15-نوفمبر-2021

الروائي نذير حنافي العلي

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


نذير حنافي العلي كاتب وصحفي سوري مقيم في ألمانيا. درس طب الأسنان في سوريا حتى العام 2012. عمل في المجال الصحفي، وله مقالات منشورة في صحف عربية وألمانية. كان معدًا وناشرًا لكتاب "أصوات في الثورة السورية" باللغتين الألمانية والعربية. نشر روايته الأولى "فضاء بلا نوافذ" بترجمتها الألمانية عام 2018، وفي 2021 نشر روايته الثانية "قارئة الفنجان".


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

أتذكر تمامًا مكتبتنا الصغيرة في غرفتنا عندما كنا صغارًا. وكيف نحتار أثناء تنظيمها، مرة نضع الكتب إلى الجهة الأمامية حيث ترتكز على بلور المكتبة الصغيرة الواقعة في منتصف خزانة الملابس، ومرة نعيد زحها إلى الخلف، وهكذا كانت مجموعة الكتب تلك تعاني بسببنا كلما اقتضى ترتيب غرفتنا، وكانت مجموعة الكتب هي ذاتها، لا تزداد عددًا ولا تنقص، إذ أننا كنا منشغلين فقط بترتيبها لا أكثر. لكن وفيما بعد اكتشفت أنها كانت كتب ثقيلة الحجم والعنوانين بالنسبة لصبيان لا يقدرون على حمل حقيبة المدرسة، وشغلهم الشاغل آنذاك اقتصر على مذاكرة الكتب المدرسية كأي أطفال ينتمون إلى عائلة من الطبقة المتوسطة السورية، إذ كانت الكتب المدرسية هي من شكّلت خرائط عقولنا، إلى أن صار لنا عقولٌ خارجها، وهنا ما أسميه عالم الكتب الحقيقي لا كما خيل إلينا. مع ذلك والحق يقال، كانت بعض الأشعار والقصائد في المقرر المدرسي تثير إعجابي لا سيما إذ كان المدرس معلمًا حقيقيًا، وقد صادفني أن بعضهم كذلك، فكان درس الأدب العربي ممتعًا لما فيه من شعر جاهلي، وما إلى ذلك، وكنت أحفظها حبًا لا خوفًا، ودفعني ذلك لمعرفة المزيد، فمددت يدي ذات مرة إلى الكتب في مكتبتنا الصغيرة، وبدأت أطالع في صيد الخاطر لابن الجوزي، وكان ذلك الكتاب أول ما قرأته خارج مقاعد المدرسة. وهكذا ظلت علاقتي بالشعر تقودني إلى كتب أخرى بعد التعرف على القصيدة الحديثة، نازك الملائكة ودرويش، ومطر والنواب، وكان كل ذلك تحت وقع تأثير "أنشودة المطر" للسياب التي سحبني إلى عمق هذا العالم الجديد. وتطورت قصتي مع الكتب، وأثناء الجامعة كنت استعير الروايات وعنوانين أخرى من مكتبة من مكتبات اللاذقية حيث كنت أدرس هناك طب الأسنان. ممدوح عدوان ومي زيادة وكنفاني، من شكلت ذائقتي قبل أن تأتي لحظة فارقة تغير علاقتي بالكتاب، لحظة جعلتني ارتبط بالكتاب أكثر من كونه أداة للفكر، وكان ذلك في السجن، إذ راودتني رغبة عارمة خلال الأيام القصيرة في المعتقل، بحمل كتاب بين يدي، ربما لكان الوقت فيه أكثر خفة وأقل مرارة. ومن بعد ذلك صار الكتاب يعبر عن حريتي، وفي كل حقيبة تجدني أضع كتابًا، على الهاتف يوجد كتب، في اللابتوب، في الآيباد، عند السرير، وعلى رف المكتبة، وفي المطبخ.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

