استبقت إيران جلوسها على طاولة المحادثات مع الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) حول برنامجها النووي بمناوراتٍ عسكرية جوية، تُريد من خلالها طهران إيصال مجموعة من الرسائل للمجتمعين في جنيف ومن ورائهم الإدارة الأميركية القادمة برئاسة دونالد ترامب.
ولعلّ أولى تلك الرسائل وأكثرها وضوحًا أنّ إيران قادرةٌ على حماية منشآتها النووية من أي هجومٍ قد يستهدفها. أمّا الرسالة المبطّنة في تلك الرسالة فتتمثل في أنّ كُلفة الخيار العسكري ضدّ إيران ستكون باهظة، ولن تتوقف على إيران بل ستشمل منطقة الشرق الأوسط بأكملها. وتتوقع إيران، بناءً على ذلك، أنْ لا تُغامر الأطراف الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، بالحل العسكري وأن تمنح فرصةً جديدةً للديبلوماسية للتوصل إلى اتفاق نووي جديد.
مناورات الدفاع الجوي
أطلقت إيران اليوم الأحد سلسلة مناورات جوية دفاعية في شمال البلاد وغربها حول منشأتين نوويتين هما "خنداب وفرود" الواقعتين وسط إيران، وجاءت هذه المناورات ـ التي مُنحت اسم "اقتدار" ـ لتُكمل ما بدأه الحرس الثوري الإيراني أيضًا من مناورات خلال الأسبوع الماضي لحماية منشأة نطنز النووية الواقعة في أصفهان وسط إيران والتي تعد أهم منشأة نووية لتخصيب اليورانيوم في إيران.
ولا يمكن فصل هذه المناورات المتواترة عن سياقها المتمثل في تصاعد التهديدات الإسرائيلية والأميركية بضرب منشآت إيران النووية من جهة، وعن محادثات جنيف التي تبدأ غدا الإثنين مع الترويكا الأوروبية التي تراهن عليها إيران في دفع المسار الديبلوماسي قُدمًا بالنظر إلى اختلافها مع وجهة نظر ترامب الذي صرّح أكثر من مرة بأنّه سيمارس ضغوطًا بالغة القسوة على إيران وليس مستعدًّا بقبول أي برنامج إيراني نووي سلمي أو غير سلمي، في الوقت الذي يدفع فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى استعمال القوة العسكرية لتصفية المشروع النووي الإيراني واقتلاعه من جذوره.
تأمل إيران والترويكا الأوروبية أن تُمنَح الدبلوماسية فرصةً جديدة لإحياء الاتفاق النووي
وكان الجيش الإيراني قد أكد في بيانٍ نشره بالتزامن مع إعلان المناورات الجوية التي يقوم بها سلاح الدفاع الجوي أنّ المناورات تجري في "ظروف حقيقية بالكامل، وذلك بمشاركة وحدات صاروخية ورادارية ووحدات الحرب الإلكترونية ومنظومات الدفاع الجوي وطائرات مأهولة ومسيّرات للسلاح الجوي". في إشارة إلى ضخامتها وأنه تجسيد حقيقي لاستراتيجية دفاعية متكاملة من أجل حماية المنشآت النووية.
وعبّر التلفزيون الإيراني عن ذلك بوضوح أكثر بقوله إن لهذه المناورات أهداف تتمثل في "معرفة مستوى التأثير العملي لمشاريع الدفاع الجوي أمام هجمات العدو"، إضافةً إلى التأكد من "الإحاطة الاستخبارية وتقييم قابلية اكتشاف الأهداف الجوية المهاجمة عبر أجهزة الرادار والتنصت والرصد والتتبع والاستشعار، وتقييم الأداء التكتيكي والتقني في ظروف الحرب الحقيقية للدفاع الجوي وإجراء تدريبات للدفاع السلبي".
تجدر الإشارة إلى أن منشأة "فوردو النووية" تعدّ الأكثر تحصينًا من بين جميع المنشآت النووية الإيرانية، حيث تم إنشاؤها على عمق 90 مترًا داخل الجبال في محافظة قم. أما منشأة خنداب النووية فتعدّ واحدة من بين أكبر منشآت إيران وأقدمها، حيث بدأت عملية إنشائها في العام 1998 لتفتتح بعد ذلك بـ8 سنوات تقريبًا في العام 2006.
المحادثات مع الترويكا الأوروبية
لم تحقق محادثات الجولة الأولى بين الترويكا الأوروبية وإيران في جنيف بتاريخ 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 أي اختراق يذكر، ولذلك يُراهن الإيرانيون والأوروبيون على اجتماع يوم غد لتحقيق ما عجزوا عنه في اجتماعهم الفائت، فالجميع يعلمون أنّه بعد تنصيب ترامب 20 كانون الثاني/يناير ستكون الأمور أكثر تعقيدًا وستتقلص فرص إنقاذ الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب في عهدته الرئاسية الأولى ولم تتمكن إدارة بايدن من العودة إليه، لكنّ الترويكا الأوروبية التي كانت مشاركةً في اتفاق 2015 تعتقد أن الإدارة الجديدة في إيران برئاسة مسعود بزشكيان لديها رغبة في إحياء الاتفاق، ولذلك تجتهد في إعطاء الدبلوماسية فرصةً أخيرة لتجنّب اللجوء إلى خيار عسكري قد لا تكون نتائجه مضمونةً.