12-سبتمبر-2019

علم الجبل الأصفر (تويتر)

إعداد: حسام الهندي ومحمد العتر

قطعة أرضٍ صغيرة نسبيًا، على الحدود بين مصر والسودان، وأحد أطرافها يلامس مثلث حلايب وشلاتين التابع لمصر سياسيًا وإداريًا فيما يطالب السودان بالتحكيم الدولي على ملكيته.

قبل أيام قليلة، أُعلن بشكل مفاجئ، تأسيس مملكة الجبل الأصفر في منطقة بئر الطويل التي لا سيادة عليها، بين مصر والسودان

قطعة الأرض هذه، والتي تبلغ مساحتها حوالي 2060 كيلومتر مربع، وتُعد ممرًا تقليديًا منذ القدم لتجارة الإبل بين مصر والسودان، لا تريدها مصر ولا السودان، لذا فهي بحكم القانون الدولي "أرض مباحة"، لا تعترف مصر ولا السودان، ولا أي دولة في العالم -حتى الخميس الماضي- بالسيادة عليها. هذه الأرض، والتي تعرف بـ"بئر الطويل" أو "بارتازوجا"، أُعلنت عليها أخيرًا دولة، ليست الأولى، لكنها الأكثر جديةً على ما يبدو.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة جيوسياسية كبيرة حول السيطرة على النهر العظيم

على مدار سنوات، وكونها واحدة من الأراضي القليلة في كوكبنا، غير الخاضعة لسيادة أي دولة؛ كان مغامرون وباحثون عن الشهرة، يأتون لبئر الطويل ويرفعون عليها أعلامًا من صنعهم، ويعلنون ممالكهم عليها، قبل أن يطويها النسيان سريعًا.

بئر الطويل

لكن يوم الخميس الماضي، بدأ شيء مختلف بدرجة ما، في الحدوث، حيث أعلنت مملكة "الجبل الأصفر" بمؤتمر من أوديسا في أوكرانيا، بإعلان اسم الملك، ورئيس الوزراء، ثم لحقه تسمية عدد من أفراد الحكومة، ووضع دستور وقوانين قيد التشكيل.

الجبل الأصفر.. أحدث مملكة في العالم

في مقطع فيديو بثته في السادس من أيلول/سبتمبر الجاري، من مدينة أوديسا الأوكرانية. أعلنت اللبنانية الأمريكية نادرة عواد ناصيف، عن تأسيس مملكة الجبل الأصفر في منطقة بئر طويل على الحدود المصرية السودانية. 

وأعلنت ناصيف نفسها رئيسة الوزراء في المملكة، وعاهلها هو عبد الإله بن عبدالله آل أوهيم. لا يعرف شيء عن "ملك" المملكة الأحدث في العالم، ولا عن جنسيته الأصلية.

ووفقًا لناصيف وحسابات المملكة على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد جرى الإعلان عن تأسيس الجبل الأصفر رسميًا، في مؤتمر حضره ممثلون عن 24 دولة ومنظمة دولية.

لكن المثير في هذه المملكة، فضلًا عن تأسيسها المفاجئ، أنها، وفقًا لبيان ناصيف وما يرد في حساباتها على السوشال ميديا، سيكون مواطنوها من المهاجرين واللاجئين والبدون في المنطقة العربية، وبهذا فهي تقدم نفسها حلًا لمشكلة اللهجرة واللجوء المتفاقمة في المنطقة خلال السنوات الماضية. 

وقالت ناصيف: "ستكون المملكة (الجبل الأصفر) حلم كل عربي يفكر في سبيل لمساعدة المهجّرين"، مضيفةً: "إعلان مملكة الجبل الأصفر وتحصينها، ضرورة ملحة لأنها باختصار هي الحل لهذه الأزمة (أزمة المهاجرين واللاجئين)".

من هي نادرة ناصيف؟ 

أمريكية من أصول لبنانية. حصلت على درجة البكالوريوس في الأحياء عام 1986، ثم الماجستير في تنظيم المؤسسات والريادة الدولية، فالدكتوراه في التعليم الدولي. 

لها حضور على الصحف ووسائل الإعلام الخليجية، السعودية منها تحديدًا. وقد سبق أن أعلنت دعمها لرؤية محمد بن سلمان "2030".

وبالجملة، يمكن القول أنها شخصية مغمورة إلى حد ما، لكنها مثيرة للجدل بالألقاب التي تصف نفسها بها، وبتصريحاتها، والتي من بينها الادعاء بأنها مؤسسة تيار المستقبل اللبناني برئاسة سعد الحريري، الأمر الذي دفع التيار إلى الإعلان عن أن ناصيف "لا صفة تنظيمية لها في التيار".

