03-أبريل-2017

ملك المغرب محمد السادس (فاضل سنا/أ.ف.ب)

ربّما لا يوجد قائد عربي نزيه تجاه نفسه فيما يتعلّق بعقد القمم العربية ونجاعتها بقدر ملك المغرب محمّد السّادس. فغيابه عن القمم الخطابية منذ 12 سنة، ورفضه استضافة بلاده قمة السنة الفارطة، تكشف أنه يعي جيدًا أن هذه القمم "هي معزة على غنم" بقول الشاعر مظفر النواب. بالنهاية جميل أن يوجد على الأقل قائد عربي لا يخدع ولا يخادع في هذا الأمر.

فقد كان من المفترض أن تنعقد القمة العربية السنة الفارطة بالمغرب، غير أن الملك اعتذر عن استضافة بلاده لها، وقد أصدرت حينها وزارة الخارجية المغربية بلاغًا صريحًا جاء فيه أنه لا ينبغي أن يتحول انعقاد القمة إلى "هدف في حد ذاته"، خصوصًا وأن "الظروف الموضوعية لا تتوفر لعقد قمة عربية ناجحة".

يدرك ملك المغرب أن لا فائدة من القمم العربية بشكلها الحالي، لذلك يستمر في الاعتذار سواء عن حضورها أو استضافتها

وقد أربك هذا الاعتذار حسابات الجامعة العربية لتنعقد القمة في شهر حزيران/يونيو على غير العادة بموريتانيا. لا يتعلّق الأمر بالخشية من فشل القمة، ما دام معيار نجاحها يُقاس بحضور القيادات العربية، ومصادقتهم على البيان الختامي الذي أعده سفراء الدول العربية بشكل مسبق. وبالتالي فكل قمة عربية هي "ناجحة"، ولكن الملك محمد السادس يعي جيدًا أن هذا النجاح الموهوم كل سنة لا يساوي شيئًا.

في قمة البحر الميّت الأخيرة والتي حرص القادة على حضورها، حافظ محمد السّادس على تقليده معاكسًا التوقعات والتسريبات، وذلك بتغيّبه مجددًا عن أعمالها. بل إن ملك المغرب قد زاد في تخفيض تمثيليته، حيث لم يوجّه خطابًا باسمه على غرار القمة السابقة، واكتفت الخارجية المغربية بنشر تقرير لها.

اقرأ/ي أيضًا: التخلف العربي.. هذا ليس حديث مؤامرة

وقد جعلت هذه المشاركة الصامتة ملك المغرب هو الحاضر بالغياب في القمّة. ربّما أحرج زملاءه الذين يحتفون كل سنة بالقمم الاستعراضية، ولكن ملك المغرب كان وفيًا لحرصه على سياسة خارجية ناجعة لبلاده، إذ لعلّ العودة للاتحاد الأفريقي قبل أشهر هي التعبير الخالص لها. فما الحاجة لحضور القمة العربية وإلقاء كلمة لا تحمل جديدًا ثم أخذ صورة جماعية؟

الجامعة العربية أصبحت عبئًا ثقيلًا وربما لا توجد مؤسسة صورية تجمع بعض الدول في العالم مثلها، وذلك عدا اتحاد المغرب العربي الذي يعيش منذ سنوات حالة جمود مطبق. ولعلّها كحالة مرض الوليد المنقول من الأمّ. لا يتمثّل العائق الحالي فقط في غلبة النزعة القُطرية في إدارة الملفات العربية، والتي تفترض بحكم الطبيعة عملًا عربيًا مشتركًا، ولا تنحصر في تراجع النفوذ العربي في المنطقة العربية ذاتها، بل ببساطة وبصفة أوليّة يتمثل في عدم الوعي بضرورة إصلاح الجامعة العربية وظيفيًا وهيكليًا.

الجامعة العربية أصبحت عبئًا ثقيلًا وربما لا توجد مؤسسة صورية تجمع بعض الدول في العالم مثلها

بيد أنّ الطرح السّليم يفترض التساؤل حول منطقية المطالبة بإصلاح الهيكل الجامع قبل إصلاح الأقطار المكوّنة له. هو سؤال شرعي ولكنه لا ينفي الحاجة لضرورة الانكباب على إصلاح الجامعة العربية ولو بالحدِّ الأدنى المتوفّر. الحاجة للوعي بضرورة الإصلاح هي حيوية قبل الحديث عن مضمون هذا الإصلاح. فالخشية هي في عدم الوعي بوجود خلل ما في هذا الهيكل الميّت والأخطر هو وعي القادة بسقفه الحالي.

مقاطعة ملك المغرب محمد السادس تعكس وعيًا من بلد عضو على الأقل بمأزق الجامعة العربية والحاجة الملحّة لإصلاحها لإعادة إحيائها، وهو مأزق تمظهر بصفة جليّة بعد المواقف "المخزية" للجامعة العربية إبان احتلال العراق. ولكن هل يعي القادة الحاليون أزمة جامعتهم التي لم تعد "جامعة"؟

عمومًا المشهد كاريكاتيري تجاه القمم التي أصبحت اجتماعاتها مثالًا للتندّر عن الصّورية وعدم النّجاعة. وقصيدة شاعرنا مظفر النواب "قمم قمم" هي تعبير وفيّ عنها. وبالنهاية شكرًا لملك المغرب، فهناك قائد عربي على الأقل لا يخدعنا ويرى ما نراه.

اقرأ/ي أيضًا:
وداعًا أيتها القيادة القومية
الملك سلمان يشنق نفسه في مصر!