07-يونيو-2021

الكاتب والصحفي عمار لشموت

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


عمار لشموت كاتب وصحافي جزائري. يكتب في موقع ألتر جزائر. مهتم بالشأن السياسي وتاريخ الحركة الوطنية الجزائريين.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

في الحقيقة، لقد وضعتني عدة محطات في حياتي في قلب هذا العالم، فقد نشأتُ في بيت كان للكتاب فيه مقام كبير، حيث كان الوالد رحمه الله مهتمًا بالاطلاع على تاريخ الحركة الوطنية وحرب التحرير بحكم انتمائه إلى جيل الثورة، وقد شكّل ذلك النوع من الكتب لغزًا كبيرًا وددت حله في مخيلتي وأنا فتيّ، فكنت أزور تلك الكتب من حين لآخر وألامسها بشغف وعناية واهتمام.

كانت عمتي "صليحة" تسكن معنا في البيت العائلي الكبير، وقد شغلت منصب أستاذة في الأدب العربي، ودائمًا ما كانت ترافقها في محفظتها كتب طه حسين، العقاد، أشعار أحمد شوقي، كتب المنفلوطي، فكانت لي فرصة الاطلاع على ما كان في جعبتها بغية فك أسرار هذه اللغة الآسرة.

أتذكر جيدًا عندما كنت في الطور المتوسط قيادتي لحركة احتجاجية مع زملاء لي ضد إغلاق مكتبة المدرسة أمام الطلبة من طرف الإدارة، فقد كانت المطالعة طقسًا لا بد لنا من ممارسته، رغم كل العوائق التي كانت توضع أمامنا.

مرت سنوات، وتوقفت عند المحطة الثانية في عالم الكتب، وقتَ بروز التيارات الدينية مطلع التسعينات، وحصول نوع من الانفتاح السياسي في الجزائر بعد أحداث تشرين الأول/أكتوبر 1988، إضافة إلى بروز أزمة الشرق الأوسط، وقد عرفت هذه الفترة وفرة ملفتة في سوق الكتاب الديني، حيث بدأت كتب محمد الغزالي، سعيد رمضان البوطي، فتحي يكن، سعيد حوى تغزو المكتبات وباعة الأرصفة وتصل إلينا ونحن نلج المرحلة الثانوية، ولأن تلك الكتب كانت أقرب ما تكون إلى الأدب والخواطر الدينية، فقد فتحت أعيننا على شغف القراءة بحثا عن ذواتنا ربما، أو عن أجوبة للأسئلة التي أرقت أدمغتنا الفتية. ما زلت أذكر جيدًا ذلك المركز الإعلامي المصري الذي يقع في قلب الجزائر العاصمة، وكان المسؤول عن مكتبته آنذاك شخص يدعى الأستاذ محمود.

هناك، سجلت نفسي لأكون من بين رواد المكتبة، وبدأت باستعارة كتب نجيب محفوظ، وروايات إحسان عبد القدوس، وأعمال توفيق الحكيم، يوسف ادريس، أحمد أمين، وأشعار نزار قباني ومحمود درويش.

لقد شكلت التطورات السياسية والتغيرات الدولية كحرب الخليج، وسقوط جدار برلين، وانهيار الاتحاد السوفياتي، إضافة إلى الصراع العربي- الصهيوني، محور اهتمامات كبيرة لي في القراءة في تلك الفترة الحرجة، وغصت خلالها في كتب التاريخ وعلوم السياسة والجيوبولتيك.

