01-يناير-2018

الشاعر محمد المطرود

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


محمد المطرود شاعر وناقد من سوريا، من مواليد مدينة القامشلي، شمال شرق سوريا. يكتب في الصحافة الثقافية العربية. له خمسة كتب مطبوعة آخرها "اسمه أحمد وظله النار". نظّم وشارك في العديد من المهرجانات الشعرية وأسّس منتدى "حالة" الإبداعي. مقيم في ألمانيا.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

لم أنشأ في بيئة متعلمة هَمها الكتاب بقدر ما كانَ همها لقمة الخبز، وتوزيع حصصِ التفاؤل علينا نحن الصغار، حلوى بائسة، يابسة من حانوت تجدُ فيه كل شيءٍ ابتداءً بمتطلبات المؤونة وانتهاءً بسمّ الفئران ومغرِ الشياهِ، اليتمُ الذي عشتهُ جعلني منحازًا إلى أهل أمي المعدمين ماديًا بمقابل آل أبي الأحسن حالًا، لكن الأكثر جفاءً وصلابةً تبعًا لروحِ البدو القاسية فيهم. الكتاب الأول الذي تهجأت صوره كانَ كتاب القراءة في الصف الأول، حيثُ أصدقاؤنا جميعًا باسم ورباب وميسون ومازن، أسماءٌ غير أسمائنا، تمرنا كأنّها أغانٍ من كوكب آخر، وبلا إشاراتِ المرور التي تقف أمامها رباب، إشاراتٌ عرفناها فيما بعد، الكتاب الثاني قرأتهُ وأنا في الصف السادس، أعارتني رفيقتي في المقعد رواية "الأم" لغوركي، ثمّ "وداعًا أيها السلاح" ومع وداعي للابتدائية، سقطتُ في حبّ (صاحبةِ) المكتبةِ، وبدأتُ بهذه اللوثةِ المازالت منسحبةً على حياتي.

  • ما هو الكتاب أو الكتب الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

استطعتُ في وقت مبكرٍ قراءة الأدب الروسي أو السوفييتي، لأقل من خلال الفكر الماركسي الذي تبعته بحكم عادة المكان الذي انتميت له آنذاك، تأثرت برواية "بطل من هذا الزمان"، ورواية جنكيز إيتماتوف "الكلب الأبلق الراكض على حافة البحر"، و"الإخوة كارامازوف" وروايات منيف وحنا مينه وروايات مارغريت دورا وأرنست همنغواي وآخرين، إضافة إلى "المادية الجدلية والتاريخية" و"ما العمل؟"، لأنصرف فيما بعد إلى تلوين القراءةِ بلا معلم مرشد، بحيث سيجدُ من معي كتبًا ذات قيمة وأخرىَ لا قيمة لها أبداً، وهي فترة سميتها "غياب المعلم"، غير أنَّ الغياب لم يجعلني بمعزلٍ عن بعض كتبِ التراث والأدب الجاهلي والعربي عمومًا فيما بعد، ولهذا سأجد بأن قراءة "الكامل في التاريخ" و"طوق الحمامة" و"كتاب الأغاني" وكتب الجاحظ مُؤسِسات عقل وذائقة أتلمسُ قيمتها فيما أنا فيه اليوم بما توطدت بهِ علاقتي مع الكتابة، علاوة على كتبٍ بحثت في التراث ونقده، وهو ما اشتغلت عليه مشاريع تمثلت في الجابري وصادق جلال العظم والطيب تيزيني ومحمد أركون وآخرين.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا هو كذلك؟

