12-يونيو-2018

اندلع حريق بصناديق الاقتراع في أحد المخازن المخصصة بالعراق (رويترز)

يشهد العراقيون اليوم، لحظة فوضى سياسية ومؤسساتية ربما تفوق الفوضى التي تبعت سقوط النظام على يد القوات الأميركية عام 2003. فمنذ إعلان نتائج الانتخابات، بدأت سلسلة من الأحداث المتسارعة قادت إلى ما حدث في بغداد قبل نحو يومين؛ احتراق صناديق الاقتراع في أحد مخازن وزارة التجارة المستأجر من قبل المفوضية العليا للانتخابات.

يشهد العراق لحظة فوضى سياسية ومؤسساتي ربما تفوق الفوضى التي تبعت الغزو الأمريكي للبلاد في 2003

لا أحد يعرف ما سيحدث في قادم الأيام، ولا حتى كبار رؤوس السلطة والدبلوماسيون المتنفذون داخل البلاد. قصة بدأت باعتراض البرلمان الذي تبقى من عمره أيام معدودة، على نتائج الانتخابات التي أطاحت برئيسه والعشرات من أعضائه، لتنتقل الكرة بين عدة جوانب، حتى تستقر أخيرًا عند المحكمة الاتحادية العليا، والتي قررت أن تعزل مجلس المفوضين وتنتدب تسعة من قضاتها لإدارة مهام المفوضية، بإلغاء النتائج الالكترونية وإعادة العد والفرز اليدوي لأوراق الاقتراع.

اقرأ/ي أيضًا: بقايا حملات الانتخابات العراقية.. مصدر رزق لـ"العتاكة"

لم يكن ذلك كافياً لينهي القصة، فقبل نحو أسبوع، تعرضت مدينة الصدر ذات الأغلبية الصدرية، لانفجار مهول وغامض، تشير التقارير إلى أنه ناتج عن انفجار مستودع سلاح تابع لـ"سرايا السلام"، الجناح المسلح للتيار الصدري، بينما يشكك آخرون بهذه الرواية، ويلمحون إلى مؤامرة قام بها "فاعل" ليقلب الرأي العام على الصدر الفائز بالانتخابات.

ومضت القصة إلى ذروتها هذه الأيام، ليشب حريق كبير بمخزن تابع لوزارة التجارة ومستأجر من قبل المفوضية العليا للانتخابات، لتخزين صناديق الاقتراع الخاصة، بجانب الرصافة من العاصمة، الجانب الذي يضم معاقل التيار الصدري، إذ فازت قائمته "سائرون" في بغداد بـ17 مقعدًا نيابيًا.

كان هذا التسارع في الأحداث ذو وقع غريب على الشارع العراقي، لا سيما الشباب الذين قاطعوا الانتخابات، إذ حولوا الحادثة التي يعتقد أنها ستطيح بالعملية الانتخابية إلى مهرجان سخرية من الفوضى العارمة التي تعيشها العملية السياسية، ومؤسسات الدولة، والبلاد برمتها.

ودشن مدونون عراقيون على موقع تويتر، هاشتاغ "#حركوا_الصناديك"/حرقوا الصناديق، للسخرية من حادث الحريق، الذي عادة ما يُعزا إلى ماسٍ كهربائي. ويفتتح أبو حسين تغريدته بالقول: "تماس كهربائي"، ثم يقول: "هسه عرفتوا الكهرباء ليش ما تجي؟ لأن بس تجي تذبون براسها مصايبكم كلها". فيما يشير علي صاحبن إلى أحد الأمثال الشعبية، قائلاً: "الصندوق اللي يجيك منه الريح، حرقه واستريح".

 

 

 

 

ويذهب بعض المدونين وعدد من الصفحات، إلى التراجيدية في حديثهم، كأنهم يندبون الوطن، إذ يقول حساب "الخوة النظيفة" ذو الشعبية الواسعة في العراق: "نعم #حركوا_الصناديك، ولا نحزن على صناديق مزوّرة، لكنهم حرقوا سيادة بلد وحرية شعب كان يؤمن باختياره وحرقوا مستقبل ديمقراطية نسعى لإنجازها منذ 15 عامًا كي لا نعود للدكتاتورية. لكنهم أعادوننا وبالنار والغضب مرة أخرى!".

