06-ديسمبر-2021

الفنانة كاملة محمد

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


كاملة محمد فنانة تشكيلية فلسطينية من مواليد 1988. أم لأربعة أطفال، ومؤسسة نادي للقراءة. حاصلة على عدة شهادات في الفنون والكتابة الإبداعية والمسرحية ورسم قصص الأطفال. عضو في نادي مبدعات البلاد "الكنعانيات للإبداع".


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

الأرق والسهر وقلة النوم التي تصاحبني منذ الطفولة كمشكلة غير مبررة. كنت في الليالي أتخيّل أشخاصًا أحاورهم، وقصص وحكايات، أعيش عالمًا كاملًا من الخيال. وحين وقعت بين يدي القصص الأولى، ومع انجذابي لحصص المطالعة المدرسية، وجدت عالمًا يشبه ذلك العالم الساحر الذي كنت أتخيّله ويأخذني من واقعي، فالمخيلة أصرت على سحبي من واقعي، صرت من رواد مكتبة المدرسة، أنهي كتابًا، وأبدله بآخر في وقت قصير. السهر باعثٌ وخالق للأسئلة، وكل سؤال يولّد أضعافه، فتجد ما يمنح تلك الأسئلة ما يشبه الإجابات من خلال الكتب وبين دفتها، وهكذا تصبح الكتب جزءً لا يتجزأ من الأيام والعمر، وتصبح صورة وانعكاس لعوالمنا التي نبنيها، أو تفرض نفسها علينا. جاء بنا إلى ذلك العالم خوفٌ ما، ربما كلمة أو نقصٌ كعادة النفس أُريد لنا أن نملأه من خلال الكتب، التي تشكل العالم إذا اتضحت علاقتنا بها.

  • ما الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

كل كتاب من الكتب التي قرأتها له أثر على نحوٍ ما، حتى أقل الكتب تأثيرًا. وما دمت تتذكر اسم كتاب قرأته، فهذا دليل على تأثيره، التأثير الخلّاق الذي يترك بصمة في تكوينك الفكري، وعلاقاتك بالمفاهيم والمتغيرات. أستطيع أن أذكر ثلاثة كتب مقرونة بمراحل عمرية متباينة، وهي: رواية "في بيتنا رجل" للكاتب إحسان عبد القدوس، التي قرأتها خلال المراهقة، وهي الرواية التي افتتحت علاقتي بالقراءة الأدبية، وأظنها افتتاحية نخبوية كثيفة التأثير عليّ كإنسان أولًا، وكمتأملة ثانيًا، ذلك أنها تترك في الذات سؤالًا مفتوحًا حول الأشياء وفكرتها.

"الضوء الأزرق" لـ حسين البرغوثي، وهو الكتاب الذي نشب في داخلي صوت صراخ حين بدأت بقراءته، وأعتبره أشبه بجنون متعقّل يأخذ بيدك نحو هدمٍ غايته البناء، بناء الوعي والفكرة والصورة والصيغة. كانت هناك أصوات تخترق كل ما هو راسخ في رأسي، وتدفعني لتكوين وصنع سؤال جديد يربك التسليم بالواقع. كان ذلك الصراخ صوت للثورة الذاتية التي شكّلت مساراتي فيما بعد.

"الطنطورية" لـ رضوى عاشور التي كانت قفزة حقيقيّة في مجرى تفكيري، وعلاقتي بهويتي القومية وصورة المكان، حقيقة الأرض والبلاد. كانت رواية من الروايات التي تنقلك مما أنت عليه، من مستوى رؤيتك، إلى حيث يجب أن تكون سواءً كانت الفكرة ذاتية أو قومية او فكرية.

  • من هو كاتبك المفضل؟ ولماذا أصبح كذلك؟

في الحقيقة لا أستحسن كلمة مفضل في الأمور كافة، خاصة الكتب والكتّاب. في هذا العالم لا وفاء ولا إخلاص للأسماء، وما دمنا نقرأ فإن التفضيلات متغيرة، ويقوم الوقت بتحديثها على الدوام. ربما ننسى الأسماء، ولكن نتذكر الفكرة والشعور. بعض الكتّاب تُلهمك أفكارهم أو تجد نفسك فيها، ثم تعجب بهم لأجلك أنت، فيدفعك ذلك إلى اقتناء بقية كتبهم.

