26-مايو-2022
تكرار للمشاكل وغياب للحلول في منتدى دافوس (Getty)

تكرار للمشاكل وغياب للحلول في منتدى دافوس (Getty)

بدأ قبل أيام منتدى الاقتصاد العالمي 2022 في دورته الـ 71، في مدينة دافوس السويسرية، والذي عاد للانعقاد بعد توقف عامين، نتيجة تفشي فيروس كورونا، ويُشارك فيه 2500 شخص من بينهم حوالي 50 رئيس دولة و300 ممثل حكومي، و1250 من مدراء الشركات الخاصة، و100 مبتكر ورائد في مجال التكنولوجيا، و200 ممثل عن منظمات المجتمع المدني، و400 صحفي. ويبلغ عدد جلسات المنتدى حوالي 200 جلسة على مدار خمسة أيام. ويقام المؤتمر تحت عنوان "التاريخ يقف عند نقطة تحول.. السياسات الحكومية واستراتيجيات الأعمال"، فيما يجيء في ظل تبعات انتشار جائحة كورونا، والحرب الروسية على أوكرانيا، وتوترات مرتبطة في تخوف من تحرك صيني ضد تايوان.

بدأ قبل أيام منتدى الاقتصاد العالمي 2022 في دورته الـ 71، في مدينة دافوس السويسرية، والذي عاد للانعقاد بعد توقف عامين

انعكست هذه الأحداث السياسية على المؤتمر منذ يومه الأول، وبالأخص الحرب في أوكرانيا، التي قال عنها مؤسس المنتدى كلاوس شواب: "هذه الحرب هي حقًا نقطة تحول في التاريخ، وستعيد تشكيل المشهد السياسي والاقتصادي في السنوات القادمة". فيما كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أول متحدث في المنتدى، وطالب في خطابه بفرض المزيد من العقوبات على روسيا.

ويعتقد مؤسس المنتدى أن الدورة الحالية هي الأهم منذ تأسيس المنتدى. إذ ظهر خطابه في المنتدى وكأنه بيان حول التاريخ والتحولات العالمية، حيث قال إن التاريخ سيظهر أن الحروب الروسية على أوكرانيا، ستشكل انهيارًا لنظام ما بعد الحرب العالمية الثانية وما بعد الحرب الباردة، ولذلك يعتبرها لحظة تحول. قبل أن يعرج على انتشار كوفيد-19 الذي أشار من خلاله إلى ضرورة تطوير الأنظمة الداعمة للحياة. كما قدم تحذيرًا مرتبطًا بالتحولات المناخية، قائلًا إن البشرية تمتلك سنوات قليلة من أجل تغيير مسارها قبل أن تنفذ الفرص، وتابع حديثه عن الاقتصاد العالمي غير المتوازن والتضخم الكبير وعدم المساواة والنمو غير الكافي.

ما قدمه شواب وما يحمله عنوان المنتدى الذي ينطوي على بلاغة أقرب للثورية عند الحديث عن نقطة تحول في التاريخ، يظهره كأنه لحظة حاسمة للبشرية وفرصة إنقاذ حقيقية. مع ذلك، كما كتب لاري إليوت في صحيفة الغارديان، فإن المنتدى قد يحرز بعض التقدم على مستوى الأزمة المناخية، لكنه غير ذي صلة في عالم متغير مثل الذي نعيشه اليوم. ويضيف أن المنتدى لطالما كان مكرسًا للعولمة وحريصًا على الحديث عن الأزمات الشائعة مثل معالجة الاحتباس الحراري واللامساواة، مع ذلك فالسؤال الذي لا بد من طرحه، هو حول كيفية تأقلم المنتدى مع عالم مجزأ تتراجع فيه العولمة، مشيرًا إلى أنه في الدورة السابقة منه، التي عقدت افتراضيًا، كان المتحدث الرئيسي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أما في العام الحالي فلم يتم دعوة أي روسي. كما يذكر أن الرئيس الصيني ألقى قبل 5 سنوات خطابًا مؤيدًا للعولمة، ومن غير المتوقع أن يكرره في هذه الأيام.

أما التناقض الواضح في المنتدى، فيظهر كما يعبر عنه وزير بريطاني سابق، قائلًا "أصبح الأمر سخيفًا، يسافر مدراء تنفيذيون على متن طائرات خاصة إلى سويسرا، ثم يتحدثون عن زراعة ملايين الأشجار من أجل محاربة انبعاثات الكربون".

