30-سبتمبر-2018

ينظوي ملف حقوق الإنسان في السودان على اصطفاف حاد بين الحكومة والعارضة (Getty)

لم تكن مسألة حقوق الإنسان في السودان بالقضية السهلة، فهى أكثر تعقيدًا من غيرها. وإن ظل المجتمع الدولي على الدوام يتعامل مع ملف حقوق الإنسان في السودان بالتعبير عن القلق المتواتر فقط، دون حتى أن يرتفع أو ينخفض ذلك الشعور إلى مستوى التحديات، كما تحولت جلسات مجلس حقوق الإنسان في جنيف إلى مناسبة احتشاد سنوية بين المعارضة والحكومة السودانية، وتحولت القضية على إثرها إلى مجرد وجهة نظر، أو مناظرة يحاول كل طرف كسبها في النهاية بأي ثمن.

سعى مندوب السودان الدائم في جنيف، السفير مصطفى عثمان إسماعيل، إلى حشد العرب والأفارقة خلف وجهة النظر الحكومية، عازفًا على وتر سردية المؤامرة

هل ثمة تحسن في أوضاع حقوق الإنسان بالسودان؟ يعيدنا هذا السؤال الحديث عن الجهود المبذولة رسميًا للخروج من مأزق الإدانة الرسمية القاسية، وتحديدًا البند الرابع (الوصاية والرقابة) وهو البند الذي خضعت له الخرطوم طوال عشرين عاماً ماضية، قبل أن تنتقل إلى البند العاشر (الإشراف) في أيلول/ سبتمبر 2009.

وقد سعى مندوب السودان الدائم في جنيف، السفير مصطفى عثمان إسماعيل، إلى حشد العرب والأفارقة خلف وجهة النظر الحكومية، عازفًا على وتر سردية المؤامرة، بقوله "لن نسمح بتكرار تجربة العراق. انتهى عهد الاستعمار، انتهت الوصاية". لكن الوصاية لم تنته بالنسبة لبعض المراقبين، إذ جدد مجلس حقوق الإنسان يوم الجمعة، ولاية الخبير المستقل في السودان لعام آخر، قبل أن يرهن خروج السودان من الإجراءات الخاصة ببدء عمل مكتب المفوضية السامية في موعد أقصاه أيلول/ سبتمبر 2019. وتلمس إسماعيل ما اعتبرها نقاطًا إيجابية حواها القرار، وهي تثمينه لدور السودان في حل النزاع بدولة جنوب السودان، واستقبال ملايين اللاجئين من دول الجوار، وفتح المسارات الإنسانية لتوصيل الإغاثة للمناطق المتضررة من الحرب.

اقرأ/ي أيضًا: انقلاب قصر في السودان.. حكومة صورية "لتأهيل" البشير لانتخابات 2020

فيما أشعل قرار المجلس غضب المعارضة السودانية، التي طالبت المجتمع الدولي ومجلس حقوق الإنسان، بإرجاع الحكومة السودانية للبند الرابع؛ الخاص بالدول الأكثر انتهاكًا لحقوق الإنسان؛ ونادت بتعين مقرر خاص للحالة السودانية، وذلك بسبب ما وصفته بـ "موقف الحكومة السودانية السالب من حرية التعبير والتجمع السلمي ومصادرة الصحف وقمع المعارضين"، مع إصرار المعارضة أن القرار الحالي للمجلس يشكل إدانة وفشلًا للحكومة.

من جهتها استبقت الحكومة السودانية اجتماعات مجلس حقوق الإنسان، وجددت وقفها لإطلاق النار مع المتمردين المسلحين، ولوحت بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق المتأثرتين بالحرب.

لا يخفى في الوقت نفسه التغيير الذي طرأ على الموقف الأمريكي تجاه السودان في الأشهر الأخيرة، حيث بدا أكثر تسامحًا مع حكومة البشير من ذي قبل، ولم يتخذ البيت الأبيض مؤخرًا أي خطوات تصعيدية ضد الخرطوم، وذلك بسبب التعاون في ملفات "مكافحة الإرهاب" وقمع الهجرة.

