12-مارس-2020

تبقى مأساة العائلات السورية التي خلفها المقاتلون الأجانب مفتوحة على المستويات السالبة كلها (أ.ب)

أعادت موجات النزوح الضخمة التي شهدها الشمال السوريّ المُحرَّر، محافظة إدلب خصوصًا، ريف حلب الجنوبيّ والغربيّ، ريف حماة الشمالي، باتّجاه المناطق الحدودية التركية بفعل الحملة العسكرية التي شنّها نظام الأسد وروسيا على المنطقة مطلع شباط/ فبراير 2019، فتح ملف زواج النساء السوريات من مقاتلين جهاديين أجانب.

بلغ عدد السوريّات المتزوجات من مقاتلين أجانب حتّى أذار/ مارس 2018، وفقًا لإحصائيات حملة "مين زوجك"، 1735 سيّدة، أنجبت منهنّ 1124 أطفالًا وصل عددهم 1826 طفل

مُجدّدًا، تعود هذه القضية إلى الواجهة بفعل الصعوبات التي تواجهها النساء السوريّات، أرامل المقاتلين الأجانب تحديدًا، في تسجيل أبنائهنّ في المجالس المحلّية والمنظّمات الإغاثية لأجل الحصول على المساعدات، ودخول المدارس، وتفاصيل أخرى لازمة. من بينها أن لا يكون الطفل مجهل النسب، وفي حالة هؤلاء فالنسب واضح، بل هو أس الإشكال، كونه غير مسجل لأسباب تعددت. 

اقرأ/ي أيضًا: بحثًا عن جذور الجهاد في الغرب

شهدت الفترة بين 2012 و2015 ذروة وصول الأجانب إلى مختلف المُدن السورية للالتحاق بتنظيمات جهادية متشدّدة عملت على استقطابهم، أهمّها جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حاليًا)، والحزب التركستاني الإسلامي، وفيما بعد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش". 

تزامنًا مع ارتفاع عدد هؤلاء المقاتلين، لا سيما في شمال غرب سوريا، وشرقها أيضًا، بدأت تنتشر ظاهرة زواجهم من نساء سوريات، تحت مبرّرات عديدة، منها غياب الأمن، وتأمين مستقبل الفتاة، وسترها، وكانت العلاقة بين الجهاديين السوريين والأجانب كفيلةً بتسهيل العملية وإتمامها أيضًا، حتّى بلغ عدد السوريّات المتزوجات من مقاتلين أجانب حتّى أذار/ مارس 2018، وفقًا لإحصائيات حملة "مين زوجك"، 1735 سيّدة، أنجبت منهنّ 1124 أطفالًا وصل عددهم 1826 طفل، مما يعني أنّ هؤلاء المقاتلين خلّفوا أزمات اجتماعية حادّة في أماكن وجودهم، لا سيما لجهة نسب أطفالهم الذي سيظلّ مجهلًا، ناهيك عن الكيفية التي يتعامل المجتمع معهم من خلالها. هنا ثلاث حكايات لثلاث نساء التقى "الترا صوت" بهنّ عبر تقنيات"سكايب" و"واتساب" السايبرية، نظرًا لتعذر اللقاء المباشر.

فجأة، وجدت بشرى حياتها عرضة لتبدّلات متسارعة قلبتها رأسًا على عقب. ورهينة سؤالٍ يلحُّ عليها كلّما جاءت عينيها في عيني ابنها: ماذا حدث؟ منتصف سنة 2016، تزوّجت من مقاتل أجنبيّ ينتمي إلى تنظيم "جند الأقصى" كلّ ما تعرفه عنه أنّه يُدعى أبو يحيى التبوكيّ، دون أن تتمكّن من معرفة جنسيته. "كانت لغته العربية ثقيلة، ولأنّه كان قليل الحضور وكثير الغياب لم أتمكّن من معرفة الكثير من التفاصيل عنه. ظنّ بعض أقاربي أنّه سعوديّ باعتبار أنّه مُكنّى بـ (التبوكي)، ولكنّ لغته الثقيلة والركيكة كانت تنفي ذلك. كلّ ما عرفته منه أنّني زوجته الثالثة فقط". 

اقرأ/ي أيضًا: غزوة مانهاتن.. الجهاد في زمن العولمة

سنة 2015، توفّي والد بشرى في معارك ريف حماة الشمالي، تاركًا خلفه زوجته و3 فتيات أكبرهنّ سنًّا بشرى. "كان أبو يحيى صديق والدي، يتردّد عليه كثيرًا، ولكنّني أشعر الآن بأنّ زواجي منه ما كان ليحدث لو كان والدي حينها حيًّا. من دبّر الزواج هو عمّي الذي أراد لي السترة بحسب قوله، ولكنّه في الحقيقة كان يريد التخلّص من عبئنا، أنا وأمي وأخواتي قبل أن يختفي فجأة. أحد أقارب أمّي يقول إنّه فرّ إلى أماكن سيطرة داعش، وقُتِلَ هناك". 

