16-يونيو-2020

غرافيتي في إدلب

أن يفاجأ السوريون بالمظاهرات التي خرجت في مدينة السويداء (الجنوب السوري) وطالبت بإسقاط النظام ورددت الشعارات الأولى للثورة السورية (2011) بما تنطوي عليها من رفض جذري لبقاء النظام، مضيفة عليها بعض الشعارات المتعلقة بأحداث لاحقة كبيع أجزاء من البلد لروسيا وإيران، فذلك ليس عائدًا لما حاول بعضهم -مخطئًا أو مغرضًا- إشاعته عن تأخر المدينة بالالتحاق بالثورة، بل لأسباب أخرى جوهرية، منها أن السويداء خرجت بعد أن أصاب السوريين شعور عام بالإحباط وبأن مصيرهم يقرره ويرسمه غيرهم بمعزل عنهم، فكانت تلك المظاهرات نوعًا من عودة السوريين للإمساك بزمام المبادرة وعدم ترك سوريا كرة يتقاذفها الآخرون، أو أقله أملًا بهذه العودة، أو خلق إمكانية لذلك.

خرجت السويداء بعد أن أصاب السوريين شعور عام بالإحباط وبأن مصيرهم يقرره ويرسمه غيرهم بمعزل عنهم

وما يعزز من القيمة الكبرى للمظاهرات أنها خرجت بعد أن حل بالبلد ما حل من موت وتدمير وتهجير واعتقال وقتل تحت التعذيب وغيرها من شناعات قام بها النظام لأن السوريين خرجوا ضده، خاصة أن السويداء مدينة غير مدمرة وخاضعة لسلطته، الأمر الذي يعني أن المتظاهرين ومن يقف إلى جانبهم وينصرهم ويؤيدهم من أهل المدينة وصلوا إلى المستوى صفر من التحمل ولم يعد يخيفهم ما فعله النظام بالسوريين الذين ثاروا ضده وبمدنهم وقراهم وبيوتهم، ولم يعد لديهم ما يخسرونه سوى قيودهم، وبذلك يكونون كطائر الفينيق الذي يخرج من موته ورماده في كل مرة.

اقرأ/ي أيضًا: انتفاضة السويداء.. حفر في الواقع لا قفز بالهواء

ما يضفي رمزية عالية على المظاهرات هو أنها لم تكن مجرد مظاهرات محلية (سويدائية) تتعلق بمطالب تخص، فقط، المدينة، فلم يظهر أي شعار خاص، ولم تظهر أية راية خاصة، ولا أية إشارة تدل على طابع محلي، بل هي تنتمي بقوة وحزم إلى سوريا كلها وإلى الثورة. الأمر الذي جعل الكثيرين يعودون لإطلاق مقولتهم المفضلة "الثورة مستمرة" بثقة محمولة على برهان عظيم. وبهذا أيضًا تشكل أمل في إحياء الصوت الحقيقي للسوريين والذي أخفاه الدمار والموت والتشرد والطائرات والكيماوي، الصوت الوطني لا الطائفي ولا المذهبي ولا غيره من الأصوات ما قبل -الوطنية التي تم الترويج لها وإظهارها على أنها صوت السوريين. لطالما حاول النظام وغيره من المستفيدين من قوى محلية وإقليمية خلق بؤرة للصراع بين  الجارتين؛ درعا والسويداء وتأجيجها كلما لزم الأمر عازفًا على وتر رجعي ومتهتك ومكشوف هو الاختلاف المذهبي بينهما ضمن سياسة عامة انتهجها النظام لخلق بؤر كتلك على امتداد الساحة السورية لحرف اتجاه الصراع وتمويهه بصراعات أهلية محلية. في المظاهرات الأخيرة كما في المظاهرات الأولى (2011) انكشف كم هو هزيل العزف على ذلك الوتر، فقد خرجت مظاهرات في السويداء بعد أيام من اندلاع الثورة في درعا في العام 2011، كما خرجت درعا في اليوم الأول لمظاهرات السويداء في العام 2020 محيية وداعمة لها ومساندة. وإنه لأمر ذو دلالة أيضًا انطلاق مظاهرات داعمة لها في إدلب التي لطالما تم الترويج لها على أنها بؤرة للإرهاب بوجود جبهة النصرة، وذلك بشعارات مساندة للسويداء وضد النظام والجولاني وجبهة النصرة في الوقت ذاته، ما يوقظ أملًا كبيرًا بإحياء وعودة الصوت السوري بوصفه سوريًا فقط.

لطالما حاول النظام وغيره من المستفيدين من قوى محلية وإقليمية خلق بؤرة للصراع بين  الجارتين؛ درعا والسويداء

ما تقدم وغيره الكثير يفسر ذلك الشعور الغامر الذي حل بالسوريين المناصرين للثورة جراء مظاهرات السويداء. فقد كانت التعبيرات العامة تتمحور حول "عودة الروح" لهم بعد موات أو إحباط عام. عودة الروح هنا لا تعني مجرد شعور فردي بعودتها على أهمية ذلك، إلا أنها تعني أيضًا عودة الروح السورية بما هي روح وطنية متجاوزة كل حالات الحقن التي تلقتها والتي تشيع، وأشاعت فعلًا، تعابير ما قبل -وطنية، انقسامية، عدائية...

اقرأ/ي أيضًا: "هذا زمان آخر".. احتجاجات السويداء تتوسع رغم التعزيزات الأمنية

لا تنطلق هذه المقالة من نتائج محتملة مباشرة للمظاهرات، وليست معنية بكونها تسقط النظام فعليًا وتُخرج إيران وباقي المتدخلين والمحتلين من سوريا، فهذا رهن بعوامل أخرى، المظاهرات من بينها لكن ليست كلها، إلا أنها تنطلق من أمل أشاعته ومن روح وطنية أحيتها أو تأمل بإحيائها، وهذا بحد ذاته - ولادة الأمل من جديد والقدرة على العودة إلى البدايات رغم إدراك تبعاتها- عمل عظيم لشعب عانى ما عاناه لأجل تطلعاته في سوريا ديمقراطية، تعددية، مزدهرة، لجميع أبنائها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تظاهرات في السويداء تطالب الأسد بالرحيل.. ما علاقة قانون قيصر بذلك؟