13-فبراير-2017

صورة لأحد أفراد مجموعة ملحمة تاكتيكال

مجموعة من نخبة المقاتلين القادمين من بلدان الاتحاد السوفيتي السابق يدربون الجهاديين في سوريا، في نموذجٍ تجاري قد يتجه إلى العالمية. يمكن رؤية الرجال مدججين بالسلاح ومزودين بالدروع وخوذات القتال، يدافعون عن التحصينات ويقتحمون المباني بل وحتى يقفون أمام ألواحٍ بيضاء يعطون دروسًا تكتيكية. ورغم أن عناوين مقاطع الفيديو تلك مكتوبة بالأبجدية الروسية، إلا أن موسيقى الخلفية هي أناشيد عادةً ما تستخدمها المجموعات الجهادية في مقاطعها الدعائية. لكن هؤلاء الرجال ليسوا جهاديين عاديين، إنهم أعضاء ملحمة تاكتيكال، وهي أول شركة جهادية خاصة للأمن والاستشارات العسكرية على مستوى العالم. هكذا بدأ التقرير الذي نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية، والذي يلقي الضوء على تلك الشركة والنموذج الذي تمثله.

ملحمة تاكتيكال ليست شركة عملاقة ك"بلاكووتر" الأمريكية سيئة السمعة، إنها تتكون فقط من 10 مقاتلين مدربين جيدًا من جمهوريات القوقاز

يشير التقرير إلى أن ملحمة تاكتيكال ليست شركة عملاقة مثل شركة بلاكووتر الأمريكية سيئة السمعة (والتي تدعى الآن أكاديمي). إنها تتكون فقط من 10 مقاتلين مدربين جيدًا من أوزبكستان وجمهوريات القوقاز الروسي المضطربة ذات الأغلبية المسلمة. لكن الحجم ليس كل شيء في عالم الاستشارات العسكرية، خاصةً في عصر وسائل الإعلام الاجتماعية. تروج ملحمة لمعاركها عبر منصات الإنترنت، وقد أتت حملة التسويق القوية ثمارها: تتمتع البراعة القتالية وبرامج التدريب الخاصة بالشركة بسمعةٍ ممتازة بين الجهاديين في سوريا ومعجبيهم في أماكن أخرى حول العالم. ساعد في ذلك أن الشركة حتى الآن قد تخصصت في خدماتها، مركزةً على الإطاحة بنظام بشار الأسد واستبداله بحكومةٍ إسلامية.

اقرأ/ي أيضًا: كيف يتواصل الجهاديون عبر الانترنت؟

قائد المجموعة هو شابٌ يبلغ من العمر 24 عامًا ويدعى أبو رفيق، لا يعرف عنه الكثير سوى أنه يغير حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي باستمرار، مستخدمًا أسماء مستعارة ومعلوماتٍ مزيفة لتضليل جهود المراقبة. في جميع مقاطع الفيديو والصور المنشورة تقريبًا، يرتدي أبو رفيق وشاحًا يغطي وجهه من الأنف إلى أسفل الوجه، وهو يتحدث الروسية بطلاقة، وإن كان بلهجةٍ أوزبكية طفيفة.

منذ إطلاقها في آيار/مايو 2016، قدمت الشركة خدماتٍ قتالية وتدريبية واستشاراتٍ عسكرية إلى مجموعات مثل جبهة فتح الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة (والمعروفة سابقًا باسم جبهة النصرة) والحزب الإسلامي التركستاني، وهي مجموعة متشددة من الأويغور القادمين من مقاطعة شينغيانغ المضطربة بالصين. ورغم انتكاسات المتمردين الأخيرة في سوريا، بما في ذلك خسارة حلب، إلا أن الطلب على خدمات الشركة في البلاد ظل قويًا كما كان، حسبما صرح أبو رفيق لمجلة فورين بوليسي في مقابلةٍ أجريت عبر تطبيق تليجرام للمراسلات.

إلا أنه بدأ أيضًا التفكير في التوسع إلى أماكن أخرى، حيث يقول إن مجموعته مستعدة لتلقي أعمالٍ في أي مكان يتعرض فيه المسلمون للقمع. يشير أبو رفيق إلى الصين وميانمار كأماكن سوف تستفيد من الجهاد، كما يقترح أن الشركة قد تعود إلى جذورها، المتمثلة في القتال في شمال القوقاز في مواجهة الحكومة الروسية.

