06-مايو-2022
عائلات في انتظار السجناء في دمشق (تويتر)

عائلات في انتظار السجناء في دمشق (تويتر)

حذرت منظمات حقوقية وشخصيات معارضة من مساعي نظام بشار الأسد تلميع صورته وبدء مسار من التطبيع بعد قرار غير واضح وغامض بالإفراج عن بعض المعتقلين. فيما أكد البيت الأبيض رفض التطبيع مع نظام دمشق، موضحًا أنه لم يقم بأي خطوات أو يفي بأي التزامات تدفع نحو مثل هذا الإجراء.

حذرت منظمات حقوقية من مساعي نظام بشار الأسد تلميع صورته وبدء مسار من التطبيع بعد قرار غير واضح وغامض بالإفراج عن بعض المعتقلين

وكان النظام السوري قد أعلن إطلاق سراح عشرات المعتقلين من سجونه بداية الأسبوع على خلفية العفو الرئاسي الذي أصدره رئيس النظام بشار الأسد. وجاء في مرسوم العفو بحسب الصيغة التي نشرها النظام "يمنح عفو عام عن الجرائم الإرهابية المرتكبة من السوريين قبل تاريخ 30 نيسان/أبريل عدا التي أفضت إلى موت إنسان، والمنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012 وقانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949 وتعديلاته".

وقال وزير العدل في حكومة النظام أحمد السيد، إن "المرسوم جاء لأول مرة ليشمل الجرائم الإرهابية، ولم ينص على تشميل جزء من العقوبة، وإنما جاء مطلقًا على كامل العقوبة في الجرائم الإرهابية، عدا تلك التي أدت إلى وفاة إنسان"، مشيرًا إلى أن "العفو لا يؤثر على دعوى الحق الشخصي، وللمتضرر في جميع الأحوال أن يقيم دعواه أمام المحكمة المدنية المختصة". واعتبر السيد أن "المرسوم عبارة عن مصالحة وطنية شاملة لكل أبناء الوطن"، مؤكدًا أنه "جاء تتويجًا لنهج المصالحة والصفح والمسامحة الذي انتهجه النظام عبر العديد من المصالحات في العديد من المناطق السورية".

وسبق لنظام الأسد أن أصدر مراسيم عفو عدة منذ اندلاع الثورة لكنها في كل مرة تضمنت استثناءات كثيرة، إلا أن المرسوم الجديد الذي صدر يُعد بحسب ناشطين حقوقيين الأكثر شمولًا في ما يتعلق بما يطلق عليه النظام بـ "جرائم الإرهاب" كونه لا يتضمن استثناءات كما قضت العادة. في المقابل حذرت العديد من المنظمات الحقوقية من أن النظام يحاول تلميع صورته عبر إصدار مرسوم العفو كمحاولة للتهرب من الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبها في سجونه منذ 2011 .

وقالت "الحملة الدولية لإنقاذ المعتقلين السوريين" عبر منشور على حسابها على  فيسبوك إنها حصلت على أسماء مجموعة من المعتقلين، لكنها لم تستطع التواصل معهم بعد، وذكرت أنها نشرت هذه الأسماء بناءً على حديث مع ذوي وأصدقاء بعض الأشخاص من المعتقلين.

وانتقد المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة محمّد العبد الله طريقة الإفراج عن المعتقلين، وكتب على صفحته على فيسبوك "الافراجات بالسر، بالليل، بالعتمة، تجمع الناس في مراكز إفراج عشوائية"، محذرًا من "فتح باب الشائعات والسمسرة والتلاعب بمشاعر الناس".

كما رأت مديرة منظمة "نو فوتو زون" المعنية بتقديم المساعدة القانونية للمعتقلين والمفقودين وعائلاتهم المحامية نورا غازي أن "مرسوم العفو صدر في توقيت مستفز، كونه يبدو كرد فعل على ما بات يُعرف بمجزرة حي التضامن قرب دمشق". وكانت مقاطع فيديو مروعة تعود للعام 2013 نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية ومعهد "نيولاينز" الأسبوع الماضي، تظهر قيام عناصر من قوات النظام السوري بعمليات إعدام ميدانية لعشرات المدنيين ورميهم في حفرة وإشعال النار في جثثهم.