كل كتاب قرأته أثمر في وجداني شيئًا. أنا انتقائي جدًا في اختيار الكتاب. وأقرأ عن المؤلف قبل اقتناء الكتاب، لذا قد حفظت سير كثيرًا من المؤلفين قبل أن أقرأ ما كتبوا. وانتقي بعناية تحت تأثير: الأسلوب والموضوع. وإذا اتفقا مع ما أصبوا إليه قرأت الكتاب، لذلك لا أستطيع أن أجزم من كان أكثر تأثيرًا، بل وفي أي مرحلة كان، إذ أنه وفي كل عدة سنوات تتغير المواضيع التي أقرأ بها. مع ذلك لقد ساعدتني قصائد الحلاج في أوقات كثيرة، وأخذ من غضبي وحزني الشعر العربي، وفسرت لي حنا أرندت أمورًا مهمة. ألبير كامو أنقذني في اسطورة سيزيف، وأخرجني كافكا إلى مساحة أضيق من الواقع. ونجيب محفوظ أعادني إلى واقع المدينة العربية الحديثة، وسارتر حدد موقفي من الأدب، وإدوارد سعيد قال عنا الكثير، وأمين معلوف وضع يده على جرح الهوية. وأبيقور قدم فكرة سعيدة عن الموت. وبودلير مات دون أن ينعم بشهرته التي يحظى بها الآن. وسيوران جعل الصعوبات هينة...

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

لا أجهد في البحث عن كاتب مفضل. لكن أجهد في البحث عن مؤلف تصدى لموضوع بشكل جيد. ولا أفكر بالأمر من ناحية من هو الأفضل، بقدر ما أستطيع تعلمه والاستفادة منه أثناء القراءة. وما يهمني فعلًا هو أن يكون الكاتب جديًا ويكتب بحرفية عالية. في أوقات كثيرة أقرأ أبحاثًا لذلك يسقط مع ذلك فرضية الكاتب المفضل. وبالمحصلة أجد دومًا أنه لا يوجد كاتب واحد قال كل شيء، هذا ما يجعل القراءة ممتعة أكثر، إذ تجد متعة المطالعة في كل كتاب جديد، وفي أسلوب مؤلف آخر خلال رحلة البحث هذه.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

عادة أفعل فيما عدا الأدب فإني أطالعه دون أن أدون شيء. تدوين الملاحظات هو أمر مرهق بطبيعة الحال ويطيل من زمن المطالعة، لكن أفضل أن أفعل ذلك عند قراءة الكتب الفلسفية والسياسية والاجتماعية. وكنت قد بدأت بذلك في محاولة حمقاء لتلخيص محاورات أفلاطون. كانت محاولة جيدة على الأقل فأنا أعود لبعض التدوينات، ونادم لأنني أكملت القراءة دون تدوين الملاحظات بشكل كامل. وأحاول على قدر المستطاع حفظ الأفكار الأساسية على شكل قصاصات، لأنني أشعر بالانزعاج عندما لا أتذكر ما جاء في بعض الكتب ما يدفعني مرات لتفتيش مجددًا في صفحاتها بحثًا عن فكرة ضالة.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

إن لحظة اقتناء كتاب جديدة لحظة تدوم أطول من لحظة تحميل الكتاب كملفPDF . قبل أيام كنت في معرض كتاب، وأدركت حيرتي في الكتب التي توجب على أن أنفق عليها مالي. حيرة هذه اللحظة كانت لذيذة لدرجة أنني تمنيت أن أكون صاحب مكتبة، فكم سوف يكون ذلك جميلًا؟ لكن وبسبب غلاء الكتب وصعوبة اقتناء ما تحتاجه بسرعة ساعدتني الكتب الإلكترونية كثيرًا في الوصول إلى ما أرغب به، وهذا أمر مهم بالنسبة لي. كذلك إن سهولة ترتيب الكتب الإلكترونية في أبواب عدة جعلني أميل إلى الكتاب الإلكتروني: رواية، شعر، فلسفة، سياسية، علم اجتماع ونفس وتاريخ، ومذكرات، هذه أبواب أضيف عليها بسهولة. مع ذلك لا أضيف كتب كثيرة قبل انجاز ما لدي.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

مكتبة فقيرة كحال من لا بيت له. وفيها كتب باللغتين العربية والألمانية. منذ أعوام اتنقل من مدينة إلى أخرى، ولا امتلك عنوان ثابت، وأنا إنسان يتثاقل من حمل حقيبة ملابسه فكيف بمكتبة كاملة؟ لكنني بين فترة وأخرى أقتني كتبًا، عناوين قرأتها وأخرى جديدة ما يجعلني أشعر بأن لحظة تأسيس مكتبة هي لحظة تأسيس وطن جديد. نحن اقتلعنا من أرضنا، والمكتبات كالأشجار تحتاج عمرًا لتكبر وترسخ جذورها في الأرض.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

في الأدب أقرأ لـ غونتر غراس وعبد الرحمن منيف. في الفلسفة أقرأ عن الوجودية. عادة أنوع بين الفلسفة والأدب والتاريخ وأحيانًا أخرج عنها إلى الشعر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة بان علي

مكتبة ميساء منصور