الآن لو أتحدث عن كاتب مفضل، لربّما سأتحدث عن عمل مفضّل ضمن معايير ذائقة أكثر من المعيار النقدي، ولهذا فالكاتب المفضل هذا إذا كانَ مستمرًا ولمْ ينجز بعد بيولوجيًا أو كتابيًا سيكون خاضعا لتلك الذائقة وليس لاسمه بسطوته، وهو ما جعل خياراتي تتعدد وتتفاوت بين فترة وأخرىَ، وما رأيته في الأمس مبهر لعله لن يكون اليوم كذلكَ، إلّا أنني تحت قوة السؤال لا بد من إجابة حاسمةٍ، وسأجيب وبما أملك من قوةٍ في القول: سليم بركات، والمعذرات كثيرات لما ذهبت إليهِ أولها: اشتغالات بركات على المكان واللغة وعلى الشخصيات، كذلكَ انتماؤه للجغرافيا التي نتقاسمها، كذلك الهوس من الجميع بالنظر إلى هذه الشخصية الكتابية بوصولها حد الأسطورة، والتصوف فيها، ربما له مساوئ هذا التعبد، لكنّ قراءة صحيحة تجعل المتلقي أن يحدد مفهومه لا ينظرُ للمنتِج بقدر ما سيحاكمُ المنتَجَ.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادةً؟  

لا أجدها عادة حسنة في القراءة حمل قلم للإشارة أو تدوين ملاحظة، ذلك أنَّ هذا الفعل سَيذهب ببعض روح التلقي، وستحضر روح المُحاكم والناقد أكثر من روح القارئ المتذوق، ولهذا أجدني في غمرة النسيان وشبه الزهايمر المبكر ناسيًا لكثير مما قرأت، على أنَّ هذا لم ينسحب على علاقتي بالكتاب فيما بعد، خاصة عندما تولعتُ في النقد ووجدت فيه نصًّا إبداعيًا موازيًا آخر، فصار تدوين الملاحظة جزءًا من اشتغالي بعد القراءة الأولى بقصد وعمد!

  • هل تغيرت علاقاتك مع الكتب بعد زمن الكتاب الإلكتروني؟

هذه العلاقة السيئة مع الكتاب الإلكتروني تؤثر على علاقتي مع الأصدقاء الذين يخصوني بكتبهم عبر الإيميل، إذ أتأخر في قرائتها وفي أحايين كثيرة لا أقرأ، وأحرص لهذا على تحصّل الكتاب ورقيًا أتحسسهُ وتكون لي فيه قراءتان، جوانية وأخرى بصرية، لما ما للورقِ ورائحته وملمسه من تأثير، ما زلت عبر هذا المقياس متخلّفًا وحريصًا على الودّ القديم.

  • حدثا عن مكتبتك؟

حالة اللااستقرار التي عشتها، جعلت المكتبة بمعناها المكاني غير واضحة، أذكر أني مرة عبأت الكتب في أكياس وصناديق، وأنَّ نسوة من عائلتي ألقمنَ الكثير أمهات الكتب لنار التنور، وأذكر مرةً عقبَ اعتقالٍ مبكر في التعسينيات أحرقَ أخوالي كتبًا رأوا وجودها قد يؤخر من فكّ أسري، وأذكر أنَّ أصدقاء شعراء زاروني في لحظات مهرجان القامشلي الشعري الأول، وكانَ أول ما سألوا عنه المكتبة، فدللتهم إلى غرفةٍ تكدسّت فيها أرواحُ كتّاب كثر، كانت مفاجأة لهم أن يكونَ هذا الإنسان الشغوف بالقراءة لا يملكُ رفوفًا تنتظم عليها تلك الأرواح، وأخيرًا قبلَ النزوح الكبير، تحمّلت زوجتي مهمة صنعِ المكتبة، أعطت لجارنا النجار الخشب الكافي وأعدت الغرفة المناسبة لتكون المكتبة، لكنَّ النار التي جاءت إلى أرواحنا، جعلتنا ننجو بما حملنا من ملابسنا، تاركينَ الكتب لسقيفة رطبة. الآن في ألمانيا أؤسس لما يشبهُ المكتبة وأنا كلي ثقة بأنني سأغادرها إلى مكانٍ وشأنٍ آخرَيْن.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

لديَّ مشروع بإعادة قراءة كتب سبقَ وقرأتها، تلكَ الكتب التي لم أستفد من إسقاطاتاتها لعلّي أجدُ فيها ما يشي بيومنا هذا، بين يدي "الأخوة كارامازوف" لدوستوفسكي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة عصام السعدي

مكتبة خضر الآغا