وحذر المرصد السوري لحقوق الإنسان من "محاولة النظام تلميع صورته عبر إصدار قانون العفو"، وتخوف من "محاولته التهرب من الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبها في سجونه منذ 2011 خاصة أمام توالي التقارير الدولية وضغط المنظمات الإنسانية والحقوقية بخصوص ملف التعذيب والتجاوزات الخطيرة لحقوق الإنسان في السجون والمعتقلات".

وتعتبر الفيديوهات المسربة الأخيرة من بين عشرات الآلاف من الفيديوهات التي تظهر وحشية النظام ضد المدنيين السوريين. وفي هذا الإطار تسعى القاضية الفرنسية كاثرين مارشي أوهيل لجمع الأدلة نيابة عن الأمم المتحدة عن جرائم الحرب المرتكبة في سوريا بعد 11 عامًا من اندلاع الثورة. وأوضحت القاضية في لقاء مع صحيفة "تراو" الهولندية آليات عملها وفريقها في التوثيق واستخلاص الأدلة وتقديمها لـ "الآلية الدولية المحايدة والمستقلة والمساعدة في 96 تحقيقًا في 13 دولة مختلفة".

وقالت القاضية الفرنسية: "الوضع في سوريا خطير، لقد اُرتكبت الجرائم منذ أكثر من عقد، وعادة ما يتم إحالة مثل هذه القضايا إلى المحكمة الجنائية الدولية". وأشارت إلى أنه "طُلب بالفعل من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي التحقيق في الجرائم في سوريا، لكن تلك الجهود فشلت مرارًا وتكرارًا بسبب استخدام روسيا والصين لحق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".

وأكدت  أوهيل أنه "تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية على وجه التحديد لهذه الجرائم لمحاكمة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وحتى الإبادة الجماعية"، وعبرت  القاضية عن غضبها وإحباطها من "الحصار السياسي الذي يمنع تعامل أي محاكم دولية مع الجرائم في سوريا".

وفي تأكيد على ضرورة عزل النظام السوري في وجه المساعي المبذولة لإعادة تأهيله على الساحة العربية والدولية، اعتبرت الولايات المتحدة أن النظام السوري لم يقدم ما يستدعي تطبيع علاقاته مع المجتمع الدولي.

جاء ذلك خلال تصريح لمندوبة واشنطن في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد بمناسبة تولي بلادها الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي في أيار/مايو الجاري. وقالت غرينفيلد "نظام الأسد لم يقدم ما يكسبه الحق في تطبيع علاقاته مع المجتمع الدولي، خاصة وأنه لا يزال يأخذ شعبه رهائن ويواصل انتهاك حقوق الإنسان بحق السوريين". وأضافت "لذلك نعتقد أنه من المهم أن نبذل كل ما بوسعنا من أجل ضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى داخل سوريا".

وكانت الولايات المتحدة قد عبّرت عن خيبة أملها عقب قيام رئيس النظام بشار الأسد بزيارة دولة الإمارات في شهر آذار/ مارس الماضي في أول زيارة له لبلد عربي منذ عام 2011، قائلة إنها "تشعر بالقلق من هذه المحاولة الواضحة لإضفاء الشرعية على الأسد".

اعتبرت الولايات المتحدة أن النظام السوري لم يقدم ما يستدعي تطبيع علاقاته مع المجتمع الدولي

ووفقًا لتقارير حقوقية، فإن إحصاءات مروعة تتحدث عن مئات الآلاف من القتلى، وتدمير للمنشآت المدنية مثل المدارس والمستشفيات وهجمات بالأسلحة الكيماوية وقصف لتجمعات المدنيين بالإضافة لأكثر من 100 ألف مفقود في السجون التي ينتشر فيها التعذيب والتصفية الجسدية، ومع ذلك لا توجد حتى الآن إجراءات واضحة لمحكمة دولية للتعامل مع جرائم النظام السوري.