ملكٌ مُختلفٌ فيه

أعلنت نادرة ناصيف، في البيان الذي قالت إنه بالنيابة عن ملك المملكة الحديثة، إن العاهل الملكي للجبل الأصفر يُدعى عبدالإله بن عبدالله آل وُهيم. 

لا يُعرف شيء حتى الآن عن عبدالإله آل وُهيم. ورغم أن حساب الجبل الأصفر على تويتر، أفصح عن أسماء عددٍ من الوزراء في الحكومة، ونشر تصريحات وبيانات على لسانهم، إلا أنه لم يُشر إلى أي معلومة تتعلق بعبد الإله بن عبدالله آل وُهيم، ولم يُذكر اسمه لاحقًا، وفي المرة الوحيدة التي جاء ذكر "الملك" لم يُذكر اسم عبدالإله آل وُهيم، وذلك حين قالت ناصيف إن ملك الجبل الأصفر وعدد من أعضاء الوزارة سيخرجون في مؤتمر صحفي قريبًا.

 

 

لاحقًا على إعلان تأسيس الجبل الأصفر، ترددت عبر مواقع التواصل الاجتماعي أسماء أخرى للملك، لا يمكن التأكد من صحة أي منها، ولم تنف أو تثبت حسابات المملكة أيًا منها!

 

 

 

 

 

 

الأرض المباحة

الأرض المباحة، هي الأرض التي لا تقع ضمن سيادة أي دولة، تمامًا مثل بئر الطويل، أرض لا ترغب فيها أي دولة، بما في ذلك مصر والسودان، المحصورة بينهما.

ويرجع عدم الاعتراف من قبل مصر أو السودان بالسيادة على بئر الطويل، النزاع على منطقة مثلث حلايب وشلاتين بمساحة 20580 كيلومتر مربع، أي تقريبًا عشرة أضعاف مساحة بئر الطويل.

وفي حين تستند مصر في إثبات حقها بالسيادة على حلايب وشلاتين (وهي سيادة قائمة الآن بحكم الأمر الواقع) على اتفاقية حدود 1899، التي تضع المثلث ضمن السيادة المصرية، وتضع بئر الطويل ضمن الأراضي السودانية، يستند السودان إلى اتفاقية عام 1902، ليقع العكس، أي حلايب وشلاتين ضمن السيادة السودانية، وبئر الطويل ضمن السيادة المصرية.

وفي حين يطالب السودان بالتحكيم الدولي على حلايب وشلاتين، تخضع المنطقة للسيادة السياسية والإدارية لمصر بحكم الأمر الواقع.

وعلى ذلك، فإن التبرأ من السيادة على بئر الطويل، ليس أمرًا عابرًا في سياسة الدولتين، حتى أن غرفة السياحة المصرية، أصدرت في 2015 بيانًا يحظر على شركات السياحة تنظيم رحلات سياحية إلى بئر الطويل الواقعة "جنوب خط عرض 22 شمالًا، خط الحدود السياسية بين مصر والسودان"، وفق ما جاء في البيان.

وبسبب ذلك، كانت تلك الأرض جاذبة لعدد من الرحالة والمسافرين، أن يعلنوا تأسيس دول فيها. من هؤلاء المواطن الأمريكي جيرمي هيتون، الذي أعلن في حزيران/يونيو 2014، تأسيس مملكة شمال السودان في بئر الطويل.

أسس هيتون مملكة بأن غرس فيه راية صنعتها ابنته التي كانت آنذاك في السابعة من عمرها، ونصبها أميرة على مملكته التي أعلنها فقط لتحقيق أمنية ابنته بأن تصبح أميرة.

ثم في 2015، أعلن العراقي المقيم في بروكسل، أمير حياوي، إقامة دولة "بيرلاند" في منطقة بئر الطويل. وفي 2017، أعلن الهندي سوياشي ديكسيت تأسيس مملكة ديكسيت في نفس المنطقة.

 

 

من يقف حقًا وراء الجبل الأصفر؟

حتى الآن لم يصدر أي تعليق رسمي من قبل مصر أو السودان، الأمر الذي يرجعه البعض إلى ربما تريث الدولتين حتى تتكشف مزيد من المعلومات عمن يقف وراء هذه المملكة المزعومة، خاصة مع تعدد محاولات تأسيس دول في هذه المنطقة، في إطار فكاهي.

