06-مارس-2025
عملت الوحدة (8200) على تطوير نظام ذكاء اصطناعي متقدم (منصة إكس)

عملت الوحدة (8200) على تطوير نظام ذكاء اصطناعي متقدم (منصة إكس)

كشفت تحقيقات صحفية أن وحدة الحرب الإلكترونية السرية في إسرائيل (8200)، تعمل على تطوير نظام ذكاء اصطناعي متقدم شبيه بـ "ChatGPT"، يعتمد على تحليل كميات هائلة من الاتصالات الفلسطينية التي يتم اعتراضها.

ويهدف هذا النظام إلى تحسين قدرات إسرائيل في التجسس والمراقبة، لكن خبراء في حقوق الإنسان يحذرون من أن هذه الأنظمة قد تعزز التحيزات وتزيد من خطر ارتكاب أخطاء كارثية.

يتطلب تدريب نموذج ذكاء اصطناعي من هذا النوع كميات هائلة من البيانات، ولتحقيق ذلك، جمعت وحدة (8200) بيانات هائلة من محادثات الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة

بحسب التحقيق الذي أجرته صحيفة "الغارديان" بالتعاون مع مجلة "+972" والموقع العبري "Local Call"، قامت الوحدة (8200) بتدريب نموذج ذكاء اصطناعي قادر على فهم اللهجات العربية من خلال مراقبة وتحليل كميات هائلة من المكالمات الهاتفية والرسائل النصية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

مشروع تجسس استخباراتي يعتمد على الذكاء الاصطناعي

وفقًا للتحقيق، بدأ تطوير هذا النظام منذ سنوات، إلا أن المشروع شهد تسارعًا كبيرًا بعد الحرب الإسرائيلية على غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023. وقد صُمِّم النظام ليكون أداة استخباراتية قادرة على تحليل الاتصالات الهاتفية، والرسائل النصية، والمحادثات الملتقطة من وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف تصنيف الأفراد وتتبع "الأنشطة المشبوهة".

وأوضحت مصادر مطلعة أن الأداة، التي تم تصميمها على نموذج الذكاء الاصطناعي اللغوي الكبير (LLM)، تعتمد على بيانات ضخمة من المحادثات الفلسطينية المُعترضة، لتوفير قاعدة بيانات واسعة تعزز من دقة الرصد والتحليل.

وقال المسؤول الاستخباراتي الإسرائيلي السابق، شاكد روجر جوزيف سيدوف، خلال مؤتمر عسكري في تل أبيب: "حاولنا إنشاء أكبر قاعدة بيانات باللغة العربية من خلال جمع كل البيانات التي حصلت عليها إسرائيل على مدار تاريخها". وأضاف أن كمية البيانات التي تم استخدامها كانت هائلة، وصفها بأنها "جنونية".

كيف يتم تدريب النموذج؟

يتطلب تدريب نموذج ذكاء اصطناعي من هذا النوع كميات هائلة من البيانات، ولتحقيق ذلك، جمعت وحدة (8200) بيانات هائلة من محادثات الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، بما في ذلك محادثات هاتفية، ورسائل نصية، وبيانات وسائط اجتماعية.

وتشير التقارير إلى أن الفريق المطور اضطر إلى إنشاء نموذج جديد تمامًا من الصفر، نظرًا لأن النماذج التجارية المفتوحة المصدر المتاحة لم تكن مدربة على اللهجات العامية العربية المستخدمة في المحادثات اليومية.

وأوضح أحد المصادر: "لا توجد سجلات محادثات هاتفية أو رسائل واتساب متاحة على الإنترنت بكميات كافية لتدريب نموذج مثل هذا، لذا اضطررنا إلى تجميع كل النصوص العربية التي حصلت عليها وحدة (8200) ووضعها في قاعدة بيانات مركزية".

وتشير التقارير إلى أن البيانات التي تم استخدامها تضمنت محادثات باللهجات الفلسطينية واللبنانية، بينما قال سيدوف إن الفريق ركّز فقط على "اللهجات التي تعادينا"، في إشارة إلى اللهجات المستخدمة من قبل أفراد المجموعات الفلسطينية المسلحة.

كيف تستخدم إسرائيل الذكاء الاصطناعي في عملياتها العسكرية؟

ليست هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها إسرائيل الذكاء الاصطناعي في عملياتها العسكرية. ففي السنوات الأخيرة، طورت وحدة (8200) العديد من الأنظمة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات واستخراج المعلومات الأمنية.

