11-أبريل-2025
أيتام الحرب

رسومات للتوأمين مصطفى ومجتبى تُجسد الحرب في السودان (الغارديان)

في مشهد يُجسّد المأساة التي يعيشها المدنيون في السودان، توثق صحيفة "الغارديان" البريطانية رحلة ستة أشقاء أيتام قطعوا مئات الكيلومترات هربًا من جحيم الحرب المستعرة في أم درمان إلى مدينة الجنينة المنكوبة في إقليم دارفور. ومن فقدان الوالدين إلى الوقوع ضحية احتيال المهربين، يروي الأشقاء قصصًا مؤلمة عن الأحلام المعلّقة والتعايش مع الخسارة والعنف.

وقد وصل عدد منهم بالفعل إلى دارفور، الإقليم الواسع في غرب السودان الذي أصبح مرادفًا للتطهير العرقي والمجازر بحق المدنيين والاغتصاب الجماعي والعنف الجنسي، وسط الصراع الدائر بين القوات المسلحة السودانية وميليشيا قوات الدعم السريع، بحسب التقرير.

"كان الوضع مميتًا"

تشير "الغارديان" إلى أن الأطفال الأربعة كانوا متكدّسين على الأرض العارية في منزل مهجور، بعدما قطعوا أكثر من 1600 كم، عندما اضطروا إلى الفرار من منزلهم في المدينة مع اندلاع الحرب في السودان. تقول أسرار (13 عامًا)، وهي جالسة بجوار ثلاثة من أشقائها، التوأمين مصطفى ومجتبى (9 أعوام)، وطفلة تُدعى فاطمة (7 أعوام): "لكننا لم نستطع البقاء، فقد كان الوضع مميتًا للغاية".

في مشهد يُجسد المأساة التي يعيشها المدنيون في السودان، توثق صحيفة "الغارديان" البريطانية رحلة ستة أشقاء أيتام قطعوا مئات الكيلومترات هربًا من جحيم الحرب المستعرة في أم درمان

وخارج المنزل الواقع في مدينة الجنينة المدمّرة بغرب دارفور، كان شقيقان آخران لأسرار يحاولان كسب المال لإطعام الجميع. وفيما يعمل هارون (21 عامًا) مكيانيكيًا، فإن عبد الله (15 عامًا) يجوب الشوارع بحمار يبيع الماء طوال اليوم.

تعليقًا على ذلك، يقول تقرير "الغارديان" إن هؤلاء الأشقاء الستة يمثّلون نموذجًا لصراع مزّق أجزاءً شاسعة من ثالث أكبر بلد في أفريقيا، حيثُ يصادف الأسبوع المقبل الذكرى الثانية لاندلاع الحرب، التي تُعد بالفعل أسوأ أزمة إنسانية في العالم، في الوقت الذي تؤكد جميع المؤشرات أنها تتفاقم.

رسومات بدائية للحرب السودانية

وقدّرت المنظمات الأممية والدولية أن نحو خمسة ملايين طفل قد فروا من منازلهم منذ بدء الحرب في نيسان/أبريل 2023، في حين يحتاج قرابة 14 مليون قاصر إلى مساعدات إنسانية. ولا يحتاج "أيتام الجنينة"، كما يصفهم تقرير "الغارديان"، إلى الكلام لنقل الرعب الذي عاشوه. فخلفهم، على جدار الغرفة التي ينامون فيها، رسومات بدائية تُصوّر المعارك الضارية التي دمّرت حيّهم في أم درمان.

أيتام الحرب
أسرار مع أشقائها التوأم مصطفى ومجتبى (الغارديان)

وفي هذه الرسومات، تظهر دبابات، ومدفعية، وطائرات مُسيّرة، وشاحنات "تِكنيكل" التي تُركّب عليها رشاشات ثقيلة). تقول أسرار إنهم تُركوا وحدهم منذ تموز/يوليو الماضي، عندما توفيت والدتهم عائشة نتيجة إصابتها بمرض الدوسنتاريا، هو مرض معدٍ يصيب الأمعاء خاصة القولون، في منزلهم بأم درمان.

تقول الفتاة لـ"الغارديان: "لم يكن هناك مكان نعالجها فيه. مرضت ورحلت خلال يومين"، فيما يضيف هارون، الذي كان عائدًا إلى المنزل بعد انتهاء نوبة عمله في الورشة "لقد دُمرنا نفسيًا بعد وفاتها".

