05-ديسمبر-2024
منظمة العفو الدولية

فلسطينيون يتفقدون منزلهم بعد غارة إسرائيلية استهدفته في دير البلح في غزة (رويترز)

خلص تقرير لمنظمة العفو الدولية، نُشرت نتائجه اليوم الخميس، إلى أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، المتواصل منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 حتى التاريخ ذاته من العام الجاري، تسبّب في استشهاد أكثر من 42 ألف فلسطيني وفلسطينية، من بينهم أكثر من 13.3 ألف طفل، بالإضافة إلى إصابة ما يزيد على 97 ألفًا آخرين. وأشار التقرير إلى أن العدوان، الذي جاء ردًا على عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية، "دفع سكان قطاع غزة إلى شفا الانهيار". وأكد أن الوثائق والشهادات التي جمعها تقدم دليلًا مباشرًا على أن جيش الاحتلال تعمّد ارتكاب "الإبادة الجماعية" في القطاع.

التقرير، الذي جاء بعنوان "بتحس إنك مش بني آدم: الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة"، نقل عن الخبراء قولهم إن العدوان الإسرائيلي على غزة "حدث بمستوى وسرعة لم يشهد العالم مثيلًا لهما في أي صراع آخر في القرن الحادي والعشرين"، مشيرًا إلى أنه "أتى على مدن بأكملها حتى سوّاها بالأرض، ودمر المرافق الحيوية للبنية التحتية والأراضي الزراعية والمواقع الثقافية والدينية؛ مُحرقًا الأخضر واليابس في قطاع غزة، حتى أحال مناطق واسعة منه إلى أرض خراب غير صالحة للعيش".

العدوان الإسرائيلي تسبّب للفلسطينيين بـ"الموت البطيء"

ووجد التقرير، بالاستناد إلى الأدلة التي جمعها، أن الاحتلال الإسرائيلي فرض "ظروفًا معيشية في القطاع خلقت مزيجًا من سوء التغذية والجوع والمرض، وساقت الفلسطينيين إلى موت بطيء ومتعمد". كما أخضع الاحتلال "المئات من الفلسطينيين من القطاع للاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة". وأشار التقرير إلى أنه "إذا ما أُخذت بعين الاعتبار صورة الحملة العسكرية الإسرائيلية في مجملها، وما ترتب على سياسات إسرائيل وأفعالها من آثار تراكمية، فإن قصد الإبادة الجماعية يتجلى باعتباره الاستنتاج المنطقي الوحيد".

خلص تقرير لمنظمة العفو الدولية إلى أن الوثائق والشهادات التي جمعها تقدم دليلًا مباشرًا على أن جيش الاحتلال تعمّد ارتكاب "الإبادة الجماعية" في قطاع غزة

للتحقق من تعمّد الاحتلال "التدمير المادي للفلسطينيين"، عملت العفو الدولية على تحليل السلوك الإسرائيلي في غزة، استنادًا إلى تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي "تجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم وتطالب بإبادتهم الجماعية". وأخذت بعين الاعتبار سياق نظام الأبارتهايد الإسرائيلي، والحصار غير الإنساني المفروض على القطاع، والاحتلال العسكري غير المشروع للأراضي الفلسطينية منذ 57 عامًا.

وناقشت العفو الدولية، في سياق تقريرها، "حججًا بديلة" تزعم أن "إسرائيل تتصرف بتهور" ضد الفلسطينيين في غزة، وهو ما ترى المنظمة العالمية أنه أظهر "استخفافًا قاسيًا بأرواحهم، وليس قصد إبادتهم الجماعية". وأكدت أن معاملة الفلسطينيين كأهداف قابلة للتدمير "هو في حد ذاته دليل على قصد الإبادة الجماعية".