على سبيل المثال، خلال الحرب على غزة، استخدمت إسرائيل أنظمة "Gospel" و"Lavender"، وهي أدوات استخباراتية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف وتوجيه الضربات العسكرية.

ووفقًا لمصادر استخبارية، فقد ساعدت هذه الأدوات في تصنيف الفلسطينيين بناءً على أنماط سلوكهم، مما أدى إلى استهداف أفراد بناءً على تحليلات الذكاء الاصطناعي.

وقال مصدر مطلع: "لم يعد الأمر يقتصر على تعقب من يخطط لهجمات، بل أصبح بإمكاننا مراقبة الناشطين الحقوقيين، ومراقبة عملية البناء التي يقوم بها الفلسطينيون في المنطقة "ج"، بل ومعرفة كل ما يفعله الفلسطينيون في الضفة الغربية".

مخاطر الذكاء الاصطناعي في التجسس: تحذيرات حقوقية

يثير استخدام الذكاء الاصطناعي في المراقبة العسكرية مخاوف حقوقية كبيرة، حيث يحذر خبراء حقوق الإنسان من مخاطر التحيز، وانتهاك الخصوصية، والاعتماد المفرط على قرارات الذكاء الاصطناعي دون رقابة بشرية.

وحذر الباحث في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، زاك كامبل، من أن هذا النموذج قد يُستخدم لإصدار أحكام خاطئة على الأفراد الأبرياء. وأضاف: "إنه نظام يعتمد على التخمينات، وهذه التخمينات يمكن أن تؤدي إلى تصنيف أشخاص أبرياء كمشتبه بهم".

بدوره، صرّح مدير منظمة حملة الفلسطينية لحقوق الإنترنت، نديم ناشف، بأن الفلسطينيين أصبحوا بمثابة "حقل تجارب" لأنظمة المراقبة الإسرائيلية. وقال: "إسرائيل تستخدم الفلسطينيين لاختبار أنظمة الذكاء الاصطناعي الجديدة، مما يسمح لها بتطوير أدوات قمعية تحت غطاء التكنولوجيا المتقدمة".

الانتقادات الدولية: هل تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمراء؟

رغم أن العديد من وكالات الاستخبارات حول العالم، مثل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) وجهاز الاستخبارات البريطاني (MI6)، تعمل على تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي مشابهة، إلا أن نهج إسرائيل يبدو أكثر عدوانية وأقل خضوعًا للرقابة.

وقال مسؤول أمني غربي سابق: "ما تفعله إسرائيل باستخدام الذكاء الاصطناعي في التجسس على الفلسطينيين لن يكون مقبولًا في الدول الديمقراطية ذات القوانين الصارمة بشأن الخصوصية وحقوق الإنسان".

كما أفادت تقارير بأن الذكاء الاصطناعي قد يكون قد استُخدم بالفعل في عمليات القصف على غزة. ففي شباط/فبراير 2024، ذكرت وكالة "الأسوشيتد برس" أن الاستخبارات الإسرائيلية استخدمت الذكاء الاصطناعي لتحديد أهداف خلال غارة جوية نفذتها طائرات الاحتلال في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، ما أسفر عن مقتل أربعة مدنيين، بينهم ثلاث فتيات مراهقات، نتيجة خطأ في الاستهداف.

الجيش الإسرائيلي يرفض الإفصاح عن تفاصيل المشروع

في ظل هذه المخاوف، رفض الجيش الإسرائيلي التعليق على تفاصيل مشروع وحدة (8200). وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: "نظرًا لحساسية المعلومات، لا يمكننا الكشف عن تفاصيل الأدوات الاستخباراتية التي نستخدمها"، لكنه أضاف أن "الجيش يعتمد على عمليات تحقق دقيقة لضمان أقصى درجات الدقة في جمع المعلومات".

هل يتحول الذكاء الاصطناعي إلى أداة قمع متطورة؟

يمثل استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري والاستخباراتي تحولًا جذريًا في كيفية مراقبة الأفراد وتحليل المعلومات. لكن انعدام الشفافية، والاعتماد المفرط على الأنظمة الآلية، واحتمالية ارتكاب أخطاء قاتلة، يثير تساؤلات خطيرة حول مستقبل هذه التقنيات.

وفي الوقت الذي تسعى فيه وكالات الاستخبارات العالمية إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات، تقوم إسرائيل بتجاوز جميع الخطوط الأخلاقية، عبر تحويل الفلسطينيين إلى أهداف لمراقبة، غير خاضعة للرقابة، مما يعزز سلطتها في الأراضي المحتلة.