الكاتب الذي ترك أثرًا فيك هو من ستجده حاضرا بكليّته وليس بورقه في مكتبتك. وعلى سبيل الانتقاء الفني وليس اليقين المرتبط بالذكر، أستطيع ذكر بعض الأسماء التي أشعر بصداقتها تزامنًا مع قراءة ما أنتجت من فن وفكر، ومنهم: حسين البرغوثي، سيوران، بول أوستر، ألبير كامو، ودوستويفسكي. سأترك في النهاية اسمًا خاصًا، فكرًا ومدرسة عظيمة، أحب وجوده في مكتبتي وعقلي، أجعلها متوارثة لأبنائي. صاحب الاسم والصورة والسيرة: غسان كنفاني. وفي هذا السياق أستعيد قول يوسف إدريس: "اقرأوا غسان كنفاني مرتين؛ مرة لتعلموا أنكم موتى بلا قبور، ومرة لتعلموا أنكم تحفرون قبوركم بأيديكم".

  • هل تكتبين ملاحظات أو ملخصات لما تقرئينه عادةً؟

أترك الكثير من الآثار والخطوط والخرابيش على الكتب، أقرأ بلا تخطيط وأحب هذا "اللاتخطيط" الذي يقود إلى التلقائية في الفهم وتشرُّب الفكرة والوصول إليها. لكن بعض الكتب تدفعك للحديث عنها، تكتب لتشاركها مع الآخرين كواجب أخلاقي تُكسبُنا الكتب إياه، ويجدر بك أن تتقاسم هذا الواجب لتعززه في نفس الآخر، وهذا أقصى وأهم ما تمنحنا إياه المعرفة. أكتبُ الملخصات حين يكون هناك نقاش حول الكتاب مع أصدقائي ورفاق القراءة، كما يحدث في أوقات متفرقة من الوقت من خلال نادي للقراءة نجتمع فيه للقراءة وعليها بين حين وآخر.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

لا زلت أفضل الكتاب الورقي على سواه، وليس ذلك لفكرة شاعرية، ولكن حين ألامس الأوراق بيدي، فإن تركيزي يبدي ردة فعل تلامس الفكرة بوضوح ومهارة وثبات. وعلى ذات المنوال، أكتب بالقلم وأطوّعه لتحديد ما أريد تحديده في الكتب التي أطالعها، أستشعر الأشياء وأشعر بها أكثر ما دامت بين يدي. ما دامت الكتب الورقية موجودة، ستبقى العلاقة قائمة رغم ما يكتنف الحصول عليها من صعوبة أحيانًا وانتظار طويل. قرأت القليل من الكتب الالكترونية التي لا أستطيع الحصول عليها ورقيًّا، بسبب تعقيدات المكان وظروفه، ومنع بعضها.

  • حدثينا عن مكتبتك؟

أملك مكتبة متواضعة في البيت، بالكاد تتسع للكتب التي أقتنيها، والحقيقة أن البيت كله من الممكن أن يكون مكتبة من خلال فوضى الكتب الماتعة والتي أحب، إذ ربما تجد كتبًا بجانب السرير، على الطاولة، في زاوية المطبخ، في صندوقٍ خلف المكتبة، ينتظر مكانًا له. هذا الانتشار اللطيف الذي يجعل من بيتي استثنائيًا وذات نكهة معرفية، يمنحني وأسرتي الصغيرة المعنى الذي أبحث عنه في جماليات المكان. الكتب التي على رفوفي تُماثل أفكاري وسيرورتها، تنقلاتي منذ افتتاحية حياتي حتى اليوم، تجلس كلها جنبًا إلى جنب باختلافاتها وتبايناتها، وبانتظام يقود لفوضى. لا أحرص على تصنيفها كأشياء، لأن الكتب ليست أشياء بقدر ما هي سراديب إنسانية وتهذيبية لوجودي في الحياة أولًا، وشكل هذا الوجود ثانيًا

كنت في مرحلة ما أفخر بكثرة الكتب وتعدادها حد القداسة، لكن الرغبات والهواجس تتغير مع الزمن ولا تبقى كما كانت في السابق، فكلما عرفت زاد في نفسي نازع أن يعرف غيري، فصرت أهدي الكتب، أتبرع ببعضها فتبقى آثار الفكرة في النفس والمكان، وهذا الأهم والأكثر قيمةً وأثرًا.

  • ما الكتاب الذي تقرئينه في الوقت الحالي؟

ترافقني هذه الأيام رواية "شرق المتوسط" للروائي الكبير عبد الرحمن منيف، ويبدو لي أنها رحلة ليست بالسهلة، لكني أستعين بنفسي وتفاصيل تلك الرواية المجنونة، لأظفُر ويظفُر تاريخي مع القراءة بكنز أدبي جديد كـ "شرق المتوسط"، يُضاف إلى قائمة ما قرأت.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة حنان جاسم خمّاس

مكتبة بيسان طي