23-يناير-2023
GETTY

(GETTY) واشنطن تبحث التزود بأسلحة روسية الصنع من دول أمريكا الجنوبية

تكثف الولايات المتحدة الأمريكية مساعيها لنقل مساعدات عسكرية جديدة إلى أوكرانيا، ذلك تزامنًا مع التطورات الميدانية المتسارعة التي يشهدها الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث تشهد جبات القتال معارك قوية، خاصةً على جبهة باخموت، التي تحولت إلى رمز للصراع، بالإضافة إلى بداية الإعداد الجدي لهجوم الربيع، الذي تخطط له موسكو وكييف، وتسعى أمريكا لمنح أوكرانيا القدرة على التفوق فيه. 

هناك فرصة أمام واشنطن لإقناع بعض جيرانها في أمريكا الجنوبية بالتخلي عن جزء من الترسانة العسكرية روسية الصنع وإرسالها إلى كييف

وأوضح مسؤولون عسكريون أمريكيون، أن حزم المساعدات العسكرية الأخيرة لأوكرانيا لا تمنع واشنطن من البحث عن مصادر أخرى للعتاد، من بينها العمل على نقل معدات روسية الصنع "تلبي متطلبات المعركة"، على حد تعبيرهم.

ويرى المسؤولون الأمريكيون، الذين يشرفون على العمليات والعلاقات الدفاعية في أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي، أن هناك فرصةً أمام واشنطن لإقناع بعض جيرانها في أمريكا الجنوبية بالتخلي عن جزء من الترسانة العسكرية روسية الصنع وإرسالها إلى كييف.

أسلحة أمريكا اللاتينية إلى أوكرانيا؟

ووفق ما أقرت به قائدة القيادة الجنوبية في الجيش الأمريكي لورا ريتشاردسون، خلال حديثها نهاية الأسبوع الماضي في "المجلس الأطلسي"، فإن واشنطن تعمل مع دول من أمريكا اللاتينية التي تملك عتادًا عسكريًا روسيًا، من أجل إقناعها بالتبرع به لأوكرانيا أو استبدالها بمعدات أمريكية.

وأضافت المسؤولة الأمريكية، بأن المناقشات جارية مع 6 دول على وجه الخصوص، حيث "لدينا أشياء كثيرة على المحك، وهذه المنطقة مهمة، ولها علاقة كبيرة بالأمن القومي"، هذا ورفضت المسؤولة الأمريكية تقديم تفاصيل إضافية عن الموضوع.

من جهته، صرح المتحدث باسم القيادة العسكرية الجنوبية بالولايات المتحدة "ساوثكوم" خوسيه رويز، لوسائل إعلام أمريكية، يوم الجمعة، أنه: "كمسألة بروتوكولية، لن نناقش تفاصيل الموارد الدفاعية للدول ذات السيادة، أو التكهن بشأن أي دعم لأوكرانيا لم يتم الإعلان عنه بالفعل، لكن بقدر ما نقدم لشركائنا في الدفاع فرصًا لشراء أو استلام معدات دفاعية أمريكية، فإننا نمنحهم ما نعتبره بديلًا أفضل؛ عتاد متفوق من ناحية موثوقيته المثبتة، ومستويات عالية من الصيانة يتلقاه السلاح خلال عمره التشغيلي".

ويعتقد الخبراء أن الدول الست المقصودة هي؛ بيرو، المكسيك، الإكوادور، كولومبيا، أوروغواي، الأرجنتين والبرازيل. والتي تمتلك، وفقًا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "CSIS"، أسلحة روسية الصنع، بالإضافة إلى كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا، التي يستبعد أن تبحث أمريكا معها هذه الصفقة.

مأزق المساعدات العسكرية الغربية وحلُّه..

ويشدد مسؤولون أمريكيون كبار على أهمية توفير معدات روسية الصنع لأوكرانيا، نظرًا لكونها مألوفةً لدى قوات كييف. بالمقابل، يحذرون من صعوبة تدريب تلك القوات على استخدام الأنظمة الغربية الجديدة في الوقت اللازم، نظرًا لاحتمال تصعيد الهجمات الروسية خلال الشهور القليلة القادمة.