وعلى الرغم من حالة الفرح التي أبدتها الخرطوم إزاء الإعلان الجديد لمجلس حقوق الإنسان، واعتباره انتصارًا لها، إلا أن المجلس نوه إلى الملاحظات التي قدمها الخبير المستقل في تقريره، حاثًا حكومة السودان إلى كفالة احترام حقوق الإنسان لكافة الأفراد، ومعربًا عن قلقه إزاء الحوادث المبلغ عنها، والمتعلقة بالمضايقات والاعتقال التعسفي والاحتجاز المطول، بما في ذلك للطلاب والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وأعضاء منظمات المجتمع المدني، وأشار تقرير الخبير المستقل الذي حصل "ألترا صوت" على نسخة منه، إلى تزايد عدد عمليات الحجز والرقابة على الصحف، فضلًا عن القيود المفروضة على حرية التعبير وتكوين الجمعيات، والتجمع السلمي.

وفي الوقت نفسه حث بيان المجلس الحكومة السودانية على احترام التزاماتها وتعهداتها الدستورية والدولية وصون حرية الدين والمعتقد، وأهاب حكومة السودان بالتعاون الكامل مع الخبير المستقل، وأن تسمح له بالوصول الفعلي إلى جميع مناطق البلد وزياراتها، والالتقاء بكافة الجهات الفاعلة المعنية.

 طالبت المعارضة السودانية المجتمع الدولي ومجلس حقوق الإنسان، بإرجاع الحكومة السودانية للبند الرابع؛ الخاص بالدول الأكثر انتهاكًا لحقوق الإنسان

وكشف الدكتور عبد الناصر سلم، المفوض في المفوضية القومية لحقوق الإنسان بالسودان، عن ما أسماه بالمقترح الأفضل منذ ربع قرن، والذي توافقت عليه البعثة السودانية والمجموعة الأفريقية، وقال سلم لـ"ألترا صوت" إن هذا المقترح الذي تم إقراره، يعتمد على إنهاء ولاية الخبير المستقل، وفتح مكتب للمفوض السامي في السودان يشرف على حالة حقوق الإنسان. وأوضح أن أبرز الملاحظات فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان مرتبطة بالتحسن الذي طرأ على أوضاع حقوق الإنسان في الفترة الماضية، وذلك نتيجة لـ"وقف إطلاق النار في مناطق النزاع وقرب خروج بعثة اليوناميد من دارفور نتيجة لانتفاء أسباب وجودها، وإشاعة الحريات وإطلاق سراح المعتقلين وفقًا لتوصيات الحوار الوطني"، واعتبر سلم أن القرار خرج بصورة توافقية.

اقرأ/ي أيضًا: الدستور الغائب عن حفل الشورى.. الحزب السوداني الحاكم يمنح البشير دورة سادسة

وتداول ناشطون مقطع فيديو يصور جانب من جلسات حقوق الإنسان الأخيرة في جنيف، حيث أظهر الفيديو مشاهد من المواجهة المباشرة وتبادل الاتهامات بين وفدي الحكومة السودانية والمعارضة، وصل فيه الأمر درجة الإساءة والمقاطعة العنيفة، وتوقفت الجلسة نتيجة لذلك، حيث تحولت إلى ملاسنة كادت تنتهي إلى عراك بالأيادي، وغادر على إثرها وفد الحكومة القاعة تقريبًا.

وأخذ القرار بطبيعة الحال، منحىً سالبًا لدى المعارضة السودانية، ومع ذلك رفض محمد الحسن المهدي عضو حزب الأمة القومي المعارض، اعتبار ما تم بأنه خطوة إيجابية لصالح الحكومة، وقال لـ"ألترا صوت" إن الحكومة كانت أقرب للخروج نهائيًا من بند الإجراءات الخاصة، و"قامت بكل شيء للخروج من تلك الإجراءات عدا تحسين أوضاع حقوق الإنسان"، على حد قوله، واصفًا موقف الدول الأفريقية والعربية المساند للحكومة السودانية، بأنه "طبيعي نتيجة خوفها من أن يصلها رأس السوط". وتساءل المهدي عن مشروع القرار الذي قدمته توغو نيابة عن المجموعة الأفريقية وكانت تريده الحكومة السودانية في البدء؟ مقرًا بأن السودان لم يذهب إلى المادة الرابعة، ولكن مجرد تمديد ولاية الخبير المستقل لعام والمطالبة بفتح مكتب في الخرطوم لا يشير لأي نصر للحكومة. وفسر محمد المهدي قرار مجلس حقوق الإنسان تجاه السودان بأنه رسالة مهمة بأن الوقت حان لمراجعة العلاقة بين المجتمع الدولي وحكومة الرئيس البشير.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تحالف أوروبا مع السودان ضد الهجرة.. رفع العقوبات مقابل رفع الحرج

جوازات سفر سودانية للبيع.. كيف يستغل شقيق البشير حاجة اللاجئين السوريين؟