17-أغسطس-2016

مقاتلو وحدات حماية الشعب في أحد شوارع منبج (أ.ف.ب)

خرج تنظيم الدولة الإسلامية أخيرًا من منبج، وما تأخرت بفعله قوات سوريا الديمقراطية لمدة أشهر بتقدمها البطيء أُنجز نهائيًا قبل عدة أيام، فظهر سكان المدينة من العرب على شاشات الفضائيات وقد بدا على وجوههم الفرح الغامر بالخلاص من الأصولية التي أثقلت كهولهم فترة طويلة من الزمن.

بعيدًا عن أجواء الاحتفال وصور المقاتلات الكرديات "الجميلات"، تحتل منبج أهمية استراتيجية للاعبين الأساسين في الأزمة السورية، كما أنها ستكون بمثابة اختبار للنوايا والتوافقات التي سارت وتسير بوتيرة مرتفعة هذه الأيام، وآخرها التقارب الروسي التركي الأخير.

كل ما يشغل بال الأكراد في الشمال هو إقامة كيان كردي في تلك المنطقة، وهذا هو الحافز الذي تعدهم به الولايات المتحدة في بعض الأحيان في الاجتماعات المغلقة، أو ترفضه بخجل في العلن

يظهر التعاون الكردي الأمريكي والروسي بدرجة أقل حجمًا من خلال الاستفادة من الأكراد في سوريا، حيث إن قواتهم تحارب تنظيم الدولة الإسلامية وبتنسيق تام مع واشنطن دون الالتفات إلى النظام السوري في دمشق ودون إزعاج حلفائهم بمصير الأسد، بل إن كل ما يشغل بال الأكراد في الشمال هو إقامة كيان كردي في تلك المنطقة، وهذا هو الحافز الذي تعدهم به الولايات المتحدة في بعض الأحيان في الاجتماعات المغلقة، أو ترفضه بخجل في العلن.

اقرأ/ي أيضًا: منبج.. هل تسقط "لندن الصغرى" بيد الأكراد؟

لاشك أن المشروع الكردي المزعوم يشكل خطرًا وجوديًا على أنقرة وطهران على حد سواء، وإن كانت تركيا الأكثر تضررًا بحكم التركيبة الديموغرافية للسكان وتواجد تنظيم قوي كحزب العمال الكردستاني داخل الأراضي التركية وعلى الحدود الجنوبية، ومن هذا المنطلق تشترك القوتان الإقليميتان في التوجس من ما بعد "تحرير" منبج.

ما يحدث الآن في منبج من سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "ذات الأغلبية الكردية" وأقصد وحدات حماية الشعب الكردي، الذراع العسكري لحزب العمال الكردستاني في سوريا بقيادة صالح مسلم، سيوضح لنا ردة فعل الولايات المتحدة على التقارب التركي الروسي الذي يقضي جزء منه على ما يبدو بعدم تمدد الأكراد إلى ما بعد منبج ويقضي برجوع تلك القوات عن المدينة وتركها للعرب الأغلبية الساحقة فيها.

سننتظر لنرى إذا كان الأكراد سيتجهون إلى جرابلس الخط الأحمر القاتم للأتراك والذي لن يصمت أردوغان عن اختراقه كما تقول دوائر صنع القرار في أنقره، وهذا يعني أن إدارة أوباما ستواصل الضغط على تركيا وتتجاهل التقارب الروسي التركي وتدفع الطرفين للعودة إلى رؤيتها فيما يخص الأزمة السورية وتحديدًا المنطقة الشمالية.

السيناريو الآخر هو انسحاب قوات سوريا الديمقراطية خارج منبج، وهذا يعني أن الولايات المتحدة راضية عن جزئية تحرك الأكراد في الشمال السوري المتفق عليها بين الطرفين، وأن التنسيق الروسي التركي يقع ضمن دائرة مصالح واشنطن.

ما تريده الولايات المتحدة في هذا الوقت هو توحيد الصفوف لقتال تنظيم الدولة الإسلامية وكسب ورقة رابحة في الانتخابات الأمريكية المقبلة للديمقراطيين، ولربما يكون التواجد الكردي وتمدده في الشمال هو الضاغط الأكبر لجمع تركيا وإيران خلف واشنطن في حربها ضد داعش.

باعتقادي أن التطورات السريعة التي تعصف بالشمال السوري سواء كان في حلب المدينة أو في ريفها الشمالي، إضافة إلى هذا الحراك الكبير بين الأطراف الإقليمية على الصعيد السياسي، سيكون له الأثر الأكبر في تحديد ملامح الصراع وطرق التسوية.

اقرأ/ي أيضًا:
دولة الأكراد في سوريا.. أقرب من أي وقت مضى
نوّاب سنة وكرد يخشون العودة إلى بغداد