لكن في الواقع، لا يبدو، حتى الآن على الأقل، أن الجبل الأصفر محاولة فكاهية أخرى بحثًا عن الشهرة، أو حصد تفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يثير مخاوف كبرى لدى باحثين ومعلقين سياسيين من الجبل الأصفر.

ووفقًا لوزير الخارجية السوداني الأسبق، الدرديري محمد أحمد، في حوار له مع صحيفة "الانتباهة" السودانية، فإنه "لم يعد في القانون الدولي أرض مباحة"، موضحًا: "لا توجد منطقة ليست خاضعة لسيادة دولة ما، حتى في حالات النزاع، لأن النزاع في النهاية ينتهي بالتسوية". 

وعن حالة بئر الطويل، قال الدرديري: "يرفض كلا البلدين (مصر والسودان) الاعتراف بسيادتها على بئر الطويل. لكن ذلك لا يمنح لطرف ثالث الحق في ادعاء ملكيته لها أو سيادته عليها، فالأرض إما سودانية أو مصرية".     

وعقب انتشار إعلان تأسيس الجبل الأصفر، نشطت حسابات خاصة بالمملكة الحديثة على مواقع التواصل الاجتماعي. حاول "الترا صوت" التواصل مع هذه الحسابات، ومع نادرة ناصيف، لكن لم يتلق أي ردود.

فثمة العديد من الأسئلة المطروحة حول الجبل الأصفر، والتي أثارها متابعون وباحثون ومعلقون سياسيون، خاصة وأن ما كُشف من معلومات عنها قليل حتى الآن، فرغم ورود أسماء بعض أعضاء الحكومة، إلا أنه لا معلومة حول الملك، ولم تُذكر أسماء الدول التي قيل إنها حضرت مؤتمر الإعلان عن الجبل الأصفر.

وأكثر ما أثار المخاوف في إعلان تأسيس الجبل الأصفر، أن تسعى لتوطين اللاجئين والمهاجرين العرب، الأمر الذي رأى فيه البعض محاولة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وربطها البعض بما يُعرف إعلاميًا بـ"صفقة القرن" التي لا يتوفر عنها معلومات سوى عن شقها الاقتصادي الذي أعلن عنه فيما عرفت بـ"ورشة المنامة".

وكان من أبرز المعلقين على إعلان الجبل الأصفر، رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في مصر، هاني رسلان.

وتناول هاني رسلان قضية المملكة الحديثة في سلسلة من التدوينات عبر صفحته بفيسبوك، كتب في إحداها: "لفت نظرى حالة الاستخفاف والاستهانة التى بادر بها البعض من الأصدقاء المحترمين، تجاه الإعلان عما يسمى مملكة الجبل الأصفر، ثم تحول ذلك إلى إدانة للحديث عن الموضوع من الأصل، باعتباره تسويقًا لهذه المملكة المزعومة".

وأضاف رسلان: "الإعلان الآن عن حكومة لهذه المملكة المزعومة، يعني أن هناك فكرة قد جرت دراستها وأن هناك جهة أو جهات تقف وراء ذلك، وأن هناك خططًا قد وضعت وأهداف معلنة جرى الإفصاح عنها وأخرى غير معلنة، يمكن فهمها من السياق، وسوف تتضح مؤشراتها تدريجيًا أو بالتجزئة".

 

 

أما الكاتب والباحث السياسي المصري عمار علي حسن، فغرد على تويتر: "إعلان دولة على منطقة منسية بين مصر والسودان، يرغبون في نقل الفلسطينيين إليها. الخبر متداول في مواقع عدة بينما إعلامنا صامت. أتمنى أن يكون مرد هذا الصمت إلى تعامل السلطات المصرية مع الأمر على أنه نكتة سمجة، وليس عن غفلة أو إهمال".

 

 

لكن، على الجانب السوداني، ثمّة من يعتقد أن الجبل الأصفر ليست إلا حيلة مصرية لفرض الأرض على السودان مقابل التنازل رسميًا عن حلايب وشلاتين.

 

 

وحتى الآن، لا يعرف على وجه اليقين من يمكن أن يكون وراء الإعلان عن الجبل الأصفر، التي تضم حكومتها حتى الآن، "وزراء" يحملون جنسيات عربية مختلفة. من يمول الدولة الناشئة؟ ما هي الدول التي حضر ممثلون لها إعلان التأسيس؟ ما موقف السلطات المصرية والسودانية؟ ومن هو الملك الغائب للملكة المفاجئة؟ حتى الآن، هذه أسئلة بلا أجوبة واضحة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"غريب الدار".. الأرقام تروي مآسي اللجوء والنزوح والتشرد حول العالم

وقف الهجرة أم وقف الحروب؟