وذكر التقرير أن 102 من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، التي صدرت بين السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 و30 حزيران/يونيو 2024، كانت "تجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم، أو تحض على ارتكاب أفعال الإبادة الجماعية، أو غيرها من الجرائم ضدهم، أو تسوق مبررات لها". كما وثقت المنظمة المحتوى السمعي لتصريحات الجنود الإسرائيليين في الميدان التي تحض على تدمير غزة، بما في ذلك تدمير المنازل والمساجد والمدارس.

ثلاثة أنماط للإبادة الجماعية

وقالت العفو الدولية إن نتائج التحقيق في 15 غارة جوية شنها جيش الاحتلال، خلال الفترة الممتدة من السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 حتى 20 نيسان/أبريل 2024، والتي أسفرت عن استشهاد ما لا يقل عن 334 مدنيًا، من بينهم 141 طفلًا، وجرح مئات الفلسطينيين، أظهرت أن المنظمة "لم تعثر على أي أدلة على أن أيًا من هذه الغارات كانت موجهة لهدف عسكري". وأشارت إلى أن الأدلة تدل على "نمط أوسع من الهجمات المباشرة المتكررة على المدنيين والأعيان المدنية أو الهجمات العشوائية المتعمدة"، مؤكدة أنها "شُنّت بأساليب يراد بها إيقاع عدد كبير جدًا من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين".

ويوثق التقرير تعمّد إسرائيل فرض ظروف معيشية قاسية على الفلسطينيين في قطاع غزة بهدف تدميرهم تدريجيًا. وقد تم فرض هذه الظروف عبر ثلاثة أنماط متزامنة: "تدمير البنية التحتية الداعمة للحياة"، مثل شبكات المياه والكهرباء، بالإضافة إلى "الاستخدام المتكرر لأوامر الإخلاء الجماعي الواسعة النطاق، والتعسفية، والمبهمة"، وحرمان السكان من "الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية". وأشارت المنظمة إلى أن هذه الأنماط تسبّبت في "تدمير المنازل والمستشفيات والأراضي الزراعية، مما أدى إلى تفشي الجوع والأمراض، خصوصًا بين الأطفال والحوامل، مع آثار طويلة الأمد على صحتهم".

الاحتلال ارتكب أفعالًا تحظرها اتفاقية منع الإبادة الجماعية

وفي تصريحات مرفقة بالتقرير، قالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنياس كالامار، إن التقرير أثبت "بوضوح أن إسرائيل ارتكبت أفعالًا تحظرها اتفاقية منع الإبادة الجماعية، بقصد خاص ومحدد وهو تدمير الفلسطينيين في قطاع غزة". وشددت على ضرورة أن تكون النتائج "الدامغة" التي توصل إليها التقرير "بمثابة صيحة تنبيه للمجتمع الدولي: هذه إبادة جماعية، ولا بد أن تتوقف الآن".

ودعت كالامار الدول التي تزود الاحتلال الإسرائيلي بالأسلحة إلى أن "تدرك أنها تخل بالتزامها بمنع الإبادة الجماعية، وأنها عرضة لأن تصبح متواطئة في الإبادة الجماعية". وخصت بالذكر الولايات المتحدة وألمانيا، بالإضافة إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي واصل "لعدة أشهر في ارتكاب أفعال الإبادة الجماعية"، رغم إدراكه أن ما يواجهه الفلسطينيون في القطاع "أضرار لا يمكن جبرها".

وبحسب كالامار، فإن أمري الاعقتال الصادرين عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، يمنحان "بارقة أمل للضحايا بتحقق العدالة التي طال انتظارها". وطالبت كالامار "دول العالم بإظهار احترامها لقرار المحكمة وللمبادئ العالمية للقانون الدولي باعتقال هذين المتهمين المطلوبين للعدالة وتسليمهما للمحكمة الجنائية الدولية".

وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، بتهمة "ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، خلال الفترة الممتدة من الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023 حتى 20 أيار/مايو 2024. وأشارت إلى أنهما "يتحملان المسؤولية الجنائية باعتبارهما رئيسين مدنيين عن جريمة الحرب المتمثلة في توجيه هجوم متعمد ضد السكان المدنيين".