام 2027.