من الشريف الرضي إلى بدوي الجبل... أشعار صوَّرت الحج وطقوسه
5 يونيو 2025
على الرغم من عدم حضور الشعر فيما يتعلق بفريضة الحج، إلا أنه حظي بمكانةٍ خاصةٍ لدى الشعراء الذين تناولوه. فالكتابات النثرية أو الروائية أو المقالات الصحفية قد استفاضت في تناوله والتماهي مع طقوسه بل وتدوين يومياته. ولذلك نجد أن كوكبة من الأدباء والصحافيين قد سطروا تجربتهم الفريدة في كتبٍ، غلب عليها حس التدوين مع لمساتٍ تأملية. ومن بين هذه الكتب، ما كتبه الأديب محمد حسين هيكل في كتابه "في منزل الوحي" وما سطره الأديب شكيب أرسلان في كتاب "الارتسامات اللطاف: في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف 1929" وكذلك إبراهيم عبد القادر المازني في كتابه "رحلة الحجاز". وغيرها من الأعمال التي سلَّط الأكاديمي محمد رجب البيومي الضوء عليها في مقالته بمجلة الهلال (سبتمبر/أيلول 1983).
فإن قصائد الشعر العربي تبدو شحيحة إذا ما قورنت من حيث العدد مع النثر
وإذا كانت الكتابات النثرية قد أضاءت الكثير حول الحج وطقوسه، فإن قصائد الشعر العربي تبدو شحيحة إذا ما قورنت من حيث العدد مع النثر. لكن تظل لهذه القصائد، مكانة خاصة في ديوان الشعر العربي.
وعندما يحضر الحديث عن الحج، يطيب ذِكر الشريف الرضي صاحب الحجازيات الشهيرة وهي أبيات رقيقة غلبت عليها الرقة والعذوبة في وصف ذكرياتٍ له أثناء الحج أو مواسم تخيلها بنفسه، وجاء في أحد أبياتها:
وظبية من ظباء الأنس عاطلةٍ
تستوقف العينُ بين الخمص والهضم
لو أنها بفناء البيت سانحةً
كصدتها وابتدعتُ الصيد في الحرمِ

أما صاحب "ولد الهدى" أمير الشعراء أحمد شوقي فقد أنشد أبياتًا في الحج تفيض بالروحانية والعذوبة. يقول فيها:
إِلى عَرَفاتِ اللَهِ يا خَيرَ زائِرٍ
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ في عَرَفاتِ
وَيَومَ تُوَلّى وُجهَةَ البَيتِ ناضِراً
وَسيمَ مَجالي البِشرِ وَالقَسَماتِ
عَلى كُلِّ أُفقٍ بِالحِجازِ مَلائِكٌ
تَزُفُّ تَحايا اللَهِ وَالبَرَكاتِ
وقد وقع اختيار الأخير على 22 بياتًا من أصل 63 لتغنيها أم كلثوم مع تبديل بعض المفردات
وهي القصيدة ذاتها التي تغنت كوكب الشرق أم كلثوم بأبياتٍ منها ولحنها الموسيقار رياض السنباطي. وقد وقع اختيار الأخير على 22 بياتًا من أصل 63 لتغنيها أم كلثوم مع تبديل بعض المفردات.

ومن أحمد شوقي إلى عزيز أباظة رائد المسرح الشعري، وتجربته الفاتنة الشجية في ديوانه "أنات حائرة" والذي كتبه حزنًا على فراق زوجته ورفيقة حياته. وفي أثناء رحلة الحج التي قطعها والحزن يسيطر عليه، أنشد يقول:
ذكرتكِ يوم النفر والدمع ساجم
على عرفاتٍ والنزاع عُرام
فأجهش قلبي جهشة راح بعدها
وفيه مراح للضنى ومسامُ

أما الشاعر السوري الكبير بدوي الجبل، فقد أنشد أبياتًا تفيض الجمال وحُسن الصياغة والمتانة. فنجده يقول:
بنور على أم القرى وبطيب
غسلت فؤادي من أسى ولهيب
لثمت الثّرى سبعا وكحّلت مقلتي
بحسن كأسرار السماء مهيب
وأمسكت قلبي لا يطير إلى (منى)
بأعبائه من لهفة ووجيب
فيا مهجتي: وادي الأمين محمد
خصيب الهدى: والزرع غير خصيب
هنا الكعبة الزّهراء. والوحي الشذا
هنا النور. فافني في هواه وذوبي
هذه إطلالة لغوية وشاعرية حول أبرز التجارب والأبيات الشعرية التي تناولت موضوع الحج في الشعر العربي الحديث، ليظل هذا الموضع مسار بحث واستقصاء متواصل وحسبنا هنا قطف وردة لكن يمكن أن تختزل حديقة بأكملها.