05-ديسمبر-2016

رجال سوريون في حلب الشرقية ينقذون أطفالًا بعد قصف روسي استهدف منطقتهم (أمير الحلبي/أ ف ب_Getty)

"إذا لم تخلوا هذه المناطق عاجلًا سيتم القضاء عليكم. ... أنتم تعلمون أن الجميع تخلى عنكم وتركوكم بمفردكم لتواجهوا مصيركم ولن يقدم لكم أحد أية مساعدة".

حلب الشرقية هي الآن بؤرة النزاع السوري، حيث تواجه موجة وراء أخرى من القصف الوحشي الذي يهدد بتحويلها إلى كومةٍ من الإسمنت المحطم

بذلك الاقتباس من المنشورات التي ألقيت على مدينة حلب المحاصرة قبل الهجوم الدموي الأخير بدأت ديانا سمعان، منسقة الحملات بشأن سوريا في منظمة العفو الدولية، مقالها في مجلة فورين بوليسي. خلال الأيام الأخيرة الماضية، تابعت سمعان، أثبتت تلك المنشورات صحتها التي تجاوزت قدرة أي شخص على التخيل، سواءً كان في حلب أو خارجها.

اقرأ/ي أيضًا: جحيم حلب..على نار المفاوضات الروسية

لكن كانت هناك تحذيرات، ولم تكن فقط على هيئة منشورات. بعد خمسة أعوام من الحرب، أردفت سمعان، لا يمكن للعالم الادعاء بافتقاره إلى المعلومات بشأن حاجات السوريين الملحة، أو إلى الفرص للتحرك.

حلب الشرقية هي الآن بؤرة النزاع السوري، حيث تواجه موجة وراء أخرى من القصف الوحشي الذي يهدد بتحويلها إلى كومةٍ من الإسمنت المحطم والغبار. مع الهجوم الأخير للقوات الموالية للحكومة للسيطرة على المنطقة، أصبح الصراع أكثر مرارة ودموية عن أي وقتٍ مضى. خلال أيام، سيطرت قوات الحكومة السورية على مناطق جديدة كانت تسيطر عليها جماعات المعارضة المسلحة، من بينها أحياء جبل بدرو ومساكن هنانو، حيث تعيش 100 أسرة على الأقل. منذ الخامس والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر، أورد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن 25,000 شخص قد فروا من المنطقة المحاصرة.

وأضافت سمعان أن بعض سكان المدينة المحاصرين قد فقدوا أي أمل في حدوث تحرك دولي لإيقاف معاناتهم. "لا يوجد مكان للهروب إليه أو الاختباء"، قال أحد السكان ويدعى نزار. قبل الهجوم الأخير، وتوقعًا لتجدد القصف، قالت ساكنة أخرى، وتدعى أم محمد، إنها تشعر بأنها مسألة وقت "قبل أن تفتح أبواب الجحيم".

باستخفافٍ شديد بأرواح المدنيين والقانون الإنساني الدولي، أشارت سمعان، استخدمت قوات الحكومة السورية وحلفائها الروس قوة نيرانية ضخمة لإيقاع أكبر معاناة إنسانية ممكنة وتدمير البنية التحتية المدنية وفرض حصار تجويع شديد على المنطقة.

وأوضحت سمعان أن المباني السكنية والمشافي والعيادات الطبية والمدارس جميعها تم استهدافها في هجماتٍ غير قانونية. استخدمت القوات المهاجمة البراميل المتفجرة والقنابل العنقودية المحرمة دوليًا، وهو ما يرقى إلى جرائم حرب في حالاتٍ عدة. خطر الهجمات الجوية شديد إلى حد أنه أجبر سكان حلب إلى البقاء في مخابئ مكتظة تحت الأرض.

وقالت سمعان إنه تم استهداف عشرات المشافي في حلب خلال العام الماضي، كان آخرها مدرسة أطفال في حي الشعار الأسبوع الماضي. في آذار/مارس، وثقت منظمة العفو الدولية كيف تم استهداف المنشآت الطبية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة حول حلب كجزءٍ من استراتيجية عسكرية لإفراغ المناطق من السكان من أجل التمهيد لاجتياحٍ بري.