وفي سياق هذه الصعوبات، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة لحلف الناتو مارك ميلي، يوم الجمعة، بأن تحقيق نجاعة المساعدات العسكرية الغربية "سيكون عبئًا ثقيلًا للغاية"، كون "الأوكران لديهم عناصر يجب تدريبهم، وبالنظر إلى الطقس والتضاريس، وما إلى ذلك، يمكنك أن ترى أن لدينا فترة زمنية قصيرة نسبيًا لإنجاز المهمة". قبل أن يتابع حديثه: "أعتقد أنه يمكن القيام بذلك، لكنني أعتقد أنه سيكون تحديًا".

في المقابل، وبحسب باحثين عسكريين مختصين، يمكن للجيش الأوكراني استخدام العتاد العسكري الروسي الصنع المستخدم حاليًا في أمريكا الوسطى والجنوبية بشكلٍ شبه فوري، علمًا أن بعض هذه الدول لديها مخزونات كبيرة.

مخزونات وافرة من العتاد الروسي

وخلال حديثه مع إذاعة "صوت أمريكا"، أوضح محلل الأبحاث في "مركز القوة العسكرية والسياسية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" (FDD )، رايان بروبست، بأن: "أفضل الأمثلة (على مخزونات دول أمريكا الجنوبية من العتاد العسكري الروسي) هي بيرو والمكسيك والإكوادور وكولومبيا والأرجنتين، هذه الدول على وجه التحديد لديها الكثير من طائرات الهليكوبتر الروسية أو السوفيتية".

ووفقًا لبيانات "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" (SIPRI)، تقبل 7 دول من أمريكا الوسطى والجنوبية -على الأقل- على شراء الأسلحة من روسيا منذ عام 2000. كما تسلمت البرازيل وبيرو معدات عسكرية روسية في عام 2016.

وتشير بيانات إضافية لـ "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" اعتبارًا من عام 2021، فإن 6 من هذه البلدان لديها أنظمة مماثلة أو مشابهة لتلك التي يستخدمها الجيش الأوكراني تقليديًا. فعلى سبيل المثال، لدى كل من الأرجنتين وكولومبيا والإكوادور والمكسيك وبيرو أنواع مختلفة من مروحية النقل الروسية "Mi-17" التي طلبتها أوكرانيا بعد وقت قصير من شن روسيا غزوها في شباط/ فبراير من العام الماضي.

وتمتلك الإكوادور وبيرو ما مجموعه 40 منصة إطلاق لصواريخ غراد، وتمتلك بيرو وأوروغواي مجموعة متنوعة من المركبات المدرعة الروسية الصنع، بما في ذلك مركبات قتال المشاة "BMP-3" والمركبات المدرعة البرمائية "MT-LB ".

بنفس القدر من الأهمية، تمتلك بيرو والأوروغواي قدرات أخرى يمكن أن تلبي الاحتياجات الأوكرانية الفورية، بما في ذلك الدبابات وأنظمة الدفاع الجوي وحتى الطائرات المقاتلة، حيث تمتلك الأوروغواي 15 دبابة من طراز "Tiran-5"، وهي نسخة إسرائيلية معدلة من الدبابة "T-55" الروسية.

وفي الوقت نفسه، تمتلك بيرو العديد من الدفاعات الجوية الروسية الصنع، من بينها نظام صواريخ أرض-جو "S-125" ومنظومة "MANPADS"، كما تمتلك 35 مدفعًا ذاتيًا مضادًا للطائرات و80 مدفعًا مضادًا للطائرات. هذا بالإضافة إلى 9 مقاتلات من طراز " MiG-29" صالحة للخدمة، وأربع طائرات هجوم أرضي أخرى من طراز "Su-25"، مع أن تقديرات بعض المحللين ترجح أرقامًا أعلى من تلك المذكورة.