رغم الفارق الكبير في السّن عند زواجها منه، 22 مقابل 46 عامًا، بالإضافة إلى كونه مُتشدِّدًا ومُتعصّبًا لقناعاته وقناعات تنظيمه، تقول بشرى إنّ زواجها لم يكن زواجًا سيئًا كما هو حال فتيات سمعت قصصهنّ أكثر من مرّة. "ربّما كان السبب هو الوقت، إذ لم يدم زواجنا لوقت طويل، وإنّما لأربعة شهور فقط، مرّت ببطءٍ شديد، شعرت فيها أنّني معتقلة، لأنّ الخروج من المنزل كان ممنوعًا، حتّى زيارة أمّي وأخواتي كانت ممنوعة أيضًا، لأنّ اشقاء أمّي كانوا بحسب قوله مرتدّين كونهم مقاتلين في فصيل آخر لم يكن على وفاق مع تنظيمه". 

في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2016، اندلعت مواجهات عنيفة بين حركة أحرار الشام الإسلامية وتنظيم جند الأقصى الذي ينتمي إليه أبو يحيى التبوكي، زوج بشرى. اقتحم أفراد من عائلة والدتها المنزل الذي كانت تسكنه بحثًا عن زوجها الذي كان قد اختفى فجأة. "كانت ليلة رهيبة ومخيفة، أخوالي كانوا ينظرون إليّ بغير عين الشفقة، كنت زوجة مجرم، وابنة مجرم، لأنّ والدي كان في التنظيم نفسه. عُدت ليلتها إلى منزل أمّي، وهناك وصلني خبر العثور على جثّة أبو يحيى على جانب الطريق الذي يصل بين قريتي كفر سجنة والشيخ مصطفى".

رغم السنوات الأربعة التي مرّت على انتهاء ما تسمّيه بشرى الكابوس الذي طبق على صدرها أربعة شهور كاملة، إلّا أنّها لا تزال تُعاني من ذلك الزواج. تقول إنّ السبب هو ابنها الذي ظلّ دون نسب، والذي رفض أفراد عائلتها تسجيله على أسمائهم. "لم يتقبّله أحد في العائلة، كان منبوذًا تقريبًا لأنّه ابن أبو يحيى الذي عانى أفراد عائلة أمّي على يد التنظيم الذي كان يعمل معه. كان شرطي الوحيد للشخص الذي تقدّم للزواج منّي هو أن يسجّل منهل على اسمه، وفعل ذلك".

تقول زينب إنّ قدرها أن تعيش لتسدِّد ثمن أخطاء غيرها، وأنّ ابنتها قد يكون مُقدَّرًا لها ذات القدر، من يعرف! قبل 5 سنوات تقريبًا، وصل أبو عبد العزيز الفلسطينيّ إلى مدينة خان شيخون قادمًا من محافظة درعا برفقة عددٍ من مقاتلي جبهة النصرة، ثمّ اتّجه بعد ذلك نحو ريف معرّة النعمان الشرقيّ، حيث كان ينتظره والد زينب. "كان والدي يقول إنّ أبو عبد العزيز صديقه، قاتل معه في العراق، وقاتل معه في دير الزور أيضًا، قبل أن يفترقا بعد سيطرة داعش على المدينة، عاد أبي إلى إدلب، وأبو عبد العزيز انتقل إلى درعا، قبل أن يلتقيا مُجدَّدًا". 

لم يخطر في بال زينب أنّ الرجل الذي كان بطلًا في حكايات والدها، سيكون يومًا زوجها، وأنّ زواجها منه سيعكّر صفو حياتها حتّى هذه اللحظة. بعد نحو 3 شهور من وصوله إلى إدلب، جاء أبو عبد العزيز يطلبها للزواج من والدها. "حدث كل شيء سريعًا، ثلاثة أيام فقط وكنت زوجةً له، عرفت أنّه فلسطينيّ، وأنّه قاتل في العراق، ثم جاء إلى سوريا، ولكنّني لم أعرف اسمه الحقيقيّ، ولا أعتقد أنّ والدي حتّى كان يعرفه. كلّ ما كان واضحًا عنه جنسيته، وتعصّبه، كان أكثر تشدّدً من بقية من نعرفهم من جبهة النصرة". 

بدأت الخلافات بين زينب ووالدها من جهة، وأبو عبد العزيز من جهةٍ أخرى بعد رفضه تسجيل ابنته على اسمه. "لم أكن أجرؤ على الحديث معه حول هذا الموضوع، لذلك لجأت إلى والدي الذي حاول الضغط عليه، ولكنّه فشل، وتدهورت علاقته به، أو انتهت. طلب منّي حينها أن أعود معه إلى المنزل، وعُدت. في ذات اليوم، أرسل لي عبر الواتساب تهديدًا بالقتل، قال إنّه سوف يقتل الفتاة قبل أن يقتلني. وبعد أيام قليلة، أنهت النصرة ارتباطها بالقاعدة، واشتعلت الخلافات بينه وبين والدي مُجدّدًا. ثمّ اختفى فجأة بعد أن هدّد والدي أيضًا بالقتل". 

