أحيا الفلسطينيون يوم الطفل هذا العام في ظل تصاعد غير مسبوق للانتهاكات الإسرائيلية بحق الأطفال، إذ جاءت هذه المناسبة وسط استمرار العدوان على غزة وتصاعد الهجمات في الضفة الغربية. وفيما ودعت قرية ترمسعيا الفتى عامر ربيع، الذي قُتل برصاص الاحتلال، فإن جيش الاحتلال يواصل حرب الإبادة في غزة، والتي تجددت فصولها في مجزرة الشجاعية، التي أسفرت عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى، غالبيتهم من الأطفال، في مشهدٍ يعكس المأساة اليومية التي يعيشها أطفال فلسطين.
وكان مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، عايد أبو قطيش، قد قال في بيان، السبت الماضي، إن "يوم الطفل الفلسطيني يمر هذا العام في ظل جرائم وانتهاكات غير مسبوقة ضد الأطفال الفلسطينيين"، مشيرًا إلى أن "الاحتلال قتل في الضفة الغربية نحو 200 طفل، منذ بدء العدوان (على قطاع غزة) في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، عدا عن الجرائم الممارسة بحق الأطفال المعتقلين في السجون الإسرائيلية".
تصاعد الهجمات منذ بدء العدوان على غزة
بحسب "واشنطن بوست"، فإن مئات الأشخاص تجمعوا في مسجد في قرية ترمسعيا وسط الضفة الغربية، الإثنين الماضي، لوداع عامر ربيع، الفتى الفلسطيني الأميركي البالغ من العمر 14 عامًا، والذي قضى برصاص جيش الاحتلال قبل يوم واحد.
يُحيي الفلسطينيون يوم الطفل هذا العام في ظل تصاعد غير مسبوق للانتهاكات الإسرائيلية بحق الأطفال، وسط استمرار العدوان على غزة وتصاعد الهجمات في الضفة الغربية
تنقل الصحيفة الأميركية عن رئيس بلدية ترمسعيا، لافي شلبي، وأهالي القرية أن جيش الاحتلال أطلق النار على ثلاثة فتيان مراهقين في ترمسعيا، الأحد الماضي، وسط تصاعد الهجمات العنيفة من قبل المستوطنين وجيش الاحتلال في الضفة الغربية، وذلك في سياق العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وارتكب جيش الاحتلال، اليوم الأربعاء، مجزرةً جديدة مستهدفًا مربعًا سكنيًا كاملًا في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، ما أسفر عن استشهاد 90 شخصًا، بالإضافة إلى إصابة نحو 50 آخرين، بينهم عدد كبير من الأطفال، بحسب ما أفاد موقع "الترا فلسطين". وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية فإن ما لا يقل عن 505 فلسطيني وفلسطينية دون سن الـ18 عامًا استشهدوا منذ استئناف العدوان على غزة في 18 آذار/مارس الماضي، في حصيلة غير نهائية.
🎥 استشهاد أطفال في قصف للاحتلال الإسرائيلي على منزل بحي الشجاعية. pic.twitter.com/nA90DgrocY
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 9, 2025
وأفاد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في تقرير نُشر مؤخرًا أن الأطفال دون سن 18 عامًا يشكّلون نحو 43% من إجمالي سكان دولة فلسطين، البالغ عددهم 5.5 ملايين نسمة، أي ما يعادل قرابة 2.38 مليون طفل وطفلة، منهم 1.39 مليون في الضفة الغربية و980 ألفًا في قطاع غزة.
كانوا يقطفون اللوز الأخضر
يقول رئيس بلدية ترمسعيا، لافي شلبي، لـ"واشنطن بوست" إن صديق ربيع، أيوب جبارة، البالغ من العمر 15 عامًا الفلسطيني الأميركي أيضًا، يرقد في العناية المركزة في مدينة رام الله بالضفة الغربية، مضيفًا أن صديقهما الآخر، عبد الرحمن شحادة، البالغ من العمر 15 عامًا، نُقل أيضًا إلى المستشفى بعد الهجوم.
ويشير شلبي في حديثه للصحيفة الأميركية إلى أن الفتية الثلاثة كانوا يقطفون اللوز الأخضر في الحقول القريبة من شارع 60، وهو طريق سريع رئيسي يمر عبر الضفة الغربية، عندما أطلق جيش الاحتلال النار عليهم.
وبحسب السيدة مجد، والدة ربيع، فإن ابنها انتقل إلى الضفة الغربية المحتلة عندما كان طفلًا، بعد أن عاش في الولايات المتحدة، مشيرةً إلى أنه كان يأمل بعد انتهائه من المرحلة الثانوية أن يعود للعيش هناك، مع إخوته الأربعة الأكبر سنًا الذين يقيمون في الولايات المتحدة.