في نوفمبر، نشرت الشركة إعلانات وظائف على موقع فيسبوك تبحث عن مدربين لديهم خبرة قتالية لضمهم إلى المجموعة. وصف الإعلان المجموعة بأنها "فريقٌ مرح وودود" يبحث عن أعضاءٍ جدد لديهم استعداد "للانخراط والتطور والتعلم المستمرين" والعمل مع جبهة فتح الشام. كانت صياغة الإعلان أكثر مناسبة لإحدى الشركات الدولية الكبرى ضمن قائمة فورتشن 500 منه لمجموعة من المتطرفين يحاربون في حربٍ وحشية ودموية. تحول الجهاد إلى العالمية قبل ملحمة بوقتٍ طويل، لكنه نادرًا ما كان بمثل تلك الروح من ريادة الأعمال.

ورغم أن ملحمة تاكتيال هي أول شركة أمن خاصة تعمل حصريًا لصالح الجماعات المتطرفة، إلا أنها ليست أول شركة أمن تدخل ساحة المعركة السورية. اجتذبت الحرب السورية التي يقترب عمرها الآن من الست سنوات الكثير من المتعاقدين العسكريين الذين شاركوا في أدوارٍ قتالية على كلا جانبي الحرب.

ملحمة تاكتيال هي أول شركة أمن خاصة تعمل حصريًا لصالح الجماعات المتطرفة، إلا أنها ليست أول شركة أمن تدخل ساحة المعركة السورية

كان الإصدار الأول لشركات الأمن في سوريا يدعى سلافونيك كوربس (وتعني الفيلق السلافي)، وهي شركة لم تكلل بالنجاح كانت مسجلة في هونج كونج وضمت عسكريين روس سابقين عملوا إلى جانب قوات النظام عام 2013، حسب تقرير لمجلة ذي إنتربريتر. لكن سريعًا أصبح من الواضح أن تلك الشركة ليس لديها الدعم الكامل من الحكومة السورية، حيث سرق الجيش السوري مركباتها أول الأمر، ثم لم تصل مستحقاتها المالية، وفي النهاية اصطدمت مروحية تابعة للقوات الجوية السورية بقافلةٍ لها بعد طيرانها على ارتفاعٍ منخفض واصطدامها بخطوط الكهرباء، ما أسفر عن جرح أحد المرتزقة. انتهت معاناة الفيلق عندما تم حل المجموعة بعد هزيمتها من قِبل المتمردين في الصحراء بالقرب من مدينة السخنة جنوبي سوريا في تشرين الأول/أكتوبر 2013. عاد المرتزقة إلى موسكو حيث تم القبض عليهم من قبل جهاز الأمن الفيدرالي الروسي لمشاركتهم في الحرب دون تصريح.

عقب تدخل الكرملين في سوريا في آيلول/سبتمبر 2015، وصل ما يقرب من 1,500 مرتزق روسي من مجموعة "فاجنر"، وهي شركة أمن روسية سيئة السمعة حاربت من قبل إلى جانب الانفصاليين المدعومين روسيًا في شرق أوكرانيا، حسب تحقيق لوكالة سكاي نيوز. كانت مهمة الشركة هي مساعدة نظام الأسد، وعلى عكس الفيلق السلافي، تتمتع فاجنر بدعمٍ كبير من الحكومة الروسية. تزعم تقارير أن المجموعة يتولى قيادتها قائدٌ سابق بالمخابرات العسكرية الروسية، ورغم أنها لا يعرف عنها الكثير إلا أنه يُعتقد أنها تحاكي نموذج أكاديمي (بلاكووتر سابقًا) عبر العمل كوحدة مشاة للنخبة والاعتماد على دعم الحكومة الروسية، إلى درجة الطيران إلى سوريا على متن طائراتٍ عسكرية رسمية والتدرب في قاعدةٍ للقوات الخاصة الروسية جنوبي روسيا. تظل فاجنر في سوريا حتى اليوم.

