29-مارس-2016

هل من بأسٍ عليها في دوس الفلافل ورفس غسان وتسطير البيانات الحربية حول إصدار الصحف باللحم الحي؟

ثمة كلامٌ كثير يقف على ناصية حنجرتي، لا أدري، هل أذهب عميقًا في جلد الذات وتشريحها ودفنها، أم أمارس لعبة قضم الأصابع وعض الكرامات والانتقال الأحمق إلى موقع المبادر لتفعيل الأدبيات المخملية، كأن أقول مثلًا: هذه روز اليوسف وهذا طلال سلمان. ربما يحضرني هنا ضرورة الإسراء العاجل نحو خطاب العقول الصحراوية وأترابها الوارفة، كأن تقول أيضًا: هذا ناهض حتر وصديقه الأمين، وذاك خالد الدخيل وعثمان العمير.

كان علينا ربما أن نسحق أمين معلوف قبل وصوله إلى الأكاديمية الفرنسية

أمام معضلة من هذا النوع، يطل علينا الساخرون من الفلافل، ذاك القرص المكوّر الذي بُنيت على شاكلته الأرض، ثم ماذا يعني أن يُرفس غسان سلامة وكأنه عقب سيجارة انتقل من فم الشاغوري إلى منفضة باسيل، فهذا البلد يقوم على توازنات دقيقة، دقتها مرتبطة على نحو وثيق بحساسيتها، وهي حساسية مفرطة تجاه أي محاولة تآمرية للنيل من رباطة الجأش وتلازم المصير والمسار.

اقرأ/ي أيضًا: القابضون على جمر الاعتدال

في إحدى أبدع تجلياتها على الإطلاق، ترد الفلاّحة أنجيلا ميركل على إرهاصات إغلاق الحدود وتعليق العمل باتفاقية شينغن "ليست هذه أوروبا التي أريدها". يصرّ مُحاورها على تذكيرها بالثمن الذي دفعته، ولا تزال، في حصاد اليمين. فتضحك "إنها مسؤوليتي، إنه واجبي اللعين، عظمة ألمانيا هي الإنسان وكرامته، وسأحمي عظمتها بأشفار العيون". هنا لا بد من العودة إلى عظمتنا، أين تكمن تحديدًا؟ وهل من بأسٍ عليها في دوس الفلافل ورفس غسان وتسطير البيانات الحربية حول إصدار الصحف باللحم الحي؟ هل يشعر أحدنا بالفعل بأنه كيان قائم ونابض بالحياة، وبأن العظمة تلهو بين راحتيه، بل وتحفر فيهما مطمرًا صحيًا حاز موافقة المير طلال وعموم الطامرين والمطمورين ومن بينهما.

اقرأ/ي أيضًا: عون وجعجع.. لقاء التكاذب ورد الصفعات

يؤرقني ذاك الاستهداف الممنهج للفلافل، فكيف يُعقل أن تُقدم إحداهن على إهانته دون مساندة مباشرة من جلبير الشاغوري، من أذن لها بذلك؟ ألا تدرك بأن للبيوت أبوابًا لا تُدخل من شبابيكها، ألا تعلم مثلًا بأن الأخير استطاع أن يفجّر بركانًا من الكمياء المرصوفة من بنشعي إلى بيت الوسط، ثم ألم يصلها التصفيق العاصف لمغمورة ما عرفناها إلا مرشحةً للتربع على أعظم عرش ثقافي في الكوكب، ألم يخبروها بأن لكل ذلك عرّاب؟ وبأن لهذا القرص الهشّ ربٌ يحميه ويصونه بأشفار العيون.

كان علينا ربما أن نسحق أمين معلوف قبل وصوله إلى الأكاديمية الفرنسية، بل وأن نعلّق أعواد المشانق لرياض وغسان سلامة إلى جانب فؤاد بطرس وغسان تويني. ربما، أقول ربما، مدّ جلبير يده إلى جيبه لإعادة السفير إلى مقامها الأول، فطلال لا يعود خالي الوفاض في معركة من هذا النوع، كما وأن الشاغوري حريصٌ على مناعتنا الوطنية، وعلى استمرار الورق ولو باللحم الحي، فلهذا الورق النتن نكهة خاصة مع قهوة الصباح، والنكهة أساسٌ في كرامتنا الوطنية، شيء أشبه بقرص الفلافل المكوّر، لا إمكانية لدوسه جزافًا، هناك أدبياتٌ وطقوسٌ تمر عبر عرّاب أو أكثر.