📌 يسلّط تقرير حقوقي الضوء على حجم الكارثة التي لحقت بالأطفال دون سن الـ18 عامًا جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع #غزة.
📌 في وقت يُشكّل فيه الأطفال ما يقارب نصف سكان القطاع. فقد واجه الأطفال الموت وفقدان الأسرة، والإعاقة، والجوع، والانقطاع عن التعليم، وسط انهيار شبه… pic.twitter.com/SZQQUQCGIy
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 4, 2025
من جانبها، قالت سهى جبارة، إحدى قريبات ربيع، إن جيش الاحتلال احتجز جثمان ربيع داخل سيارة إسعاف إسرائيلية لأكثر من 90 دقيقة، وتابعت موضحة أنها رأت سيارة الإسعاف من منزلها المطل على شارع 60.
تقول "واشنطن بوست" إنه على الرغم من إصابة جبارة وشحادة، إلا أنهما تمكنا من الهروب إلى القرية، حيث نقلتهما سيارة إسعاف فلسطينية إلى المستشفى، وفقًا لحديث سهى جبارة، لافتة إلى أنها عندما سمعت خبر وفاة ربيع، فكرت على الفور في أبنائها، وأنها تفكر في إرسالهم إلى الولايات المتحدة، حيث تأمل أن يكونوا أكثر أمانًا.
لوح المشيعون بالأعلام الفلسطينية
ووفقًا للصحيفة الأميركية، سار المشيعون، الإثنين الماضي، وهم يلوحون بالأعلام الفلسطينية وجثمان ربيع في شوارع هذه القرية الخلابة وصولًا إلى المقبرة. وقد دُفن إلى جانب عمر قطين، وهو فلسطيني مقيم بشكل دائم في الولايات المتحدة. ووفقًا للسلطات الفلسطينية، فإن قطين قضى برصاص مستوطن إسرائيلي خلال هجوم على القرية في حزيران/يونيو 2023.
وكان شلبي قد قال في تصريح سابق لـ"واشنطن بوست" إن نحو 85% من سكان ترمسعيا، المعروفة شعبيًا باسم "أميركا الصغيرة"، يحملون الجنسية الأميركية. وأضاف أنه عادةً ما يعود أولئك الذين يعيشون في الولايات المتحدة إلى القرية في الصيف، إلا أن معظمهم لم يفعل منذ بدء العدوان على غزة عام 2023، وما رافقه من تصعيد للاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
في #يوم_الطفل_الفلسطيني، تعيش فلسطين أكبر أزمة يُتّم في التاريخ الحديث.@palestineultra pic.twitter.com/hnw1AETTsO
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 4, 2025
وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن معظم المشاركين في الجنازة يحملون الجنسية الأميركية، لافتةً إلى تعبير المشاركين عن غضبهم من الحكومة الأميركية بسبب الدعم الذي تقدمه لحكومة الاحتلال سواء كان عسكريًا أو سياسيًا، فضلًا عن دعمها محاولات التهجير القسري للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
"دائمًا خائف"
يقول مؤمن جبارة (13 عامًا)، ابن عم ربيع، إن عامر كان يستمتع بلعب كرة القدم وركوب السكوتر، مؤكدًا أنه أنه ما زال في حالة صدمة بسبب وفاته. وأضاف أنه كان خارج المنزل وسمع صوت الطلقات التي أودت بحياته.
ويشير مؤمن جبارة إلى أنه انتقل إلى ترمسعيا قبل عشرة أشهر قادمًا من نيوجيرسي، لأن والديه أرادا له أن يُحسن لغته العربية، ويتعرّف على تراثه الفلسطيني. وعلى الرغم من أنه يحب العيش في هذه القرية، إلا أنه "دائمًا خائف"، كما يقول للصحيفة الأميركية، ويضيف "لو خرجت مع أصدقائي، يمكن فجأة أن تحدث مداهمة" من جيش الاحتلال أو المستوطنين.
جلست والدة عامر ربيع الثكلى وسط النساء اللواتي كنّ ينعين وفاة ابنها خلال الجنازة. قالت لـ"واشنطن بوست" إنها رأته آخر مرة عندما غادر المنزل للقاء أصدقائه، ولم تفكر كثيرًا في الأمر لأنه بدا يومًا عاديًا، مشيرةً إلى أن أن ابنها كان ذكيًا، طيبًا، ومواظبًا على صلاته، وأضافت "نحن فلسطينيون. هذا ما كُتب لنا. الله يرحمه".