منتصف أذار/ مارس 2017، عاد أبو عبد العزيز بعد توسّط أحد مسؤولي النصرة لحلّ الخلاف بين الطرفين، ولكنّ الأمر لم يجري كما كان مُخطّطًا له. تقول زينب إنّه رفض مجدّدًا أن تحمل الفتاة اسمه، ولكنّه في المقابل قبل أن يطلّقني. حينها انتهى الكابوس الأوّل، أمّا الكابوس الذي لا يزال مستمرًّا هو فكرة أنّ ابنتي التي سجّلناها على اسم شقيقي الكبير، كانت ستظلّ دون نسب، مجهولة الهوية، ودون أي حقوق أيضًا. أحاول الاستعداد من الآن لسؤالها يومًا ما عن هوية والدها الحقيقي. الأمر ليس سهل، إنّه مأساة". 

تعود هذه القضية إلى الواجهة بفعل الصعوبات التي تواجهها النساء السوريّات، أرامل المقاتلين الأجانب تحديدًا، في تسجيل أبنائهنّ 

لأكثر من سنة، لم يخلع أبو سيلمان الشيشاني حزامه الناسف، وحينما فعل، انتهى في سجون هيئة تحرير الشام. الأمر مجرّد مصادفة، تقول منار، زوجته، وتضيف: "تنقّل أبو سيلمان بين جيش المهاجرين والأنصار وتنظيم داعش. سنة 2014 ترك تنظيمه الأوّل والتحق بالأخير الذي كان متواجدًا في بلدة تلمنس، وبعد إعلان الفصائل حربها على التنظيم، غادرت معه إلى مدينة الرقّة، ولم يكن حينها قد مضى على زواجنا سوى بضعة أشهر. ومن هناك بدأت المأساة". 

أقامت منار بضعة شهور في أحد المخيمات التركية، ثمّ دخلت إلى الرقة بعد تأمين زوجها مكانًا للإقامة الذي ظنّ أنّها ستطول. "كلّ من كان في المخيّم اعتاد شتم داعش، وأنا كذلك، فعلت الأمر نفسه، وحاولت التهرّب من العودة معه إلى الرقّة، ولكنّني فشلت. في الفترات الأولى من زواجنا كان ليّنًا، ولكنّه تغيّر بعد انتقالنا إلى الرقّة، شأنه شأن كلّ من تورّط معهم، أي الذين بدأوا مُحاولات الفرار من الرقّة بعد اشتداد الخناق عليها، وكان أبو سليمان منهم".

تقول منار إنّ زوجها تمكّن من التواصل مع أصدقاء له في إدلب أمّنوا عودته إليها سنة 2016 أي بعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على مساحات واسعة من الرقّة، ولكنّهم أخبروه بأنّه لن يكون في مأمن تمامًا، وأنّ بعض الفصائل ستسعى حينما تتأكّد أنّه كان في صفوف داعش لاعتقاله. انضوى حينما وصل ضمن تنظيم أجناد القوقاز للتمويه، وظنّ أنّ الحزام الناسف سيكون سبيل نجاته الوحيد من أي محاولة اعتقال، واختار مناطق انتشار المقاتلين الشيشانيين والتركستانين للإقامة فيها، أي ريف جسر الشغور. "تمكّنا من التخفي هناك لفترة طويلة، قبل أن يكشف أمر أبو سليمان. منتصف شهر نيسان 2017 هاجمت أمنية تحرير الشام المنزل وحاولت اعتقال زوجي، ولكنّه تمكّن من الفرار. توسّط أجناد القوقاز لحلّ الأمر، ولكن دون فائدة، إذ عادت قوّة أكبر واعتقلته بعد فترة، وبعد أن حاصرت المنزل".

لا يزال أبو سليمان الشيشاني في سجون هيئة تحرير الشام، رغم إنكار الهيئة نفسها في كلّ مرّة تسأل فيها زوجته عنه. "هم اعتقلوه ولكنّهم ينكرون ذلك، هذه عادتهم. المأساة ليست هنا، وإنّما في معرفة أهالي القرية التي كنّا فيها أنّه كان مقاتلًا في صفوف داعش. تغيّرت معاملتهم لنا، أصبحنا خطرًا عليهم، وبدوت بينهم مجرمة، لذلك غادرت القرية مع أولادي باتّجاه أحد المخيمات الحدودية، ولا أزال فيه حتّى الآن، بعد أن قرّرت الانعزال وتجنّب الاختلاط مع الآخرين لئلا ينكشف أمرنا مجدّدًا، ولكنّه كشف. رغم ذلك، لا نتلقّى معاملة سيئة، ولكن لا يمكنّني العيش دون خوف". 

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل الإسلام دين إرهاب حقًّا؟

شمس الدين الكيلاني.. مدخل في الحياة السياسيّة السوريّة

داعش.. محاولة أخرى في اغتصاب فلسطين