ما تقدم لا يعدو كونه بحثًا عبثيًا في القشور، المشكلة في مكان آخر، هناك في الحوض الرابع وكازينو لبنان، وتحديدًا في مكتب علي حسن خليل، ذاك الوزير الداعشي الذي يسطو على حقوق المسيحيين، بل ويسعى إلى سحقهم وتدوين حرف النون داخل دائرة مغلقة على كل مؤسسة أو قطاع يقع ضمن نطاق سيطرتهم في "لعبة الريسك"، هذا ناهيك عن مشروع جهنمي يحمله كبير الأمم المتحدة لتغيير ديموغرافي يطال الكيان اللبناني برمته، هو يظن بأننا دخلنا سباتًا عميقًا، لقد فاته أن يقلق من سهرنا الأبدي، نحن الحراس الذين لا ينعسون ولا ينامون.

علي حسن خليل الوزير الداعشي الذي يسطو على حقوق المسيحيين

بالأمس أرسلت طهران كبير مخابراتها إلى الكويت، حمل بيمينه رسالة واضحة لا لبس فيها: نريد فتح صفحة جديدة مع الخليج، نريدها علاقة قوية وهادرة. قبله بأيام، أو أسابيع، أطل الأمين العام من بلادنا، بلاد الأرز، أعلنها حربًا مقدسة بوجه التنابل، بل وأكثرها قدسية على الإطلاق، قال: سنحارب وحدنا، وحدنا سنحارب، وليذهب قوم موسى إلى الجحيم. جلسنا نجمع الصورة المتقطعة، إيران تفاوض وتحصد المليارات، ونحن ندفع التكاليف، تكاليف الطلاق وتكاليف الزواج. لكن لا بأس، لا بد أن يُطل جلبير من مكان ما، ربما يحمل حلًا سحريًا يوازي أو يفوق قدرته على حماية الفلافل. لا بد من الانتظار، فالصبر مفتاح الفرج.

ضمن هذه المشهدية الناصعة أطل غسان سلامة، بلا تحريض أو كلام مبتذل، قال بدبلوماسيته الصاخبة: سأترشح لإدارة اليونسكو، ارتعدت فرائص جلبير، من أنتم؟ سأل على طريقة معمّر والقذاذفة. أنا العرّاب، لا شيء يمر هنا على سجيته. وحده تمام سلام، دولة الرئيس، ينأى بنفسه عن كل شيء، يضرب يده مهددًا بالاستقالة فقط، لا شيء بينهما، إما الصمت وإما الاستقالة، فيما يسرح من يسرح، وبين أقدامهم تترنح الكرامة الوطنية، ومعها ما تيسر من هامات ساوت الأرض أو تكاد.

أخطأ غسان سلامة في إطلالته الأخيرة، كان عليه ربما أن يناشد جلبير، مربط خيلنا، أو أن يتوسط غطاس خوري لإتمام صفقة نظيفة تصل به إلى مجلس الأمم، لكن مهلًا، غطاس متخصص في صياغة الاتفاقات الممنوعة من الصرف، اتفاق لمجرد الاتفاق. ماذا عن جبران، الرجل يمتلك كاريزما مرنة وناعمة تخوّله التسويق المحترف من سواحل الهند إلى شواطئ المغرب، ناهيك عن علاقاته التي تضج بوافر الكيمياء والعاطفة، عليك به يا غسان، هو سبيلك وسبيلنا الوحيد نحو العالمية التي ننشدها مع إطلالة كل صباح.

اقرأ/ي أيضًا: 

تعالوا نرقص التانغو.. بإيقاع "ماروني"!

سياسيو لبنان من "طهّر نيعك" إلى "سد بوزك"