نفس التشاؤم جاء على لسان الاقتصادي المصري محمد العريان. فقد كتب في موقع بلومبرغ مقالًا بعنوان "اجتماعات دافوس مليئة بالامكانيات، ولكن نادرًا ما تكون مليئة بالحلول". ويبين العريان أن الاجتماع الحالي يأتي مع قائمة من المشاكل الاقتصادية الطويلة، مثل ترافق أزمة الغذاء والنمو والطاقة مع بعضها مما يهدد العديد من الدول الفقيرة بالمجاعات، بالإضافة إلى وصول التضخم إلى أعلى مستوياته منذ 40 عامًا في العديد من الدول، وأزمات سلاسل التوريد وعدم التعامل مع المشاكل المناخية.

يشير العريان إلى أن كل الحاضرين في المنتدى يتفقون على الأزمات السابقة، بل قد يضيفون إليها أزمات أخرى، لكن الخلافات بينهم سوف تؤدي إلى إشكاليات مثل تقويض المسؤولية المشتركة عنها، وتآكل الثقة في النظام الدولي الحالي. وفي حال عدم حل الخلافات، سوف تتعمق آثار وأضرار هذه الأزمات. مضيفًا أن المنتدى فرصة مناسبة لحل الخلافات والأزمات لكن التاريخ لا يشجع على التفاؤل، إذ بقيت المصالح الفردية والجماعية متناقضة دون تسوية. بناءً على ذلك يختتم المقالة، بإشاراته إلى أن المنتدى يمتلك فرصةً من أجل إيجاد الحلول وليس تحديد المشاكل، وإلّا سوف يتحول إلى شبكة ونادٍ اجتماعي.

أما المنسقة العالمية لتحالف مكافحة عدم المساواة جيني ريكس، فقد نشرت مقالًا بعنوان "دافوس مات"، التي تشير إلى أنه في وسط الجائحة والأزمة المعيشية لم يعد لدى الناس القدرة على الصبر، مشيرةً إلى فشل السياسات العالمية والحكومية في مكافحة الجائحة، بالإضافة إلى عدم القدرة على حماية الناس من الأزمات المترافقة مثل التضخم وارتفاع أسعار الطاقة. ورغم ذلك، فقد استطاع أغنياء العالم مضاعفة ثروتهم خلال الجائحة. ففي منتدى دافوس يحضر الرئيس التنفيذي لشركة فايزر ألبرت بورلا الذي حقق أرباحًا طائلة خلال عام 2021 واستفاد من الجائحة ولن يكون مهتمًا في إيجاد تغييرات منهجية من أجل إنهاء اللامساواة.

وتطرح ريكس مثالًا على السياسيين البريطانيين الذي يحضرون دافوس، رغم ارتفاع فواتير الطاقة مما دفع الناس للمفاضلة ما بين التدفئة والطعام، فيما تقاوم الحكومة البريطانية فرض ضرائب إضافية على شركات النفط والغاز. وتقول إن الجمهور البريطاني يفضل أن يقوم قادته بفرض ضرائب على الشركات التي تستفيد من أزمة ازدياد تكلفة المعيشة بدلًا من إضاعة الوقت في سويسرا ومناقشة اللامساواة والاستدامة مع مدراء تنفيذين لشركات تعمل على تعميق اللامساواة. مضيفةً أنه حتى في وسط الجائحة التي تتطلب تفكيرًا وحلولًا جذريًا للامساواة، يتشبث قادة الدول في كافة أنحاء العالم بالحلول النيوليبرالية مثل تخفيض الضرائب على الشركات.

وتقدم ريكس مثالًا على تخفيض ضرائب الشركات في زامبيا، الغنية في المعادن، ورغم ذلك يعيش معظم الناس في فقر مدقع ويتحملون عبء زيادة الأسعار. مبينةً أن الحل لا يتمثل في دافوس، بل في زيادة الضرائب على الأغنياء. أما المفارقة فأن هناك مجموعةً من أصحاب الملايين المشاركين في منتدى دافوس، ممن يحتج نشطاء من اليسار في مظاهرات من أجل زيادة الضرائب عليهم.

يسافر مدراء تنفيذيون على متن طائرات خاصة إلى سويسرا، ثم يتحدثون عن زراعة ملايين الأشجار من أجل محاربة انبعاثات الكربون

كما نشرت الكاتبة جوليا هورويتز مقالًا بعنوان "لقد عاد دافوس وتغير العالم، هل لاحظت النخبة العالمية ذلك؟". حيث تشير إلى عدم منطقية دعوة أثرياء العالم للمنتدى، ففي خلال الجائحة ضاعفوا ثرواتهم بشكلٍ كبير، وفي الوقت نفسه، تم دفع الملايين من الناس إلى الفقر، مشيرةً إلى أن أعوام الجائحة وضحت بشكلٍ درامي ما كان صحيحًا، وهو أن الطبقة الثرية في العالم تزيد ثراء وتترك العالم وراءها، من خلال الدوس على أعناق الجميع.