 

السياق نفسه جاء في موقع فيسبوك، لكن دون تنسيق، ما يشير بوضوح إلى أن الرأي العام العراق يتطابق اليوم بصفة اليأس، ومواجهة اليأس بالسخرية فقط.

فتقول عذراء ناصر، أستاذة الأدب الإنجليزي بكلية التربية في جامعة بغداد، على حسابها بفيسبوك: "عزيزي المُنتَخب، قبل الانتخابات كنت أقول لك صوتك لن يذهب للشخص الذي انتخبته فما صدقتني. الآن النار أكلت صوتك وكرامتك. نأسف لهذا الخلل الفني".

فيما يسخر الشاعر ميثم العتابي من حادثة الحريق باستفادة من فيلم الرسالة، قائلاً: "تطالبون بمعجزة، هذه هي المعجزة، حريق بصناديق الانتخابات أذلّ كبرياءكم"، مضيفًا: "هذا الحريق الصغير، الحريق الأكبر في الطريق وسيكون على مستوى البلاد".

تعامل الشباب العراقي مع الفوضى الحاصلة في بلادهم بمنطق السخرية اللاذعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي

ويشير إلى الحملات التي دعت إلى المشاركة في الانتخابات تحت مسمى "خل نغير "(لنغير) و"لا تكعد بالبيت" (لا تبقى جالساً في البيت)، بالقول: "لا أدري جماعة خل نغير أو لا تكعد بالبيت، وينهم".

اقرأ/ي أيضًا: "يسار السوشال ميديا" العراقي.. حدود اليأس على ضفاف السخرية

ويذهب الصحفي والمترجم أحمد علاء بعيداً في سخريته؛ إلى مطبخ العائلة العراقية المتعففة، وتحديداً إلى طبق "المحروق إصبعه"، وهو حساء يتكون من الماء والبصل والتوابل فقط، ويسكب على الخبز. يقول علاء: "طبق الإفطار: محروق إصبعه بنفسجي"، في إشارة إلى لون الحبر الذي يكتسي به إصبع الناخب عند الانتخاب.

وتأتي هذه السخرية، غطاءً لترقب ورعب شديدين من الأيام القادمة، وما قد تتمخض عنه من صراعات قد تعيد البلاد إلى أتون الحرب الأهلية. إذ يسرب مطلعون، أن ما يدور في الغرف المغلقة، يشير إلى أن الخيارات السلمية والدبلوماسية شارفت على الانتهاء، فالرابط الوحيد للعملية السياسية العراقية بالديمقراطية هو الانتخابات، وها هي تتلقى اليوم الضربة القاضية.

أما الصدريون، وهم ذوو القاعدة الشعبية الأكبر على مستوى العراق، فلا أحد يعرف مستوى صبرهم وميعاد نفاده، بعد سلسلة من الاستهدافات التي بدأت خلال الحملة الدعائية قبل الانتخابات، وشهدت عدة محاولات اغتيال لمرشحيه، ثم رافقته وصولًا إلى حرق صناديق الاقتراع في أكبر معاقله في العاصمة.

واتهم بيان صادر عن تحالف سائرون القوى الأمنية بـ"التراخي والتواطؤ" بحادثة الحريق، مخاطباً الحكومة بلهجة متشنجة أن يشددوا الحماية على أصوات الناخبين، وأن يفتحوا تحقيقًا جادًا بالحادثة لمعرفة ملابساتها وتسليم الجناة إلى العدالة، مشددين على أن "الحادثة ليست مصادفة وإنما جاءت وفق تخطيط مسبق توفرت له أركان العمل الإجرامي".

بيان تحالف سائرون
بيان تحالف سائرون

لكن الشارع العراقي لا يظهر اكتراثه على أية حال، فهو الذي عاش كل شيء خلال الـ15 عامًا الماضية، فليس أمامه سوى الانتظار ومتابعة ما يجري عن طريق التلفاز أو الإنترنت، والتعامل مع مصيرهم القادم، سواء كان آخر النفق فيه مضاءً أو مظلمًا كالعادة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل العراق دولة؟

آخر مسرحيات خاسري الانتخابات العراقية.. "الشعب الأحمق لم يخترنا"!