09-ديسمبر-2019

المترجم كاميران حوج

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


كاميران حوج مترجم من سوريا. متفرغ لترجمة الأدب الألماني إلى العربية، وترجم العديد من الأعمال الأدبية، من أبرزها أعمال باتريك زوسكند، وغونتر غراس، ودانييل كيلمان، وميشائيل كولماير، وكريستا فولف، وايلما راكوزا، وشتيفان فايدنر.. وسواهم. في رصيده أكثر من عشرين كتابًا. كما له ترجمة من العربية إلى الألمانية وكتاب بالألمانية بعنوان "الشعر العربي والوعي الجمعي".


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

في القرية، تل عربيد، التائهة في الطين شتاء والغبار صيفًا، كان ثمة جامع متهدم في جنباته نسخ كثيرة من القرآن وغيره من الصحف لا يلمسها أحد خشية العقاب. وبما أنني أتردد على القرية، مسقط رأسي، زيارة، كنت أتجرأ على خرق الحرمة ملتمسًا شفاعة تلك التصانيف المصفرة، متهدلة الغلاف، لأؤخذ بالفتك بالكلمات والإشارات لأفسد من ثم بجرثومة القراءة.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

حين تكون الذاكرة مثل حنكليس لا يمسك، تختلط القيعان بالمياه الضحلة. لا أذكر مما قرأت إلا شذرات شاءت أن تتجذر عذبة مثل ندبات علامة على جرح انتهك الجسد دون أن أقدر على تقصي منابعها. حينا أظن أن دوستويفسكي بمجرميه وبلهائه ترك الأثر القاطع في تشكيلي وحينًا أتمثل زوربا يهتك الحجب القاتمة، بينما لا أجيد الرقص. هل أقول أي كتاب خرق إبهامي وأنا أتقلب فيه أم أيها أدخلني بوابة الكوابيس؟ أي الكتب سرقتها من مكتبة عامة أم أغمضت عليها عينًا وهي مستعارة من أصدقاء؟ الكتاب المقدس! جلجامش العبثية المكتملة قبالة الموت، وأوزوريس الذي أغرى بأخته الجميلة إلى رحاب الجسد. كليلة ودمنة فاتحة الخرافة المدونة والقرآن بأفقه الرحب على اللغة.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

حين أستحضر الأسماء لأستدل أتعثر. ثمة من يفتح لك عينيك على الدهشة ويزيح المعرفة من ضلالة إلى ضلالة أشد لكي يرشدك إلى تعدد الحق (دوستويفسكي مثلًا) وثمة من يبعث بهجة الانتهاء إلى الفناء (الصوفية مثلًا)، كما أن هناك من يأخذ بك إلى الغرق الشهي (سليم بركات مثلًا) ومن يضفي عليك الخرق اللذيذ (كازانتزاكيس).

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

بما أن قراءاتي لم تكن قط ممنهجة ولا من حقول محصورة كنت أعمد أحيانًا إلى "استخراج" المكتوبات من القمامة في قرية قريبة من القامشلي ليكون بين يدي اي شيء أقرأه وأرميه من ثم على طريق العودة إلى البيت. حين بدأت حياة أكاديمية في ألمانيا صرت أنقل من المراجع لأكتب للأستاذة ما يودون أن أكتبه. عدا هذا لم أنقل إلا ندرة نادرة من الجمل لأدل عليها آخرين.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

كانت لي عينا صقر حتى قبل أربع سنوات. هنا صار عندي لابتوب أقرأ عليه وموبايل أستخبر منه العالم الافتراضي. وهذا، الموبايل أعني، من أسخف مخترعات البشرية لأنه يناديني أن أقرأ منه. كنت حين أقرأ كتابًا من ورق، كما هو شأن الكتاب، أتلذذ بوزن الورق، بمعيار الجملة ومكاييل الكلام. وحين أقرأ الآن على هذه الآلات أستعجل الصفحة لتنتهي والخبر ليمضي.

لا متعة في الآلة. الآلة تجعل العقل مثيلًا لها همها الأول هو الاستنزاف والإنتاج السريع.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

مكتبتي خبأتها تحت السرير. لا وسع عندي لمكتبة، اللهم بضعة من ترجماتي وقواميسي. ربما في هذا فائدة. لأني الآن حين أحصل على كتاب أقرأه من فوري إذا توافر وقت لأني أعرف أنه سيختفي تحت السرير.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

اكتشفت فؤاد التكرلي متأخرًا بفضل صديق، وحاليًا أقرأ له بشبه هوس. وجدت لدى التكرلي الكثير مما أفتقدته في الرواية العربية في زمنه. أنهيت قبل أيام "المسرات والأوجاع"، لأندهش بمقدرتها على سرد تاريخ العراق وتطورات إنسانه أدبيًا دون أن تتوه في الوثيقة أو الإشارات إلى الانقلابات السياسية والحروب المتكررة. سيرة العائلة والمجتمع، كما عرفناها من توماس مان مثلًا، مسكوبة في دنان مفتوحة ينهل منها كل قارئ قدر ما يشاء بسرد أخاذ ولغة ممتنعة. وأقرأ له رواية أقدم، "الرجع البعيد"، مستمتعًا باستخدامه العامية البغدادية في حوارات شخصياته لتكون أقرب إلى وقعها المعاش.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة أمل السعيدي

مكتبة محمد سامي الكيال