وتابعت سمعان أنه مع خروج آلاف المدنيين من حلب الشرقية، يعيش الكثيرون ممن ظلوا هناك في خوفٍ من الاعتقال العشوائي أو التعذيب أو الاختفاء القسري من قِبل قوات النظام. فر حوالي 8,000 شخص إلى منطقة جامع الشيخ مقصود لأن خوفهم منعهم من الهروب إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام.

وأكدت سمعان أنه في وجه الدمار والمعاناة على مثل ذلك النطاق الواسع، فشل العالم مرة بعد أخرى في مساعدة المدنيين في حلب الشرقية، هو ما يشير إلى عجز النظام الدولي الذي فشل مرارًا في القيام بأي شيء لإيقاف الانتهاكات العديدة للقانون الدولي مع اتجاه الفاجعة السورية إلى الأسوأ على مدار الأعوام الخمسة الماضية.

خلال الأعوام الخمسة الماضية، أسقطت موسكو باستخدام حق الفيتو خمس قرارات كانت تهدف إلى وضع نهايةٍ ما للانتهاكات المروعة في سوريا

اقرأ/ي أيضًا: مجزرة حلب المستمرة..إعدام ميداني للأحياء الشرقية

ورأت سمعان أن روسيا، باستخدامها لحق الفيتو مرة بعد أخرى لحماية النظام السوري، اتخذت مجلس الأمن الدولي رهينةً في يدها. خلال الأعوام الخمسة الماضية، أسقطت موسكو باستخدام حق الفيتو خمس قرارات كانت تهدف إلى وضع نهايةٍ ما للانتهاكات المروعة وتقديم هؤلاء المسؤولين عنها إلى العدالة عبر تحويل الوضع في سوريا إلى محكمة العدل الدولية. في الشهر الماضي، استخدمت موسكو حق الفيتو لرفض قرار كان يهدف إلى إنهاء الضربات الجوية ونزيف الدماء في حلب.

ولفتت سمعان إلى أن قراري مجلس الأمن الدولي، اللذين حملا رقمي 2139 و2165 وتم التصديق عليهما، طالبا بوصولٍ غير مقيد للإغاثة الإنسانية، ورفع الحصار على المدينة، ووقف الهجمات على المدنيين والتعذيب والاختفاءات القسرية. إلا أن هذين القرارين تم انتهاكهما على نحوٍ يومي دون أي عواقب على الفاعلين. وحتى عند عدم استخدامه، أضافت سمعان، كان التهديد بالفيتو الروسي كافيًا لشل مجلس الأمن ومنعه من فرض عقوباتٍ على مسؤولي الحكومة السورية بسبب عدم التزامهم بالقرارين.

وقالت سمعان إن مسؤولي الأمم المتحدة وزعماء العالم قد عبروا عن صدمتهم وغضبهم تجاه استمرار إراقة الدماء، لكن سكان حلب، تابعت سمعان، يحتاجون إلى أكثر من تصريحات إدانتهم.

وشددت سمعان إلى أنه كي يكون هناك أي فرصة حقيقية لإنهاء الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب في سوريا، فإنه يجب اتخاذ تدابير عملية، مثل عقوباتٍ تستهدف المسؤولين الذين أمروا بتلك الهجمات غير القانونية، وحظرٍ شامل على الأسلحة لإيقاف تدفق الأسلحة إلى النظام السوري، وطرقٍ لتقديم مرتكبي جرائم الحرب إلى العدالة.

وتابعت أن قرارًا لمجلس الأمن بتحويل الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية سوف يمثل في الحد الأدنى إشارة إلى أن هؤلاء المسؤولين عن الفظاعات التي وقعت في سوريا لن يفلتوا دون عقاب. بغياب مثل تلك الخطوات، أردفت سمعان، فإن تلك الأهوال سوف تستمر في الانتشار ليس فقط في أنحاء سوريا ولكن في أنحاء العالم.

وخلصت سمعان إلى أن الخيانة القاسية لمدنيي حلب سوف تكون وصمة عار في الضمير الإنساني لأعوامٍ طويلة قادمة، مضيفةً أنه لا شيء يمكن أن يبرر الإخفاقات التي قادت إلى صمتٍ دولي تجاه تلك الفاجعة. واختتمت سمعان مقالها بأن أقل ما يمكننا فعله هو محاولة ضمان أن الأهوال التي تعرضوا لها لن يتم السماح بحدوثها مجددًا.

اقرأ/ي أيضًا: 

حلب..هل تنتهي المقتلة بالتهجير القسري للمعارضة؟