25-أبريل-2022
الشاعر والناقد فادي العبد الله

الشاعر والناقد فادي العبد الله

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


فادي العبد الله كاتب وحقوقي ومحاضر وشاعر وناقد موسيقي من لبنان، من مواليد طرابلس 1976. تتنوع مقالاته بين القانون والموسيقى والأفلام والنقد الأدبي والفن المعاصر، وقد نمّى اهتمامًا خاصًا بالموسيقى العربية التقليدية وصلتها بالأنظمة الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بها. محرر فخري في مجلة معازف المتخصصة في الموسيقى. أشرف على كتاب "سماع الشرق" (بالفرنسية، 2020) في مناسبة المعرض الذي قدمه متحف MUCEM (متحف حضارات أوروبا والمتوسط، في مارسيليا) بالتعاون مع مؤسسة البحث والتوثيق في الموسيقى العربية (أمار) وشارك في ندواته. نشر خمسة دواوين شعرية وشارك أيضًا في عدد من معارض الفن المعاصر وورشه حول العالم.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

كان لبيتنا بابان، أحدهما يفضي إلى غرفة الجلوس والآخر إلى المكتبة، وهو الذي كان لدي مفتاحه منذ فترة المراهقة. لكنني أظن أنني وقعت قبل ذلك في غرام القراءة، على الشمعة أحيانًا عند انقطاع الكهرباء ليلًا في المثلث الذي ينشأ من تقاطع البيانو مع حائطين، أو قبل ذلك في صالون جدي الأسبوعي، حين كنت طفلًا أجلس في حضنه، وأشاهد بانبهار شاعرًا من طرابلس، المرحوم عزمي الخياط، وهو يلقي قصائده يقرأها من مخطوطة ملفوفة يفردها، لا من ورق يقلبه.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

صعب تحديد كتابٍ مفرد، يمكن بالتأكيد أن أذكر "كلمن" لأحمد بيضون لما فتحه لي من اهتمام بالمفردة والحرف واللغة العربية، بإعجازه في فصاحته وظرفه، و"الرؤوس" لمارون عبود الجامع أيضًا إلى الظرف كونه مدخلًا بديعًا إلى عوالم الشعر العمودي القديم. وبالفرنسية قد أذكر محاورات ومفاوضات جيل دولوز مع كلير بارنيه، وكتابه الرائع عن ميشيل فوكو. لكن الكتاب الذي، دون شك، كنت قد غرقت فيه طويلًا، ايام المراهقة بمتعة توازي متعة اكتشاف دون كيشوت لاحقًا، كان طبعة شعبية من حوالي 12 مجلدًا يقع كل منها في حوالي 900 صفحة من سيرة الشاعر أبو الفوارس عنترة بن شداد.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

لا أظن أن لدي كاتبًا واحدًا مفضلًا. بالفرنسية أحب أناقة لغة ليفي ستروس وحيوية دولوز وذكاء بارت في ربط الفكر والفن بالجسد. لكن هنالك كاتب لا أظن عربيًا يستطيع الفكاك منه، هو أبو الطيب المتنبي، حيث يظل كلامه يجري على ألسنتنا وأطراف أصابعنا، لكنه أيضًا كلما تأملته وجدت فيه معاني وزوايا لم تبصرها فيه من قبل. وكتاب العلايلي عن أبي العلاء المعري (عن دار الجديد) يكشف سترًا عن احدى هذه الزوايا العديدة لعبقرية جمعت كل ما قبلها وألف عامٍ مما تلاها وظلت على نَبْوَةٍ وحيدةً.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟ 

أقوم بذلك إذا كانت القراءة في إطار بحث تحضيرًا لكتابة لاحقة. وإلا فإني أفضل ألا اكتب مثل هذه الملاحظات، وأن أترك لنفسي متعة اعادة اكتشاف الكتاب، وربما تغيير زاوية النظر إليه لاحقًا.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

نادرًا ما أقرأ كتابًا كاملًا الكترونيًا، إلا إن كان، مجددًا، لهدفٍ بحثيّ. والمتغير هنا هو بالضبط سهولة الإتاحة لكتب كان الوصول إليها مستحيلًا، أو يتطلب وقتًا طويلًا، وكذلك خاصية البحث عن كلمة معينة او اسم، بما يسهل البحث.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

لئن كانت الجنة، وربما العالم، تأتي على هيئة مكتبة على ما يحلم بورخيس، فإن المكتبة أيضًا تصير على العالم، ومثله أيضًا مكتبتي متشظية بين الأماكن، حيث تركت مئات الكتب في مخزن والدي، ومثلها في بيتنا بلبنان، وفي قبو شقتي الباريسية، وتحاصرني الكتب في هولندا حيث أعيش، ومثله أيضًا هي متشظية بين اللغات المختلفة التي أقرأ بها والمواضيع وأنماط الكتب، حيث تتجاور الكتب الفلسفية والأدبية مع كاتالوغات المعارض والرسوم المصورة والأنطولوجيات القروسطية والصوت في الفن المعاصر ونتاجات الأصدقاء مع أساطير الأولين.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

اهتمامي الحالي هو تحضير كتاب عن الموشحات المغناة، سيكتب بمشاركة صديق لي، وهذا دعانا إلى مراجعة عدد ضخم من المخطوطات والمراجع وكتب الموسيقى والسير والرحلات القديمة والدواوين، من العصر الأيوبي إلى أيامنا. ولا نزال غارقين في كمّ ضخم من النصوص المهملة مع الأسف. وإلى جانب ذلك أقرأ نصوصًا لأدورنو ومسرحيات إسخيلوس وكتبًا لأصدقاء لم تنشر بعد.