في ذات الوقت، حاربت مجموعة من المقاتلين الناطقين بالروسية إلى جانب المجموعات الجهادية التي تخوض الحرب ضد الحكومة السورية. حسب سوفان جروب، يوجد على الأقل 4,700 مقاتل أجنبي من الاتحاد السوفيتي السابق في سوريا، أتت أغلبيتهم من جمهوريتي الشيشان وداغستان الروسيتين. عادةً ما يصل هؤلاء المقاتلون إلى سوريا مسلحين ومدربين على نحوٍ أفضل من المقاتلين المحليين مع أعوامٍ من الخبرة في القتال ضد الحكومة الروسية في جبال الشيشان وداغستان خلال التسعينيات والألفينات.

اقرأ/ي أيضًا: سوريا.. التحالفات الإقليمية ستغير الخارطة العسكرية

سريعًا ما نال المقاتلون المتمرسون احترام المقاتلين المحليين، والذين لاحظوا معدل الوفيات الأعلى بكثير للمتحدثين بالروسية. انضم هؤلاء المقاتلون إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة فتح الشام، بالإضافة إلى العديد من المجموعات الأصغر، حيث أصبح المقاتلون المحليون يعرفونهم بالانغماسيين، وهو لفظٌ يستخدم في أوساط الجهاديين للإشارة إلى المقاتلين الذين "ينغمسون" وسط خطوط العدو لإيقاع أكبر عددٍ من الخسائر دون خطةٍ للعودة أحياء.

لكن في الوقت الذي أصبح فيه الكثير من أقرانهم قوات صدمة على الخطوط الأمامية، اتخذت ملحمة تاكتيكال طريقًا مختلفًا، لتحوز مكانةً مميزة بين عوالم شركات الأمن الاحترافية والمجموعات الجهادية العاملة في سوريا. يعمل فريق ملحمة كمستشارين وتجار سلاح وفي بعض الأحيان، قوات نخبة مقاتلة.

يفسر المسار المهني لأبو رفيق المكانة النخبوية لملحمة، صرح أبو رفيق لفورين بوليسي بأنه انتقل كشابٍ من أوزبكستان إلى روسيا، حيث، إلى جانب تكوين عائلة، انضم إلى إحدى وحدات النخبة العسكرية الروسية المحمولة جوًا. في عام 2013، غادر أبو رفيق روسيا متجهًا إلى سوريا، حيث بدلًا من الانضمام إلى أحد الفصائل، كما يفعل أغلب المقاتلين الأجانب، ظل أبو رفيق مستقلًا ومتنقلًا بينهم، قبل أن يؤسس ملحمة في 2016.

خلال عام 2016، دربت وحدات ملحمة فصيل أحرار الشام الإسلامي وجبهة فتح الشام على القتال في المناطق الحضرية لمساعدتهم في القتال ضد النظام السوري في حلب. في أحد مقاطع الفيديو، يتدرب المتدرِبون على إطلاق العديد من القذائف الصاروخية والعمل كفرق لمهاجمة أحد المباني. في آخر، يظهر فريق يتكون من اثنين من المقاتلين ويقضي على الأهداف باستخدام القنابل اليدوية والأسلحة الخفيفة، تحت أعين مدربي ملحمة.

خلال عام 2016، دربت وحدات ملحمة فصيل أحرار الشام الإسلامي وجبهة فتح الشام على القتال في المناطق الحضرية لمساعدتهم في القتال في حلب

لا يعد ذلك النوع من التدريب رخيصًا، حيث تقدر تكلفة القذيفة الواحدة التي تستخدم في دورات التدريب بحوالي 800 دولار في السوق السوداء، وهو ما جعل التدريب العسكري لأغلب فصائل المتمردين والجماعات الجهادية لا يزيد كثيرًا عن السير والأكروبات ودروس الرماية الأساسية، لكن بالنسبة إلى الجماعات الجهادية التي تستطيع تحمل التكلفة فإن تدريب ملحمة تاكتيال يستحق تكلفته. اعترف أحد المتعاقدين العسكريين بأن المهارات التكتيكية للمجموعة توفر لها، وأيًا كان من تدربه، تفوقًا واضحًا في ساحة القتال السورية.

