شهد يوم الأحد انعقاد أولى جلسات التحقيق مع المؤرخ والباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بلال شلش، الذي اعتقلته قوات الاحتلال فجر الأربعاء من منزله في حي عين مصباح بمدينة رام الله.
وأوضح المحامي خالد محاجنة، في حديثه إلى "العربي الجديد"، أن شلش سيمثل بعد غدٍ الأربعاء أمام محكمة "سجن عوفر" حيث يُتوقع تمديد اعتقاله، بعد أن وُجّهت إليه تهمة "المساس بأمن المنطقة" (الضفة الغربية). كما أشار إلى أن ظروف الاعتقال قاسية وغير إنسانية، إذ لم يتمكن شلش من تناول الطعام حتى الآن بسبب رداءة الغذاء المقدّم للمعتقلين.
يتبع شلش منهجية علمية في توثيق الأحداث والشخصيات التاريخية من خلال استقصاء أوراق ومذكرات الشخصية، وينقلها إلى شكل تأريخي موثّق
خلفية أكاديمية ومهنية
بلال شلش هو مؤرخ ومرشح لبرنامج الدكتوراه في العلوم الاجتماعية بجامعة بيرزيت، بالإضافة إلى عمله كباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. تركز أبحاثه على دراسة تاريخ العمل العسكري الفلسطيني، ضمن اهتمامه الأوسع بتاريخ المقاومة الفلسطينية المسلحة قبل عام 1948 والحركات السياسية الفلسطينية المعاصرة.
خلال عمله في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، استند شلش إلى رؤيته في فهم تاريخ المقاتلين الفلسطينيين الذين قاوموا الاستعمار البريطاني منذ عام 1917، من خلال مسارين رئيسيين: الأول هو استمرارية الفعل المقاوم عبر الأجيال داخل العائلة الواحدة، ما يُعرف بـ "ميراث الدم والسلاح"، كما يصفه شلش، والثاني هو انبعاث المقاومة في لحظات استثنائية من الرماد، مثلما حدث في ثورة القسام عام 1936 وانتفاضة الأقصى في عام 2000.
إعادة قراءة تاريخ النكبة
سلّط بلال شلش في مؤلفاته الضوء على الصراع الدموي الذي خاضه الفلسطينيون والعرب عام 1948، مستعرضًا تفاصيل المعارك الطويلة التي شهدتها المدن الفلسطينية. وخلال تحضيره لأطروحة الماجستير في التاريخ عام 2015، اكتشف من خلال قراءته ليوميات بن غوريون حجم الإخفاقات التي منيت بها العصابات الصهيونية، والخسائر الكبيرة التي تكبّدتها نتيجة مقاومة سكان عدد من المدن، أبرزها يافا، التي فشل الصهاينة في احتلالها رغم الهجمات المتواصلة.
وقد بدأت المواجهات في كانون الأول/ديسمبر 1947 واشتدت في شباط/فبراير 1948، ما دفع شلش إلى طرح تساؤلات جديدة حول تاريخ النكبة، الذي ركّز السرد السائد فيه على التهجير والتطهير العرقي، متجاهلًا في كثير من الأحيان المقاومة الشرسة والتضحيات الكبيرة التي قدّمها الفلسطينيون والعرب.
دفعه ذلك إلى العودة للوثائق التاريخية، مثل الرسائل والتقارير والشكاوى، لتوثيق تفاصيل المعركة في كتابه "يافا دمٌ على حجر... حامية يافا وفعلها العسكري دراسة ووثائق" الصادر عن المركز العربي في جزآن عام 2019، والذي أشار فيه إلى أن المدينة شهدت عشرة جبهات قتالية ضد العدو، وأن معاركها امتدت نحو ثلاثة أشهر، مع ذكر قوائم بأسماء المقاومين والشهداء.
وبيّن شلش أن هناك روايات متعددة حول حرب النكبة، مما يشير إلى أن الهزيمة لم تكن حتمية، حيث تعرض الصهاينة لهزائم في بعض المناطق، ما أوقف احتلالهم لمناطق أخرى. وأوضح أن صمود حامية يافا وتأخر سقوطها حتى أيار/مايو 1948 حال دون احتلال القدس في ذلك الوقت، ما يبرز فشل العصابات الصهيونية في استكمال معركتها.
اعتقلت قوات الاحتلال، فجر اليوم الأربعاء، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وطالب الدكتوراه في جامعة بيرزيت، بلال شلش، من منزله في حي عين مصباح برام الله. pic.twitter.com/o4IwOrlp3J
— Ultra Palestine - الترا فلسطين (@palestineultra) April 2, 2025
سردية المقاتل الفلسطيني
أعاد شلش إحياء سردية المقاتل الفلسطيني التي طالما خُنقت تحت وطأة الهزيمة والنكبة. ومن خلال بحثه في "أرشيف الدولة"، الذي أُفرج عن وثائقه عام 2016، أعاد تقديم رواية المقاتل الفلسطيني التي ظلت صامتة لسنوات.
وفي إحدى حلقات سلسلة "أرشيف النكبة"، التي قدّمها زاهر عمرين على "التلفزيون العربي"، وحملت عنوان "وثائق حامية يافا 1948"، استعرض شلش نموذجًا من المقاومة بمدينة يافا في مواجهة العصابات الصهيونية. وخلال الحلقة، قدّم رواية جديدة للتاريخ تُبرز، استنادًا إلى الوثائق والأرشيف، مدى فاعلية المقاوم الفلسطيني ورفضه للمشروع الصهيوني وقرار التقسيم.
منهجية علمية في دراسة تاريخ المقاومة
يتبع شلش منهجية علمية في توثيق الأحداث والشخصيات التاريخية من خلال استقصاء أوراق ومذكرات الشخصية، وينقلها إلى شكل تأريخي موثّق، صدر له: "إلى المواجهة... ذكريات عدنان مسودي عن الإخوان المسلمين في الضفة الغربية وتأسيس حماس" (2013)، و"سيدي عمر... ذكريات محمد أبو طير في المقاومة وثلاثة وثلاثين عامًا من الاعتقال" (2017)، الصادران عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.
كما صدر له عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات: "داخل السور القديم... نصوص قاسم الريماوي عن الجهاد المقدس" (2020)، و"شيءٌ عابر... نابلس تحت الاحتلال (1967-1969)" (2023). وشارك كذلك في كتاب جماعي صادر عن المركز، حمل عنوان: "حرب حزيران/ يونيو 1967: مسارات الحرب وتداعياتها" (2020)،
مشروع ذاكرة فلسطين
أيضًا، ساهم شلش في مشروع بحثي أطلقه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عام 2016 حول القضية الفلسطينية وتوثيقها، والذي يشتمل على أرشيف رقمي متكامل يحتوي على آلاف الوثائق والصور والشهادات الصوتية والمرئية، بهدف تسليط الضوء على محطات هامة في تاريخ فلسطين وحركتها الوطنية. وقد تم تطوير هذا العمل ليُطلق في كانون الثاني/يناير 2023 موقع "ذاكرة فلسطين"، الذي يضم أكثر من مليون وثيقة تاريخية من فترات مختلفة، ويخضع لتحديث مستمر.
شارك مؤخرًا في كتاب جماعي صادر عن المركز العربي بعنوان "دراسات في ثورة التحرير الجزائرية (1954-1962)"، من تحرير الدكتور ناصر الدين سعيدوني والدكتورة فاطمة الزهراء قشي، نشر فيه شلش فصل بعنوان "الشعوب إذا هبت ستنتصر.. تفاعل فدائيي فلسطين مع الثورة الجزائرية 1954-1962".