من ثم، جاءت المحطة الفعلية التي شهدت التزامي الجاد أخيرًا بالسكنى في عالم الكتاب، حيثُ اشتغلت في دُورِ نشرٍ لاستيراد الكتب، توسعت معرفتي، وزاد اطلاعي مع احتكاكي بدور النشر العربية، وهو ما سمح لي بتوسيع آفاق القراءة وتحسين انتقاءاتي للمطالعة.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

أظن أنه لكل مرحلة حياتية عشتها مع الكتاب، عناوين تستوقفني للذكرى: "خلق المسلم" و"جدد حياتك" لمحمد الغزالي في المرحلة المتوسطة كانا ذا أهمية بالغة في حياتي، بعدها اطلعت على مؤلفات خليل جبران خليل وميخائيل نعيمة، وشكلت تلك النصوص الحرة منعرجًا في تكويني النفسي والروحي واللغوي، ومن ثُمَّ أتت روايات أجاثا كريستي لتخلق في نفسي بداية هوس بالروايات البوليسية، كما شكلت روايات مورافيا في مرحلة ما من حياتي نوعا من الصدمة أو تغير الرؤى، خاصة روايتي "الملل" أو "الضجر". بالنسبة للمذكرات، فهي تشكل شغفًا مستقِلًا بذاته في اهتماماتي بالمطالعة، إذ تأثرت كثيرًا بمذكرات نيلسون مانديلا، وكتاب "وأصبحت" لـ ميشال أوباما، إضافة إلى سيرة حياة بورقيبة لصافي سعيد.

أما في مجال الأدب والرواية، فقد راقتني أعمال عبد الرحمن منيف كـ"أرض السواد" و"مدن الملح"، وقرأت بشغف كبير أعمال بول أوستر، وروايات هاروكي موراكامي.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

سياسيًا وفكريًا، أنا معجب بأطروحات عزمي بشارة، أعتقد أن لهذا الباحث إسهامات وبحوثًا ملفتة حول مجمل إشكاليات الوضع العربي والمغاربي اجتماعيًا وسياسيًا، وهو يشتغل على رهانات المجتمع المدني، والقوميات العربية، ويعمل على تجديد نمط التفكير العربي، كما أن له مؤلفات جيدة حول الدين والعلمانية والظاهرة الطائفية. أما أدبيًا فأنا من عشاق أعمال هاروكي موراكامي رغم أنها تتميز بالسوريالية والعبثية، إلا أن شخصياته الروائية جذابة، وإيقاعه الموسيقي في الكتابة ساحر بحق.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

يمكن اعتبار هذا الطقس مقدسًا بالنسبة إلي، فكل كتاب في جعبتي يخزن بين صفحاته قلم رصاص لتسجيل الأفكار والملخصات والملاحظات، وتعيين الفقرات ذات الأثر، أو تلك التي تدفعني نحو التساؤل والتفكير، وفي العادة، أكتب بعض القراءات لروايات أو إصدارات جديدة قصد مشاركة القراء، أو لدفع فضول القارئ نحو اقتناء تلك الكتب، وبالتالي ترسيخ تقاليد القراءة.

  • هل تغيرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الالكتروني؟

لا أخفي عنك أن الكتاب الإلكتروني يشكل إضافة نوعية للمقروئية، لكنني ما أزال متعلقًا بالكتاب الورقي، هنالك علاقة تبادلية وإحساس عميق بفعل القراءة عند ملامسة الورق.

  • حدثنا عن مكتبتك؟

لدي مكتبة متنوعة ومتعددة الأقسام، بدءً من كتب العلوم السياسية والتاريخ، ومرورًا بالروايات والسير الذاتية والموسوعات، إضافة إلى الكتب التراثية، ووصولًا إلى كتب تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

دائمًا ما أختار أكثر من كتاب في ذات الفترة، فأنا أطلع حاليا على مؤلف "قراءات في القرآن الكريم" لمحمد اركون، وكتاب "في المسألة العربية، مقدمة لبيان ديمقراطي عربي" للدكتور عزمي بشارة، إضافة إلى "ما بعد الإسلاموية، الأوجه المتغيرة للإسلام السياسي" لآصف بيات وبترجمة محمد العربي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة حامد الناظر

مكتبة كامل فرحان صالح