في بعض الأحيان عمل أعضاء المجموعة كقواتٍ خاصة للعديد من الجماعات الجهادية. في أيلول/سبتمبر 2016، انضمت المجموعة إلى الحزب التركستاني الإسلامي لمساعدته في صد هجومٍ لنظام الأسد جنوبي حلب، لكن "أبو وفيق" يقول إن الهدف الرئيسي لمجموعته هو تدريب مجموعات المتمردين والجماعات الجهادية الأخرى على القتال بدلًا من المحاربة على الخطوط الأمامية، كما اعترف أبو وفيق بأن ملحمة تنتج معدات للجماعات الجهادية الأخرى حسب الطلب.

اقرأ/ي أيضًا: هل يقود الأردن تنسيق الاتصالات الأمريكية - السورية؟

تتعامل الشركة مع وجودها على شبكات التواصل الاجتماعي بجدية، حيث تعلن عن خدماتها عبر فيسبوك، يوتيوب، تويتر، وموقع فيكونتاكت الروسي، الذي تم إيقاف حساب المجموعة عليه. يعطي حساب المجموعة على موقع إنستجرام الانطباع بأنه تابع لشركةٍ كبيرة لتصنيع الأسلحة. حقق حساب المجموعة على يوتيوب أكثر من 208,000 مشاهدة، وهو عددٌ كبير خاصة بالنسبة إلى حجمها. على سبيل المقارنة، حقق لواء المعتصم التابع للجيش الحر، والذي يفوق المجموعة عددًا بخمسين ضعفًا وأقدم بنصف عام، ما يربو قليلًا على 110,000 مشاهدةٍ فقط. تضم التعليقات على منشورات المجموعة الجميع من متمردين في سوريا إلى جنودٍ أوكرانيين وانفصاليين روس في دونيتسك.

ورغم أن ملحمة تحصل على مقابلٍ لخدماتها، إلا أن أبو رفيق يصر على أنه ليس مرتزقًا. يقول أبو رفيق إن دافع مجموعته يتجاوز المال. "إن هدفنا مختلف، إننا نحارب من أجل فكرة"، يقول أبو رفيق، وهي الجهاد ضد الأسد.

"سوف نرى المزيد من ذلك النشاط مستقبلًا في العقود القادمة"، تنقل فورين بوليسي عن شون ماكفيت، وهو أستاذٌ مساعد بجامعة الدفاع الوطني ومؤلف المرتزق المعاصر، وهو كتابٌ عن الجيوش الخاصة. يرى ماكفيت أن نمو ملحمة هو نتيجةٌ طبيعية لطول الحرب السورية، لكن خلطها للأيديولوجية المتطرفة مع خصخصة الحرب هو توجهٌ فريد ومقلق. "إن قيام مجموعة جهادية بذلك هو مستوىً جديد لأنه إذا كنت تتحدث عن مثاليين متشددين يدفعون مقابل التدريب العسكري، فإن ذلك حدثٌ كبير في تاريخ الحروب المعاصرة"، قال ماكفيت.

جلبت قيادة أبو رفيق له أيضًا انتباهًا غير مرغوب به من قِبل الحكومة الروسية، والتي تعتبره تهديدًا إرهابيًا كبيرًا. في السابع من فبراير، دمرت الضربات الجوية الروسية منزل أبو رفيق في إدلب، ما أسفر عن مقتل زوجته وطفله الرضيع وعدة مدنيين آخرين. رغم التقارير الأولية التي أفادت بخلاف ذلك، أكد مصدرٌ محلي أن الضربات الجوية أخطأت أبو رفيق تمامًا، حيث غادر منزله قبل دقائق من الهجوم لمساعدة ضحايا قصفٍ آخر وقع بالقرب منه.

على أي حال، فقد كان بالفعل لنموذج شركات الأمن الجهادية الخاصة الذي أسسه أبو رفيق تأثيرٌ كبير على المعارك في شمال سوريا ومن الممكن أن يلهم مجموعاتٍ مشابهة خارج الشرق الأوسط. حتى إذا قُتل أبو رفيق ودُمرت ملحمة تاكتيكال، يختتم التقرير، فقد غيّر بالفعل وجه الحرب ضد الأسد، بل وربما مستقبل المجمع الصناعي العسكري على مستوى العالم.