وتشغل دول مثل البرازيل والإكوادور المئات من صواريخ "Igla" الروسية المحمولة أرض – جو، مع توفر النسخ الحديث منها "Igla-S" لدى القوات البرازيلية منذ عام 2010. وفي هذا الصدد، يورد الباحث في مركز الاستراتيجية والدولية للدراسات هنري زيمر، بأن: "القوات الأوكرانية مدرَّبة بشكلٍ جيد على استخدام منظومات الدفاع الجوي المحمولة، وخاصة نماذج Igla، ما قد يمنحها قدرةً كبيرةً على الاستمرار في المقاومة".

مهمة واشنطن الصعبة

هذا وقد تواجه واشنطن صعوبةً في إقناع جيرانها الجنوبيين التخلي على ترسانتهم الروسية وإرسالها لأوكرانيا، وهو ما يكشفه رفض بعض هذه الدول في السابق لهذا المقترح. من بينها المكسيك، التي وصف رئيسها أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، في حزيران/يونيو الماضي، الفكرة بأنها "غير أخلاقية".

وباستثناء المكسيك، يبقى النجاح في إقناع دول أخرى احتمالاً واردًا، وهو ما يشير له بروبست بالقول: "ربما يتعين على الولايات المتحدة تقديم الحوافز الصحيحة لهذه الدول لنقل أسلحتها، سواء كانت نقدية أو نوعًا من الترتيبات الأمنية أو وعودًا لتعويض الأسلحة".

ويؤكد محلل "FDD" أن عدم خروج أي دولة حتى الآن بقرار التخلي عن ترسانتها الروسية، يوضح المهمة الصعبة التي تواجه المسؤولين الأمريكيين، وقد لا يصبح الأمر أسهل، بالنظر إلى أن شركات الدفاع الأمريكية تتعرض بالفعل لضغوط من أجل زيادة الإنتاج لمواجهة النقص الذي يلوح في الأفق في الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن سيطرة روسيا على بعض دول أمريكا الوسطى والجنوبية قد تتراجع، ويوضح بروبست في هذا الاطار أنه "عادةً ما كانت ميزة روسيا في أسواق تصدير الأسلحة هي أنها تقدم أسعار أقل كلفة، وجداول زمنية أسرع للتسليم، ولا تهتم بكيفية استخدام الدول لها".

ونظرًا لحقيقة أن روسيا فقدت قدرًا هائلاً من المعدات العسكرية في أوكرانيا، وتحتاج إلى إعادة إمداد قواتها، سيكون من الصعب جدًا عليها تقديم أسلحة للتصدير، حيث يشدد الباحث في " FDD "، على "فرصة الولايات المتحدة لإبعاد هذه الدول عن الاعتماد على أنظمة الأسلحة الروسية".

رد الكرملين

على الطرف الأخر، وفي تعليقه على هذه الأخبار، قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، بأن "موسكو تراقب عن كثب الوضع فيما يتعلق باحتمال إمداد كييف بأسلحة من دول أمريكا اللاتينية". وأضاف: "في يومنا هذا، كل شيء متوقع، ولكن هنا، دعنا نقول، القيود القانونية والشرعية على بعض عمليات التسليم إلى دول ثالثة مهمة للغاية، لأن أي عمليات تسليم تخضع لالتزامات معينة لتلك الدول التي تتلقى معدات عسكرية، لذلك سنراقب ذلك بعناية شديدة".

وردًا على سؤال حول ما إذا كان البيان الأمريكي حول احتمال إمداد كييف بأسلحة روسية من دول بأمريكا اللاتينية كان مفاجئًا للكرملين، وما إذا كانت هناك ثقة في الشركاء بأمريكا اللاتينية، أجاب: "لن يخضعوا لما تريده الولايات المتحدة ".

قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، بأن "موسكو تراقب عن كثب الوضع فيما يتعلق باحتمال إمداد كييف بأسلحة من دول أمريكا اللاتينية".

هذا وكان السفير الروسي لدى الولايات المتحدة، أناتولي أنتونوف، قد حذّر في وقت سابق من أن الجيش الروسي سيدمر أي أسلحة تصل إلى أوكرانيا من الدول الغربية.