وبحسب ما قال هؤلاء الأشقاء للصحيفة البريطانية، فإن والدهم اختفى قبل الحرب، وأضافوا غادر المنزل ذات يوم ولم يعد قط، ولم يتمكن أبناؤه منذ ذلك الحين من التواصل معه عبر الهاتف، مرجحين وفاته. ومع اشتداد القتال في أم درمان، فقد الأطفال منزلهم واضطروا للعيش في شوارع المدينة المدمرة.

الطريق أشبه بمدينة أشباح

ومن خلال رسومات على الجدران، رسم معظمها مصطفى ومجتبى، يروي هارون كيف تعرض حيّهم لهجمات مُسيّرة متكررة: "كان القتال قريبًا جدًا ولم نستطع البقاء هناك"، لافتًا إلى أن شقيق آخر لهم يقيم في ليبيا أرسل مبلغًا ماليًا عبر الهاتف دفعوه لسائق ليقلهم إلى الجنينة، المدينة التي تنحدر منها أسرتهم، وتعيش فيها شقيقتهم الكبرى، إسراء (30 عامًا).

وفي رحلتهم عبر البلاد الشاسعة، واجهوا عشرات نقاط التفتيش، ومروا ببلدات خالية من سكانها، وسط تقارير تشير إلى نزوح نحو 13 مليون شخص منذ اندلاع الحرب. يصف هارون المشهد للصحيفة البريطانية قائلًأ: "معظم الطريق كان أشبه بمدينة أشباح".

أيتام الحرب
رسومات مصطفى ومجتبى على الجدران (الغارديان)

ومع ذلك، ورغم أنهم دفعوا للسائق مسبقًا، لكنه تخلّى عنهم في الطريق. يقول هارون: "تركنا هناك دون شيء". وتابع مضيفًا "كنا قد دفعنا له، ولم يتبقَ معنا مال، فاضطررنا إلى بيع عطور وملابس والدتنا لنعيش على الفول". وفي نهاية المطاف، تبرّع غرباء ببعض المال لمساعدتهم على إكمال الطريق إلى الجنينة، واضطر الأطفال للنوم في الشوارع لأسابيع.

الحياة في الجنينة لا تخلو من المخاطر

ووفقًا لـ"الغارديان"، عند وصولهم إلى مدينة دارفور في آذار/مارس الماضي، لم يعثروا على شقيقتهم الكبرى، ويعتقد الأشقاء الستة أنها فرت إلى تشاد المحاذية للسودان غربًا. وأضافوا أنهم وجدوا منزلها مدمرًا، مما دفع بهم الانتقال إلى منزل مهجور قريب تم نهبه بالكامل، حيث يُشكل سجاد بال فراشهم الوحيد.

ورغم فرارهم من أم درمان، فإن الحياة في الجنينة لا تخلو من المخاطر، كما تقول الصحيفة البريطانية. إذ إن المدينة شهدت العديد من جرائم الحرب، بما في ذلك واحدة من أسوأ المجازر خلال الحرب، حين اجتاحت قوات الدعم السريع المدينة عام 2023 في موجة من العنف والنهب والاغتصاب، أسفرت عن مقتل نحو 15 ألف شخص.

بالنسبة لهؤلاء الأيتام، تبدو آمالهم بمستقبل مستقر شبه معدومة. ومع اقتراب الحرب من عامها الثالث، بات 17 مليون طفل سوداني خارج مقاعد الدراسة، وفقًا لتقرير الصحيفة البريطانية.

أيتام الحرب
هارون شقيق العائلة الأكبر (الغارديان)

يقول هارون إنه تخلى عن حلمه بأن يصبح مهندسًا كي يتمكن من رعاية إخوته الصغار، وتابع مضيفًا "أريد تسجيل إخوتي في المدارس من جديد. لقد فاتتهم سنتان من التعليم، وأتمنى أن يعودوا إلى التعلم".

تختم "الغارديان" تقريرها لافتة إلى أن الجيران يتقاسمون مع الأشقاء الستة القليل مما يملكون، مثل الخبز والحساء والفول والعدس، لكن البقاء على قيد الحياة يمثل تحديًا يوميًا. يقول هارون في نهاية حديثه: "نعيش على أمل انتهاء هذا الكابوس قريبًا".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قد حذَرت في وقت سابق من أن أكثر من 3 ملايين طفل دون سن الخامسة في السودان يواجهون خطر سوء التغذية الحاد خلال عام 2025، في ظل الصراع العنيف، وتفاقم أوضاع النزوح. وأكدت المنظمة، عبر منصة "إكس"، دعمها للعيادات الطبية لتوفير رعاية غذائية منقذة للحياة للأطفال المتضررين.